مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم

اشارة

نام كتاب: مباحث فقهية- الوصية، الشركة، صلة الرحم

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: قمّي، سيد تقي طباطبايي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: المقرر- چاپخانه امير

تاريخ نشر: 1419 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: زهير يوسف الدورة

شماره بازيابي : 5-3800

شماره كتابشناسي ملي : ع 3800/2

عنوان و نام پديدآور : رساله في الفقه[نسخه خطي]

وضعيت استنساخ : ق 1276

آغاز ، انجام ، انجامه : آغاز نسخه: "بسمله، چهارم آب چاه و آن نجس نمي شود مگر به آنچه آب كر نجس مي شود به آن چنانچه گذشت وليكن مستحب است كشيدن آب آن را هرگاه واقع شود نجاسات در آن"

انجام نسخه: "ولاحبه في ظلمات الارض ولارطب ولايابس الا في كتاب مبين و دو دست را بلند كند و بگويد"

: معرفي كتاب: رساله فتوايي فقهي است در ابواب طهارت و زكات و نمازهاي مستحب كه بر آن حواشي ميرزا و حاجي نگاشته شده است. احتمال دارد رساله حاضر بخشهايي از غايه القصوي باشد كه در آن شيخ عباس قمي و سيد ابوالقاسم اصفهاني رساله عروه الوثقي از سيد محمدكاظم طباطبايي را ترجمه نموده اند فارسي

مشخصات ظاهري : برگ: 149پ - 186پ، سطر 17، اندازه سطور 140x70، قطع 205x125

يادداشت مشخصات ظاهري : نوع كاغذ: فرنگي نخودي

خط: نسخ

تزئينات جلد: تيماج قهوه اي، ضربي، جداول حاشيه اي با بوته هاي ريسه اي، يك لا

تزئينات متن: عناوين و سرفصلها به شنگرف، بالاي برخي از كلمات با شنگرف خطكشي شده

حواشي اوراق نسخه: حاشيه نويسي "ميرزا" و "حاجي مدظله" و "ض" در حواشي اوراق

مهرها و تملك و غيره: در دو برگ پاياني حديث و يادداشت كوتاه به سال 1331ق.، برگ 182 ممهور به مهر بيضوي "يا عبدالله"

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شده .

صحافي شده

با : : نجاه العباد في يوم المعاد810668

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

شماره بازيابي : 255،ع/900

تقديم

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة و السلام علي أشرف الأنبياء و خاتم المرسلين، محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، و علي آله الحجج علي الخلق أجمعين، و اللعن الدائم المؤبد علي أعدائهم و الراضي بفعلهم من الآن إلي قيام يوم الدين.

و بعد: فإن الفقه الإسلامي بما امتاز به من قوة البناء، و رسوخ الأركان، و تعدد الحقول، و سعة الآفاق، و المصادر و الأحكام، في شتي المجالات، و علي جميع الأصعدة و الميادين. لذا احتاج إلي صياغة متقنة مترابطة كاملة، من خلالها يتعرف الإنسان علي معرفة أحكامه في جميع ميادين الحياة، سواء ما يخص دائرة الفرد بخصوصه، أو ما يتعلق بعلاقاته الأخري، التي تربطه مع

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 10

خالقه عزّ و جلّ، و مع أفراد نوعه و مجتمعه، فلا تري مجالا من مجالات الحياة علي مر العصور و الأزمنة، إلّا و للفقه الإسلامي دور فعال في بناء الفرد و المجتمع.

فحينئذ لا بد من التعرف علي مبادئه، و أسسه العامة، لكي يستطيع الإنسان من النفاذ إلي أغوار الأحكام الفقهية، التي تنطوي علي تفصيلات متشعبة، تنفتح منها نوافذ واسعة، يطل من خلالها علي الأحكام المتفرعة، من أصولها المتأصلة، في جذور راسخة.

و هذا كله لا يتسني للفرد إلّا ان يستقي ذلك من ينبوع نمير، صاف، عميق، قد تأصلت فيه القواعد الكلية، التي من واقعها تبرز الأسرار الشرعية.

و لا تجد ذلك كله إلّا في مصدر الحق، و العدالة، و الإمامة، أعني بذلك قوما قد قال الله سبحانه و تعالي في حقهم: إِنَّمٰا

يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1»

فهؤلاء هم الذين عرفوا الفقه بحقيقته الأساسية، التي شرّعها المولي عزّ و جلّ لعباده في جميع شئونهم، عند ما بعث لهم رسولا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيٰاتِهِ و يعلمهم و يزكيهم …

و كيف لا يكون كذلك و قد نزل التشريع الإلهي في بيوتهم.

______________________________

(1) الاحزاب: 33

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 11

فإذا: الرائد الأول لهذه المسيرة العلمية، و الواضع البنية الأساسية لها هو النبي (صلّي اللّه عليه و آله)؛ فإنه حمل علي عاتقه تعليم الأمة الإسلامية منذ ان بعثه الله عزّ و جلّ لهداية البشرية جمعاء، و ما زال الرسول صلوات الله و سلامه عليه يبلغ رسالة ربه حتي جعل قومه خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ، بعد ان كانوا لا يفقهون شيئا.

و من الطبيعي جدا لا بد لهذه المدرسة من رائد يقوم مقام النبي (صلّي اللّه عليه و آله)؛ لكي تستمر المسيرة العلمية علي مدي الأيام و السنين، حتي يبعث الله مَنْ فِي الْقُبُورِ.

و لا يقوم بأعبائها إلّا رجل قد خصه الله سبحانه و تعالي بذلك؛ إذ جعله خليفة لخاتم الأنبياء و الرسل، فهو الصدر الذي تلقي علومه من وعاء الوحي و الرسالة، حيث قال رسول الله (صلّي اللّه عليه و آله) في حقه: «أنا مدينة العلم و علي بابها و هل تدخل المدينة إلا من بابها» «1»

و قال أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه: «علمني رسول

______________________________

(1) البحار: 10/ 117، مستدرك الحاكم: 3/ 127، الجرح و التعديل: 3/ 99، تهذيب التهذيب: 7/ 296- 374، لسان الميزان: 1/ 180- 197- 423، لسان الميزان: 2/ 123، لسان الميزان: 3/ 138، اسد الغابة: 4/ 22، تذكرة الحافظ: 4/ 1231،

فتح الملك العلي: 24- 29- 44.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 12

الله (صلّي اللّه عليه و آله) ألف باب من العلم فتح لي كل باب ألف باب» «1».

و هكذا راح أمير المؤمنين عليه السلام يشيد أركان المدرسة العظمي في جميع حقولها، و في شتي ميادينها، مناديا: سلوني قبل أن تفقدوني «2»

حتي رسّخ قواعدها، و جعلها منارا و مشعلا ينير الطريق لرواد العلم و الفضيلة، و استمر علي ذلك حقبة من الزمن، حتي غادر الدّنيا مثلا عظيما شامخا قد سطع نوره في جميع الآفاق.

و هكذا تعاقب أئمة الهدي صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، علي حمل هذه المسيرة لهداية البشرية بما سنحت لهم الظروف، حتي جاء دور الإمام الباقر (عليه السّلام) فنشر علوم آبائه و أجداده بشكل واسع النطاق، محلّقا بذلك في الأفق؛ و ليس ذلك إلّا لتهيأ بعض الظروف الملائمة له، و إلّا فهم نور واحد، حيث انهم موضع الرسالة، و مهبط الوحي، و معدن الرحمة، و خزّان العلم.

و عند ما شع نوره في أنحاء المعمورة، هرع له كل عطشان للعلم لكي يروي ظماه، حيث يجد ينبوعا غزيرا لا تنقص مياهه كلما غرف منه،

______________________________

(1) البحار: 22/ 470، فتح الملك العلي: 48.

(2) مستدرك الحاكم: 2/ 352- 466، كنز العمال: 13/ 165، كنز العمال: 14/ 612، تاريخ اليعقوبي: 2/ 193.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 13

و يجد أيضا ضالته التي يبحث عنها.

يحدثنا عن ذلك عبد الله بن عطاء المكي، حيث يقول: «ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السّلام)، و لقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي

بين يدي معلمه» «1».

و يقول باقر علم الأولين و الآخرين في هذا المضمار: «لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزّ و جلّ حملة لنشرت التوحيد، و الإسلام، و الايمان، و الدين، و الشرائع من الصّمد، و كيف لي و لم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السّلام) حملة لعلمه» «2»

و لما انتهي دور الإمام الباقر (عليه السّلام)، جاءت الظروف التي جعلت نجله الإمام الصادق صلوات الله و سلامه عليه، يحمل مشعلا يشع منه نور وضاء يسطع في أفق سماء الكرة الأرضية، لكي يهتدي بنوره رواة أحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) حتي التف حوله كواكب لامعة، اقتبست من نوره عليه السلام، و به نشرت علومهم في أنحاء المعمورة، و صارت تلك الأحاديث هي المصادر الأساسية للتشريع الإلهي بعد القرآن الكريم.

______________________________

(1) الإرشاد: 263، البحار: 46/ 286، ح 2، و غيره من المصادر الاخري.

(2) البحار: 3/ 225، ح 15.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 14

و هكذا مارس الرواة دورهم في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام فترة من الزمن، إلي أن جاء عصر الغيبة الكبري، و عندها انقطع دور الرواة و جاء دور الفقهاء.

و كما برز في دائرة الرواة رجال أفذاذ كزرارة بن أعين، و محمد بن مسلم، و أبي بصير ليث المرادي، و بريد بن معاوية العجلي، كذلك برز في دائرة الفقهاء رجال استخرجوا القواعد الكلية، و الأسس العامة، من مصادرها الأساسية، ألا و هي روايات أهل البيت عليهم السلام، التي من خلالها استطاع الفقهاء استنباط الأحكام الشرعية.

و من هؤلاء الأعاظم من الرعيل الأول الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية، و الشريف المرتضي علم الهدي (رحمه اللّه) و الشيخ الطوسي شيخ الطائفة (قدّس سرّه) و بعدهم

العلامة الحلي «طاب ثراه»، الذي كان له دور كبير في تطوير بعض العلوم.

و غيرهم من العلماء الأبرار الذين أسسوا علوما من خلالها يستطيع الفقيه ان يستخرج الحكم الشرعي، كعلم أصول الفقه الذي أخذ من أحاديث أهل البيت عليهم السلام، التي انطوت علي ظوابط كلية، و قواعد اساسية، كالاستصحاب، و البراءة، و قانون التعادل و التراجيح، و غير ذلك من الأصول.

و في الحقيقة ان معرفة قواعد أصول الفقه أمر ضروري لاستنباط الأحكام الشرعية، و فهمها، و إدراكها؛ فإنه الركيزة الأساسية للاجتهاد؛

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 15

إذ يتناول البحث في مصادر الشريعة و قواعدها العامة، و بينه و بين الفقه تلازم وثيق.

و من العلوم أيضا علم الرجال و الحديث، الذي يتناول دراسة في الأخبار؛ لتوثيق الصحيح منها، و استبعاد الدخيل أو الموضوع عنها.

إلي غير ذلك من العلوم التي يحتاجها الباحث؛ لكي تتكون عنده الملكة الفقهيه؛ لذا برز في كل عصر من العصور علماء استطاعوا بما وهبهم المولي عزّ و جلّ ان يطور العلم بنظرياتهم التي تذلل للباحث طريق الاستنباط، و تحل له الصعاب التي يعاني منها الطالب في هذا المضمار.

و من هؤلاء الأعاظم الذين برزوا علي الساحة العلمية في زماننا المعاصر، سماحة سيدنا الأستاذ آية الله العظمي السيد تقي الطباطبائي القمي دام فضله، حيث شهدت له الساحات العلمية انطلاقا من كربلاء المقدسة، و النجف الأشرف، حتي قم المشرفة، باحثا و فقيها و كاتبا و ناقدا.

و من نعم الله سبحانه و تعالي عليّ ان وفقني لأن أكون طالبا صغيرا بين يديه، حتي شملني بعنايته الخاصة، لكي يفيض عليّ من علومه.

و لأجل هذه الرعاية وفقت لأن أكتب جميع الأبحاث التي حضرتها في مجلس درسه و هي

كما يلي:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 16

1- البيع و الخيارات.

2- الاستصحاب.

3- بحوث في التعادل و التراجيح.

4- دورة كاملة في الأصول من بحث الأوامر حتي النهاية.

5- رسالة في الطلب و الإرادة.

6- الصوم.

7- الوصية.

8- الشركة.

9- صلة الرحم.

10- الخمس.

11- النكاح.

12- الإجارة.

و بقية الأبحاث التي ما زالت علي طريق الإعداد.

و السبب في إخراج هذه الأبحاث يعود إلي أمرين:

أ- أداء لبعض حقوق سيدنا الأستاذ حفظه الله.

ب- لكي يستفيد اخواني الفضلاء في جامعة أهل البيت (عليهم السّلام) الكبري، للدراسات الإسلامية العليا، من نظريات سيدنا الأستاذ، لذا قمت بإبراز بعضها إلي عالم النور و هي، الوصية، و الشركة، و صلة الرحم، التي بين يديك؛ لما تشتمل عليه من نظريات و مطالب دقيقه، مراعيا في

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 17

ذلك تسهيل بعض المطالب العلمية بصياغة عصريه بين العبارات الحوزوية و العبارات الأكاديمة؛ لكي لا تفقد صبغتها العلمية الكلاسيكية

و حاولت أيضا لتذليل بعض الصعاب ان أكثر الأمثلة التوضيحية تسهيلا لفهم المراد.

و كنت خلال كتابة هذه الأبحاث أعرضها علي سيدنا الأستاذ دام ظله، لكي يلاحظها بتمامها، فتفضل بذلك شكر الله سعيه.

و وضعت هذه الأبحاث التي بين يديك تحت عنوان «مباحث فقهية» لكي تكون في المستقبل القريب مع التوفيق شاملة لجميع الأبحاث الفقهية الأخري.

و الله أسأل أن يتم النفع بما بذلت فيه من مجهود، راجيا منه سبحانه ان يلهمني الرشد و الصواب، ببركة سيد العباد و آله الأمجاد.

و في الختام التمس من القارئ الكريم غض البصر عما يقع فيه القلم من سقطات أو زلات؛ لأن الكمال لله تعالي وحده، و العصمة لأهلها، و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة و السلام علي أشرف الأنبياء و المرسلين، و

آله الطيبين الطاهرين.

زهير يوسف الدّرورة 15 شعبان 1419 ه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 19

المبحث الأوّل الوصيّة

اشارة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 21

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* كتاب الوصية و هي إما مصدر «وصي يصي» بمعني الوصل، حيث ان الموصي يصل تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة، و إما اسم مصدر بمعني العهد من «وصي يوصي توصية» أو «أوصي يوصي إيصاء» و هي اما تمليكية أو عهدية به (1)

و بعبارة أخري: إما تمليك عين أو منفعة، أو تسليط علي حق، أوفك ملك، أو عهد متعلق بالغير، أو عهد متعلق بنفسه كالوصية بما يتعلق بتجهيزه و تنقسم انقسام الأحكام الخمسه.

قد تعرض الماتن (قدّس سرّه) في المقام لأمرين:

الامر الأول: في تحقيق معني الوصية:

______________________________

(1) فأفاد (قدّس سرّه) بقوله: إما مصدر وصي يصي، بمعني الوصل، و إما اسم

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 22

______________________________

مصدر بمعني العهد، من (وصي يوصي توصية) أو (أوصي يوصي إيصاء) و الظاهر أن الأخذ بالمعني الثاني- كما عليه المشهور- لا ينافي الأول، كما إذا أوصي المكلف بشي ء ما،- سواء علي نحو التمليك، أو التوصية و الإيصاء، أو العهد- بعد موته فلا إشكال أن إطلاق الوصية

علي مثل هذا شامل له، و تصبح الوصية من مصاديق المعني الثاني، و في عين الوقت لا ينافي المعني الأول؛ إذ المراد من المعني الأول هو عبارة عن وصل شي ء بشي ء آخر، فيكون التصرف موصولا لما بعد الموت، فلا منافاة في البين بين هذا المعني و بين العهد بالمعني الثاني، و لا مجال لما قيل في المقام من عدم الاستعمال.

و بعبارة أوضح، أنه لا تنافي و لا تضاد بين كلا المعنيين و المعني المراد في كتاب الوصية، فهو من الواضحات الأولية، و لا يحتاج إلي البحث و الاطناب فيه؛ إذ المراد إمّا توصية بأمر، و إمّا جعل شي ء مورد الاعتبار علي أقسامه.

و في المقام أمر

لا أدري علي أي شي ء يحمل، و هو أنهم قد عبروا في كلماتهم بأن العهد معني من المعاني في الوصية بالمعني الثاني، و الحال أن معني الوصية المراد في المقام كما يعرف من كلماتهم- و من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 23

______________________________

جملتها عبارة الماتن (رحمه اللّه)- تقسيم الوصية إلي قسمين: الوصية التمليكية و العهدية، و هذا التقسيم لا يتمشي مع تعريفهم للوصية؛ إذ لا يمكن أن يكون قسم الشي ء قسيما له.

و بعبارة أخري أنهم يفسرون الوصية بالعهد، و العهد عبارة عن التوصية و الأمر بالشي ء، فبناء علي هذا لا يمكن أن يكون مقسما للعهدية و التمليكية، فعلي ضوء ما بيناه لا مجال للجمع بين التقسيم و التفسير الوارد للوصية، و علي كل حال فالأمر سهل، و بعد أن اتضح ما قلناه، ننتقل الي ما يستفاد من عرف الفقهاء و المتشرعة فنقول: إن للوصية معنيين:

أ- تطلق الوصية و يراد منها العهد الذي يعهده الموصي للوصي، بتنفيذ أمر ما بعد الموت، و هو أعم من كون هذا الأمر إرشاديا كوصية الإمام لابنه الحسن (عليهما السّلام) أم مولويا، لا فرق في ذلك، فالجامع هو الامر بالشي ء و التوصية به، كما ورد في القرآن الكريم، و إليك بعض الشواهد علي ذلك:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 24

______________________________

1- قال الله عز و جل: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً «1»

2- و قال عز من قائل: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ … «2»

3- و قال سبحانه و تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «3»

إلي غير ذلك من الشواهد القرآنية و الشواهد الواردة في السنة، و امّا الوصية الارشادية فكوصية الآباء الي

الأبناء، و الموالي الي عبيدهم، إلي غير ذلك..

ب- الوصية عبارة عن تعلق اعتبار الموصي بشي ء من التمليك أو نحوه كما هو مقرر في محله …

إذا: فالوصية لها معنيان، و لكن لا بد أن نري هل أن لفظ الوصية مشترك اشتراكا لفظيا بين المعنيين، أم مشترك معنويا.

لنا أن نقول: بأن لفظ الوصية موضوع للجامع بين هذين المعنيين، فعلي هذا يكون الاشتراك اشتراكا معنويا لا لفظيا.

______________________________

(1) الاحقاف: 15.

(2) البقرة: 180.

(3) النساء: 11.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 25

______________________________

و صفوة القول: أن الوصية عبارة عن مفهوم جامع بين كلا المعنيين، و موضوعا علي نحو الاشتراك المعنوي لا اللفظي، هذا كله ما يرجع إلي الأمر الأول.

الامر الثاني: تقسيم الوصية إلي التمليكية و العهدية.

قسم المصنف (قدّس سرّه) الوصية إلي قسمين، التمليكية و العهدية، و هذا ما سلكه المشهور و قد نسب ذلك الي أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم)، و يمكن القول: بأن الفارق بين التمليكية و العهدية، أن الاولي تتضمن تمليك الموصي له شيئا ما، سواء كان الشي ء عينا أو منفعة، و تعلقها يكون بالامور الاعتبارية.

و أما الثانية فهي تتعلق بالأفعال الخارجية، كما اذا عهد زيد لعمرو عهدا بأن يتولي بعض الأعمال الخارجية- مثلا- كتجهيزه بعد موته، الي غير ذلك من الأفعال …

و أمّا بالنسبة الي كونها تنقسم الي الأحكام الخمسة، فتارة تكون واجبة كالوصية بحقوق الناس، و أخري مستحبة كالوصية بالإنفاق علي الأرحام و الأقارب، و ثالثة تكون مباحة إذا لم تكن فيها جهة موجبة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 26

[مسألة] (1): الوصية العهدية لا تحتاج إلي القبول (1)

______________________________

لرجحان أحد الطرفين، و رابعة تكون محرمة، و هو فيما اذا تعنونت بعنوان موجب لحرمتها و خامسة تكون مكروهة، و هي فيما اذا

تعنونت بعنوان يوجب كراهتها.

[أحكام الوصية]

[مسألة 1: عدم احتياج الوصية العهدية إلي القبول]

اشارة

(1) الظاهر من كلامه (قدّس سرّه) أنه ناظر الي عدم احتياج القبول بالنسبة الي الوصي فلا إشكال حينئذ في صحة الوصية، و لا يشترط القبول فيها، و أمّا الجمع بين اشتراط الوصية بالقبول من ناحية، و من ناحية اخري أن الوصية العهدية لا تحتاج الي القبول،- و عليه يبحثون في كون الوصية علي إطلاقها هل هي من العقود أو الإيقاعات-، فالظاهر أنه جمع بين المتنافيين و الضدين؛ اذ لو كانت الوصية علي اطلاقها من العقود أو يحتمل كونها من العقود لا يمكن الجزم و القطع بعدم اشتراط القبول فيها.

و بتعبير أخر، لا تخلو الوصية من أمرين إما أن تكون من العقود أو الإيقاعات، فعلي الأول لا إشكال في اشتراط القبول؛ و ذلك لما تعلم بأن قوام العقد بالإيجاب و القبول، فالإيجاب يتحقق من الطرف الأول و هو الموجب، و القبول من الطرف الثاني و هو القابل، و أما علي الثاني- الإيقاع- فلا حاجة إلي القبول، و لا ثالث في البين.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 27

______________________________

و الحق أن يقال: بأن الوصية العهدية من الايقاعات لا العقود، خلافا للمشهور، حيث أنهم جعلوها من العقود، فعلي هذا لا تحتاج الوصية العهدية للقبول، و الوجه فيه: - مضافا لما أفاده سيد المستمسك، حيث قال: هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه- … الخ كلامه- «1».

ان مقتض القاعدة ما أفاده (قدّس سرّه)؛ و ذلك من خلال إطلاق الآيات و الروايات الدالة علي تنفيذ الوصية و الإيصاء من دون شرط شي ء يذكر، حتي نقول: أن الوصية لا تتحقق إلا بالقبول، و توضيحا للمراد نطرح هذا المثال، و هو: إذا فرضنا أن شخصا أمر شخصا أخر

بشي ء، أو أوصي لغيره بشي ء، بلا إشكال يصدق مفهوم الوصية في المقام، و علي هذا الفرض يتحقق مصداق الوصية في الخارج، و يكون مشمولا لإطلاق الدليل.

و ربما يقال: أنه إذا كان للفظ الوصية معنيان؛- إذ تارة يراد منه الإيصاء و الأمر، و اخري يراد منه التمليك و الاعتبار-، فكيف يمكن في مقام الاستدلال أن يؤخذ بإطلاق الدليل، و الحال أنه لا خلاف بينهم في

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة: 14/ 536.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 28

______________________________

أن اللفظ المشترك بين معنيين إذا استعمل يكون مجملا، و الإجمال مضاد للإطلاق؟

قلت: قد تقدم في بداية البحث عند تعريف الوصية، بأن لفظ الوصية مشترك معنوي، فبناء علي هذا إذا فرضنا أن المولي استعمل هذا اللفظ و رتب عليه حكما كما هو كذلك في كتاب الله و سنة نبيه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) و أولياءه «عليهم السلام»، فلا مجال إذا لهذا الإشكال، و لا ريب بالأخذ بالإطلاق كما في بعض الموارد.

مثلا: إذا فرضنا أن لفظ البيع له معنيان، و لكن وضع للجامع بينهما، و أراد المولي من البيع من دون نصب قرينة في المقام، مرتبا علي هذا المفهوم حكما من الأحكام، فلا مانع من الأخذ بالإطلاق في كلا القسمين.

و هذا أمر سار في جميع الموارد؛ إذ في كل مورد يكون اللفظ موضوعا للجامع بين معان متعددة، إذا استعمله المولي في مقام البيان و تمت مقدمات الحكمة نأخذ بالإطلاق، و نجري الحكم بالنسبة إلي جميع أفراده، و المقام داخل في مصاديق هذا الكلي.

و خلاصة القول: أن لفظ الوصية موضوع للجامع بين العهد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 29

و كذا الوصية بالفك كالعتق (1).

______________________________

و التمليك، و

إذا نفّذ المولي الوصية تنطبق الكبري علي الصغري، فنقول:

إن العهد مصداق للوصية، و بمقتضي تنفيذ الوصية كتابا و سنة فهذا نافذ، فيترتب عليه الحكم بلا إشكال.

و في نهاية المطاف نجزم بأن الوصية العهدية لا تحتاج إلي القبول، وفاقا مع المصنف (رحمه اللّه).

[عدم احتياج الوصية بالفك إلي القبول]

(1) من اللازم عدم التعرض لهذا؛ إذ لا فرق بين الوصية العهدية و الوصية بالفك، فكما أنه لا تحتاج العهدية للقبول كذلك الوصية بالفك لا تحتاج إلي القبول أيضا، و الأمر كما أفاده (قدّس سرّه).

و الوجه فيه: أن العتق عبارة عن الإيقاع،- أي فك الرقبة- و هي جعل العبد حرا، و من الظاهر أن المالك للعبد يقوم بفك عبوديته و يصبح حرا في حال حياة المالك، فإذا قال له: أنت حر فلا إشكال في كونه حرا، و كذلك الحال إذا أبرأ ذمة شخص من الاشخاص، كما إذا كان في ذمته حق للموصي تكون بلا إشكال ذمته بريئة مما تعلق فيها، و تكون النتيجة في حال الحياة علي نحو التنجيز.

و امّا إذا علّقها علي الموت فتكون تعليقيه و هذا واضح ظاهر لا يخفي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 30

و أما التمليكية فالمشهور علي أنه يعتبر فيها القبول (1) جزءا و عليه تكون من العقود.

______________________________

علي المتتبع للروايات الصادرة من منبع الوحي؛ إذ المستفاد من الأدلة أنه كلما كان له حق في حياته يكون له كذلك بعد مماته علي نحو التعليق، و علي نحو القضية الشرطية.

و صفوة القول: أنه كما يكون تنجيزه مؤثرا في حال حياته كذلك تعليقه أيضا و لا يحتاج إلي القبول؛ إذ هو من الإيقاعات و يكون نافذا بمقتضي نفوذ الوصية.

[احتياج الوصية التمليكية الي القبول]
يقع الكلام في موضعين:
اشارة

(1) 1- في ما تقتضيه القاعدة الأولية، و الأصل الأولي.

2- في ما ذكر من الوجوه لتقريب الاستدلال علي اشتراط القبول و كونها من العقود.

الموضع الاول [في ما تقتضيه القاعدة الأولية، و الأصل الأولي]

فأمّا الاول: فإن مقتضي الأصل الأولي الاشتراط؛ إذ عند ما يحصل الشك بكون الوصية هل توجب تملك العين أم لا؟ فمقتضي الاستصحاب عدم التملك، و لكن لا بد من الخروج عن هذا الأصل الي الدليل

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 31

______________________________

الاجتهادي، و هو إطلاق أدلة نفوذ الوصية، كتابا و سنة، فإن دليل نفوذ الوصية من الكتاب و السنة يقتضي صحة الوصية علي الإطلاق، و بهذا تكون التمليكية داخلة في دائرة الإطلاق، فلا وجه إذا للاشتراط.

إن قلت: لا مجال للتمسك بالإطلاق؛ و ذلك لعدم كون المولي في مقام البيان؟

قلت: إن هذا الإشكال موهون و لا صحة له.

و الوجه فيه: أن القاعدة الأولية في المحاورات و الألفاظ هي كون المولي في مقام البيان، و امّا عدم كونه في مقام البيان فهذا الذي يحتاج إثباته إلي الدليل.

و بعبارة أوضح: أن الإهمال يحتاج إلي الدليل؛ لأن مقتضي الأصل الأولي- «أصالة الإطلاق» - محكم في جميع موارد المحاورات و الألفاظ الصادرة من المتكلم، اعم من أن يكون من الموالي او غيرهم، و يدل علي هذا مضافا الي الاصل الأولي الاستثنائات الواقعة في أدلة الوصية، و إليك مثالا: و هو نلاحظ في أدلة الوصية أن الشارع الأقدس قد استثني الوصية الزائدة علي الثلث بالنسبة الي ما تركه الميت، و لا ريب أن الاستثناء و التخصيص فرع التعميم، و من خلال هذا و غيره نعلم أن المولي في مقام

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 32

______________________________

البيان.

و لو خليّ الدليل و طبعه لاستفدنا منه العموم و

الإطلاق من دون شك و لا ريب، فالشبهة في هذا المضمار واهية لا يلتفت إليها.

و صفوة القول: أن القاعدة الأولية تقتضي عدم نفوذ الوصية، و مقتضي الدليل الاجتهادي نفوذها، و الحكم بكون الوصية التمليكية من الإيقاعات لا العقود، فعلي ضوء هذا لا تحتاج إلي القبول.

الموضع الثاني [في ما ذكر من الوجوه]
اشارة

و اما الثاني فما يمكن أن يذكر في وجه الاشتراط أو ذكر أمور:

الأمر الأول: الإجماع

و يرد عليه أن المشهور و المحقق في محله عدم حجية الإجماع المنقول، و أما المحصّل منه فغير حاصل، و علي فرض حصوله فهو محتمل المدرك، فلا يمكن بحسب الصناعة العلمية الاعتماد عليه، و الاستناد اليه، أضف إلي ذلك كله أنه تارة يقوم الإجماع علي اعتبار او اشتراط القبول في الوصية، و أخري أنها من العقود، فإذا كان لسان الإجماع علي كون الوصية من العقود يرد عليه أن هذا الإجماع فاسد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 33

______________________________

قطعا؛ إذ العقد مركب من الإيجاب و القبول و شد أحد الالتزامين بالآخر، و الحال أنه في الوصية ما دام الموصي موجودا فلا موضوع لتحقق الوصية كما هو ظاهر، و أما بعد موته فلا وجود له، حتي يقال: بحصول القبول و عدمه؛ إذ لا بقاء لاعتباره في نظر العقلاء، فإذا قلنا: أن هذا عقد لزم أن يتحقق الإيجاب من طرف و انتفاءه من طرف أخر، كما في البيع، إذا قال البائع للمشتري بعتك هذا بثمن كذا، و قبل القبول مات فهل يمكن أن يقال: باتصال القبول مع الإيجاب؟ كلا ثم كلا، و المقام كذلك.

فتحصل مما قلناه: أن الإجماع المزبور لا يرجع إلي محصّل صحيح، و في نهاية المطاف أن هذا الوجه ساقط عن الاعتبار و لا يمكن الاستناد إليه.

الأمر الثاني: أن غاية ما يستفاد من دليل نفوذ الوصية ان تكون نافذة بالنسبة إلي الموصي،

و اما الموصي له فلا وجه لنفوذها في حقه؛ إذ كل شخص مسلط علي نفسه، و لا يحق لأي أحد أن يتصرف في غيره، و بعبارة أوضح، أن نفوذ الوصية بالنسبة إلي الموصي علي طبق القاعدة؛ إذ هو مسلط علي نفسه، و اما بالنسبة الي الغير فيفتقر إلي الدليل.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 34

______________________________

و يلاحظ

عليه:

أنه يكفي لنفوذها بالنسبة الي. غير الموصي اطلاق أدلتها، و لا دليل علي سلطنة كل شخص علي نفسه علي نحو الاطلاق.

و علي كل حال، لا يخلو المقام من شقين، إما قيام دليل في المقام علي المدعي، و اما عدم قيام دليل عليه، فإذا فرضنا عدم وجود دليل علي تسلط الشخص فالامر واضح ظاهر؛ إذ لا معارضة في البين، بينه و بين دليل نفوذ الوصية؛ و ذلك لوجود المقتضي و فقدان المانع.

و اما لو فرضنا قيام دليل في المقام، فتقع المعارضه بينه و بين دليل نفوذ الوصية، فيا هل تري ما هو الدليل المرجح في حالة التعارض؟ لا إشكال في أن الترجيح مع دليل نفوذ الوصية؛ و ذلك لكونه من الكتاب، و كما حقق في محله فأيّ دليل يخالفه يضرب به عرض الجدار، فتصبح النتيجة: أن هذا الوجه لا يرجع إلي محصّل صحيح و هو كسابقه في الضعف.

الأمر الثالث: أن التصرف في نفس الغير من دون اختياره منعدم النظير في الشرع الأقدس،

فعلي هذا لا يمكن الالتزام به.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 35

______________________________

و يرد عليه:

أولا: أن الأمر ليس كذلك بل له نظائر في الشرع الاقدس، و إليك بعضها:

أ- ما ورد في باب الإرث، بأن الوارث يتملك ما تركه الميت من دون اختيار؛ إذ كل شخص اذا استحق من الإرث حصة منه لا مانع من تملكه بلا إشكال،- و لا داعي لرضاه و عدم رضاه، و قبوله و عدم قبوله، و ارادته و عدم ارادته،- بل يتملك حصته بمقتضي الكتاب و السنة.

ب- أن الشخص المجني عليه، يتملّك الشي ء المعلوم له في الشريعة المقدسة ممّا له في ذمة الجاني، و هذا التملك اعم من كونه راض أو غير راض لا فرق في ذلك.

و بهذين الموردين غني و كفاية لنقض

ما ذكر في الوجه الثالث، إذا:

ليس الأمر كما أدعي بانعدام النظير، بل النظائر موجودة فعلي ضوء ما ذكرناه اتضح أن الالتزام بهذا لا ريب فيه.

ثانيا: لو تنزلنا و سلمنا بهذه المقالة، فلا يلزم عدم العمل به عند قيام دليل في المقام من الكتاب و السنة عليه؛ إذ عند قيام الدليل يجب العمل علي ضوئه، و لا يصغي لهذه المقالة و نظائرها، و لو لم يكن له اي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 36

______________________________

نظير في الفقه من أوله حتي أخره، إنما المحكم في مقام الاستدلال هو قيام الدليل لا غير، و كما قلنا: أن المستفاد من الكتاب و السنة بحسب الإطلاق يقتضي نفوذ الوصية التمليكة من دون اشتراط القبول، فتحصّل أن هذا الوجه كغيره من الوجوه الواهية.

الأمر الرابع: مقتضي الأصل العملي عدم التملك مع الشك.

و هذا الوجه بطبيعة الحال صحيح و لكن لا يمكننا العمل به؛ إذ لا تصل النوبة للعمل علي ضوء الدليل الفقاهتي مع وجود الدليل الاجتهادي و هو دليل نفوذ الوصية فتحصّل من جميع ما ذكرناه: أن المقتضي لنفوذ الوصية من دون الاشتراط موجود و المانع مفقود، و لكن علي فرض التنزل و القول بأن الوصية من العقود، و مشروطة بالقبول، يقع التساؤل في المقام، و هو: هل يكون القبول الصادر من الموصي له بعد موت الموصي كاشفا أم ناقلا؟

قبل الاجابة عن هذا التساؤل، نتعرض لما أفاده سيدنا الاستاذ (قدّس سرّه) في المقام حيث استشكل علي كلا القولين من الكشف و النقل، فأمّا علي القول بالنقل فهكذا قال: أنه عندنا قاعدة كلية قد نقحت في مضانها، و هي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 37

______________________________

قاعدة العقود تابعه للقصود، فعلي ضوئها إذا لم يكن الإمضاء الشرعي تابع لقصد

الطرفين لا يمكن العمل به، و في المقام- علي القول بالنقل- نري أنه مخالف لهذه القاعده، فيكون من قبيل ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

و دعوي: أن الاختلاف و التفاوت بين المنشأ و الممضي واقع في موارد من الأبواب الفقهيه، نظير الهبه حيث ان المنشأ فيها هو التمليك الفعلي، في حين ان الإمضاء متعلق بالتمليك بعد القبض.

مدفوعة: بأن ذلك و ان كان ممكنا في نفسه، إلّا انه يحتاج الي دليل خاص، لعدم شمول الأمر بالوفاء له، لما عرفت من ان المنشأ لم يمضه الشارع، و ما يدعي إمضاؤه له لم ينشأ، و هو مفقود.

و توهم: أن تأخره عن القبول لا ينافي شمول أدلة الوفاء بالعقد له لأنه، موجود في جميع المعاملات، حيث يكون هناك فاصل زماني- و لو كان قليلا جدا- بين الايجاب و القبول، لا محالة من غير أن يقال: أن ما أنشأه المنشئ لم يتعلق به الإمضاء و ما تعلق به الإمضاء لم ينشأ:

و حيث ان الوصية كسائر العقود، و إن كان زمان الفصل فيها أطول، كان حكمها حكم غيرها في شمول أدلة الوفاء بالعقد لها. مدفوع: بأن المنشأ

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 38

______________________________

في سائر العقود- كالبيع مثلا- ليس هو الملكية في زمان الإنشاء، و انما هو الملكية علي تقدير القبول، فإنه مبادلة مال بمال، و معاملة بينهما بالتراضي، فلا ينشئ البائع الملكية للمشتري، سواء قبل أم لم يقبل، بخلاف الوصية حيث ان المنشأ مقيد بالزمان- اعني زمان الموت- و هو لم يتعلق به الإمضاء، علي ما اختاره الشيخ الأعظم (رحمه اللّه) من أن القبول ناقل لا كاشف و ما تعلق به لم ينشأ، فالفرق بين الوصية

و غيرها ظاهر، هذا بناء علي القول بالنقل.

و امّا بناء علي الكشف، بانه يحكم بالقبول بالملكيه من حين الموت فهو لو فرضنا امكانه و سلمنا صدق العقد عليه مخالف لما هو المعهود في العقود، و المرتكز في الأذهان، من تأخر الأثر عن القبول- بناء علي اعتباره-، ففرض تحقق العقد و كون الأثر قبله، مما لا يمكن المساعده عليه، انتهي كلامه رفع في علو مقامه «1»

و يلاحظ علي ما أفاده (رحمه اللّه) عدة أمور:

1- أن القاعده التي تعرض لها- و هي العقود تابعه للقصود

______________________________

(1) مباني العروة الوثقي: 2/ 363، 364.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 39

______________________________

لا يوجد دليل يمكن الاستدلال به عليها، لا من الكتاب و لا من السنة، و لا يخفي علي المتتبع الدقيق لروايات أهل البيت (عليهم السّلام) ذلك، و انما هي متصيدة من مجموع الأدلة الواقعة في العقود و الإيقاعات.

2- قال سيدنا الاستاذ: بأن الإيجاب في البيع ليس علي نحو الإطلاق و إنما هو الملكية علي تقدير القبول، فإنه مبادلة مال بمال و معاملة بينهما بالتراضي، فلا ينشئ البائع الملكية للمشتري سواء قبل أو لم يقبل.

و هذا يستلزم الدور الصريح!!.

إذ لا يعقل أن يتصور القبول إلّا بعد الإيجاب، حيث أشرب في مادة القبول أن يكون قبله شي ء ما حتي يتقبل القابل هذا المعني، اذا: القبول متوقف علي الإيجاب، و علي ضوء هذا- و هو ما افاده (قدّس سرّه) من ان الإيجاب متوقف و مشروط بالقبول كما هو صريح كلامه- يلزم الدور الصريح، و هو ان يكون القبول متوقف علي الإيجاب، و توقف الإيجاب علي القبول، و من الظاهر البديهي أن الدور باطل من دون أدني شك يذكر.

و علي أي حال، لا أدري بأي وجه يحمل كلامه، و علي

أي جادة يمكننا توجيهه، مع العلم أنه مشار اليه في القضايا الصناعية و هو خريتها.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 40

______________________________

3- أنه إذا كان عقد البيع كذلك، فما هو الفارق بين عقد البيع و سائر العقود، فإذا فرضنا أن العقد يتحقق باشتراط الموجب القبول، فأي فرق بين ايجاب في عقد و ايجاب آخر في عقد آخر؟ فإذا كان إيجاب البائع متوقف علي قبول القابل، فالمقام أيضا كذلك؛ إذ حكم الأمثال فيما يجوز و لا يجوز واحد.

فلا وجه إذا لما ذكره من التفصيل بين البيع و الوصية في هذه الدائرة، فتحصّل أنه دعوي بلا دليل.

و بعد أن تعرضنا الي ما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) إليك التفصيل في المقام فنقول: إن عقد البيع و سائر العقود بحسب الارتكاز العرفي متكونة من موجب و قابل، و الموجب سواء كان بايعا، أو مزوجا، أو مؤجرا، الي غير ذلك في بقية العقود، لا يخلو إمّا أن يكون إيجابه مطلقا أو مقيدا، و سواء كان التقييد في دائرة زمنية متقدمة أو متأخرة لا فرق في البين؛ و ذلك لعدم القول بالإهمال لأنه محال.

و لتوضيح ذلك نذكر مثالا: و هو لو باع زيد داره من عمرو بثمن ما فإما أن نقول: باهماله في الواقع و هذا لا يعقل؛ لما تعلم أن الاهمال في الواقع محال.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 41

______________________________

و إمّا يملّكه الدار قبل زمان العقد و هذا غير معهود و لا متعارف بين المتشرعة، و لذا لو قام شخص بمثل هذا البيع لا إشكال في الحكم بالبطلان، و إمّا ان يكون الإيجاب بعد ساعة أو ساعتين، و هذا أيضا بحسب الارتكاز لا يكون صحيحا- مثلا-

يقول: البائع للمشتري بعتك هذه الدار (بالف دينار) و المشتري يقول: قبلت هذا المبيع، فتارة يقبل من حين الإيجاب و اخري يتعلق القبول بما أوجبه البائع، فعلي الأول- أي من حين القبول- فالأمر ظاهر و لا إشكال فيه؛ لان القاعدة المعروفة عندهم- و هي العقود تابعة للقصود- منطبقة عليه فيكون حينئذ من مصاديقها؛ و ذلك أن مقصود المتعاقدين من هذا العقد هو كون هذه العين ملكا للمشتري، و يكون الثمن ملكا للبائع بعد تمامية العقد، فعلي هذا لا إشكال في المقام حتي يقال: أن القاعدة قد انخرمت و انثلمت.

و أما علي الثاني- اي القبول يتعلق بالإيجاب من حينه- فنلتزم بملكية العين للمشتري و ملكية الثمن للبائع علي نحو الكشف الحكمي الانقلابي لا الكشف الحقيقي.

هذا كله ما يرجع الي مقام التصور، فمن حيث الإمكان لا مانع منه، و لكن بحسب السيرة الخارجية لا يلتزمون بذلك، و لذا نري لو باع البائع

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 42

______________________________

بقرة حاملا علي زيد و قبل قبول المشتري- و هو زيد- وضعت البقرة حملها، فهل يا تري ما ذا يري العرف في هذه الحالة هل يري المولود ملك للبائع أم للمشتري؟ الظاهر أنه للبائع بلا شك و لا ريب، و السيرة الخارجية مبتنية علي ذلك. فإذا فرضنا أن السيرة الخارجية كذلك و المستفاد من أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ الصحة؛ إذ هو دليل الصحة و المستفاد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اللزوم، فإذا: الشارع ناظر الي ما يكون في العرف، و بهذا البيان لا يبقي اشكال في البين و من خلال ما بيناه نقول: إذا فرضنا أن الوصية من العقود و أن القبول شرط- و أغمضنا النظر عما قلناه- نلتزم بالنقل في

الوصية و كذلك في البيع؛ إذ لا فرق بينهما، اللهم إلا أن يقال:

قد قام إجماع أو تسالم علي أن الملكية حاصلة سابقا، فإذا ثبت هذا لا مانع من الخضوع له و العمل علي ضوئه، هذا كله ما يرجع الي النقل، و أما علي القول بالكشف فايضا لا يمكن الركون لما ذكره سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) من عدم الالتزام بقوله؛ إذ الأثر بحسب كلا الارتكازين: العرفي و الشرعي حاصل بعد القبول، فكيف يمكننا أن نلتزم بالكشف.

فما أفاده لا يمكننا القول به؛ إذ لا تنافي بين القبول بالكشف و تحقق الأثر بعده.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 43

أو شرطا- علي وجه الكشف أو النقل- فيكون من الإيقاعات (1)

______________________________

و توضيح ذلك: تارة نقول: بتحقق المعني المزبور قبل القبول، و هذا لا يمكن القول به؛ إذ المفروض أن القبول له أثر. و اخري نقول: أن الأثر الشرعي يترتب علي القبول قبل قبوله و لكن الأثر يكون بنحو الكشف، فإذا كان مقتضي الدليل هكذا فأي إشكال في الالتزام بهذا، و أي مانع من الالتزام بالكشف حتي لا تنثلم قاعدة «العقود تابعة للقصود»، و أيضا فإن ما بيناه لا ينافي الارتكاز المتشرعي؛ إذ الارتكاز المتشرعي إمّا أن تكون الملكية فيه حاصلة في زمان الموت و معناه إنكار اشتراط القبول و اثبات كون الوصية من الإيقاعات، و إمّا علي التنزل- كما هو يتنزل بأنها عقد و مركب من الإيجاب و القبول، و القبول يحصل من الموصي له، و لو بعد يوم فيكون قبولا لذلك الإيجاب- فما المانع من أن نقول: بأن القبول يتحقق في يوم السبت و يكشف عن الملكية من يوم الجمعة، و هذا ليس علي الكشف الحقيقي حتي

يقال: بعدم الالتزام به، بل بالكشف الحكمي الانقلابي. و في نهاية المطاف تحصّل: أنه لا وجه لإشكاله و ليس واردا لا علي القسم الأول و لا الثاني. و الحق ما ذكرناه و فصلناه.

[اعتبار القبول في الوصية التمليكية]
اشارة

(1) يقع الكلام في مقامين:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 44

______________________________

المقام الاول: الثبوت.

المقام الثاني: الإثبات.

[المقام الاول: الثبوت.]

فأما بالنسبة الي مقام الثبوت، فيمكن القول به علي كلا القسمين، الكشف أو النقل. إذ يمكن أن يقال بأن القبول شرط لصحة الوصية، تارة بنحو الكشف و أخري بنحو النقل.

[المقام الثاني: الإثبات.]

و أمّا بالنسبة الي مقام الإثبات، فلا يمكننا القول به، و مجرد امكان شي ء في مقام الثبوت لا يكفي للحكم به في مقام الإثبات.

و لذا قلنا فيما سبق أنه لا يشترط القبول في الوصية لا علي نحو الشرطية و لا الجزئية، و علي هذا تكون الوصية من الإيقاعات لا العقود، و ذلك أن مقتضي إطلاق أدلة نفوذ الوصية كتابا و سنة، نفي القبول شرطا أو جزءا في الصحة، و لا فرق بين كون الوصية تمليكية أو عهدية، و مما يؤيد المدعي ما رواه محمد بن قيس، «عن ابي جعفر (عليه السلام) قال:

قضي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أوصي لأخر و الموصي له غائب، فتوفي الموصي له- الذي أوصي له- قبل الموصي،

قال: الوصية لوارث الذي أوصي له،

قال: و من أوصي لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصي له قبل

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 45

و يحتمل (1) قويا عدم اعتبار القبول فيها، بل يكون الرد مانعا (2)، و عليه تكون من الإيقاع الصريح

______________________________

الموصي فالوصية لوارث الذي أوصي له، إلا أن يرجع في وصيته قبل موته» «1»

فيستفاد من إطلاق هذه الرواية صحة الوصية مع غياب الموصي له، و لم يصله الخبر و لم يفرض في متنها قبوله أورده، و مع ذلك حكم الامام (عليه السّلام) بكون المال لوارثه.

فإذا كان القبول شرطا، أو جزءا، يلزم ذلك بطلان الوصية لا صحتها، و ذلك لانتفاء الشرط، و كما تعلم أن انتفاء الشرط يلزم انتفاء المشروط، و المركب

ينتفي بانتفاء أحد أجزاءه، و من الظاهر الواضح أن ما حكم به الامام (عليه السّلام) ينفي كون القبول شرطا أو جزءا، بل ليس له أي مدخلية في صحة الوصية، فتحصّل من خلال الوجوه المتقدمة: عدم مدخلية القبول في صحة الوصية.

[عدم كون الرد مانعا]
اشارة

(1) بل الأظهر و الأقوي.

(2) يقع الكلام في جهتين:

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 333- ب 30 من ابواب الوصايا: ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 46

[الجهة الاولي: الإجماع

______________________________

ادعي الإجماع بكلا قسميه في المقام، علي أن الرد يكون مانعا، و صرح بذلك جملة من الاصحاب، منهم صاحب الجواهر (قدّس سرّه)، و اخري الاتفاق عليه، كما في عبارة الشيخ البحراني في حدائقه، فأمّا الاجماع فحاله ظاهر بكلا قسميه، فإذا ثبت الحكم بالتسالم فلا مانع من القول به، و الا فلا.

[الجهة الثانية: مقتضي الصناعة العلمية

فأمّا ما تقتضيه الصناعة العلمية فلا أثر لرده و عدمه، و ذلك من خلال الأدلة، و لكي يتضح المراد لا بد لنا من التفصيل و التوضيح.

فنقول: تارة يكون عدم الرد شرطا في صحة الوصية علي نحو الشرط المتأخر، و اخري تكون الوصية تامة و الرد يكون فسخا، و علي كلا التقديرين ترتفع الوصية بالرد؛ إذ إمّا ينكشف فساده من أول الأمر أو ترتفع من حينه كما في موارد الفسخ، و بهذا يترتب الأثر علي أحد التقديرين دون الآخر.

فعلي ضوء كونه من قبيل الشرط المتأخر نطرح هذا المثال: فنفرض

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 47

______________________________

أن العين الفلانية كان لها في الفاصل الزماني نماء، و النماء لا ينتقل إلي الموصي له، لان المفروض أن انتقال العين إليه مشروط بعدم رده، و كما تعلم فإن المشروط عدم عند عدم شرطه، فعلي هذا لا يمكن للموصي له ان يتملك العين فكيف بنمائها، و ينبثق من خلال هذا المثال سؤال و هو لمن يكون النماء في هذه الحالة هل يكون للميت أم للوارث؟

الظاهر من عبارة سيدنا الاستاذ كون النماء للميت «1»، و الذي يجول في الذهن أن مقتضي القاعدة انتقاله للوارث؛ و ذلك بمقتضي الأدلة الدالة علي أن ما تركه الميت فهو لوارثه.

و قد خرج منه مورد الوصية بالمقدار المعين الذي قدّره الشارع، فإذا فرضنا أن هذه

الوصية صارت باطلة كما هو كذلك في المقام، فما الوجه في عود هذا المال أو انتقاله الي الميت، إذ لا دليل علي أن مقدار الثلث يبقي في ملك الميت، و المقدار الموجود علي فرض صحة الوصية لا ينتقل الي الوارث.

و اما إذا فرضنا أنه ليس علي نحو الشرط المتأخر كما إذا كان

______________________________

(1) مباني العروة: 2/ 367.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 48

______________________________

للموصي له حق الفسخ.

فهل يمكننا الحكم بفساد الاحتمال المزبور- إذ هو أعم من أن يكون علي نحو الشرط المتأخر او الفسخ- أم لا؟

فأمّا بالنسبة الي احتمال الشرط المتأخر فالأمر ظاهر واضح؛ و ذلك بمقتضي إطلاقات أدلة نفوذ الوصية كتابا و سنة، فإنها تقتضي عدم اشتراط صحة الوصية بعدم الرد.

و أمّا بالنسبة إلي كون الفسخ مانعا أم لا؟ ربما يقال: لا يمكن الأخذ بالإطلاق حتي يدفع هذا الاحتمال، إذ لا تنافي بين تحقق الوصية و ثبوتها، أو دوامها، و ارتفاعها بالفسخ، و لا تنافي بين الأمرين؛ فعلي هذا لا وجه للتمسك بالإطلاق حتي نحكم بعدم تأثير الفسخ.

نعم إذا شككنا في صحة الفسخ و عدمه يكون مقتضي الأصل عدم تأثيره، فنحكم ببقاء الوصية علي حالها، و بقاء الملكية أيضا، و لا وجه لانخرامها بالفسخ.

إن قلت: قد ثبت في الأصول أن الاستصحاب لا يجري في الأحكام الكلية؛ و ذلك لمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد، و الشبهة في المقام شبهة حكمية، لا موضوعية، و بناء علي هذا فلا مجال لجريان

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 49

______________________________

الاصل.

قلت: لا بد ان تلاحظ الفرق بين جريان الاستصحاب في نفس الحكم أو إحراز الحكم ممتدا و بين وقوع الشك في الرافع.

بيان ذلك: تارة نشك في مقدار الجعل كشكنا

في أن وجوب صلاة الجمعة مختص بزمان الحضور أو يشمل زمان الغيبة أيضا، فهذا مورد جريان الاستصحاب في المجعول، و جريانه في عدم الجعل الزائد، و بهذا يحصل التعارض بين الاستصحابين، فالنتيجة التعارض بين كلا الاستصحابين و المحصّل تساقطهما.

و اخري يكون امتداد الحكم في عمود الزمان محرزا، و ارتفاعه بواسطة الرافع محتملا فعلي هذا لا شبهة في جريان الاصل بالنسبة الي الرافع، بلا فرق بين كون الشبهة موضوعية- كما لو شك في ارتفاع الطهارة بحدوث الحدث- أو تكون الشبهة حكمية كما في المقام.

و مما نحن فيه فلا إشكال في جريان الاستصحاب؛ و ذلك لتمامية أركانه، و بعدم جريان الاستصحاب في عدم حدوث الرافع نحكم ببقاء الحكم للأبد؛ لأن الأصل الجاري في السبب حاكم علي الأصل الجاري في المسبّب، و بذلك لا تصل النوبة الي جريان ذلك الأصل أصلا.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 50

______________________________

هذا كله بالنسبة إلي هذه الجهة، و هي إذا شككنا في رافعيته و عدمها و امّا بالنسبة الي الجهة الاخري، و هي كون الفسخ مؤثرا أم لا فيمكننا في المقام أن نثبت فساد الفسخ بنفس الإطلاقات الواردة في الوصية.

و توضيح ذلك: بعد ما انعقد الإطلاق في أدلة الوصية كتابا و سنة فإن من الامور المحتملة كون الفسخ مؤثرا، و بناء علي تأثيره لا بقاء للملكية بعد الفسخ.

و هذا غير صحيح؛ إذ كيف يعقل أن يكون الفسخ مؤثرا و الملكية مرتفعة و هي مع ذلك باقية، و هذا لا يمكن القول به لدخوله في دائرة الجمع بين المتنافيين.

فمن خلال إطلاق صحة الوصية و نفوذها الي الأبد وقع الرد أم لم يقع نحكم ببقاء الوصية و بفساد الفسخ، إلّا أن يقوم دليل

في المقام.

و علي ضوء ما بيناه لا نري مانعا من الأخذ بالاطلاق في مقام الحكم، و لا حاجة لجريان الأصل في عدم تأثير الرافع.

و بعبارة واضحة جلية فإن مجرد الإطلاق كاف لا ثبات المدعي.

و هذا الامر نفيس في حد نفسه، و من خلاله لا حاجة في اثبات اللزوم- في باب كلية العقود سواء كان في البيع او غيره- الي قوله تعالي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 51

و دعوي: أنه يستلزم الملك القهري و هو باطل في غير مثل الارث مدفوعة: بأنه لا مانع منه عقلا، و مقتضي عمومات الوصية ذلك، مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف (1)

[مسألة] (2): بناء علي اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال و قبل وفاته علي الأقوي (2)

______________________________

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» بل نلتزم باستفادة اللزوم من نفس إطلاقات أدلة النفوذ، فنقول: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» يقتضي صحة البيع و إحلاله محله، و من المفروض أن مقتضي إطلاق تمليك البائع عدم اشتراط هذا التمليك و الملكية بشي ء له لا بالفسخ و عدمه، فإذا كان الامر كذلك و دليل الإمضاء شاملا له فبنفس دليل الإمضاء نثبت الصحة و اللزوم معا.

و بهذا نلتزم في كلية العقود و الايقاعات علي هذا النهج، إلّا أن يقوم دليل علي خلافه فلا مانع من الرجوع الي الدليل و الركون إليه.

(1) ما أفاده تام و لا خدشة فيه.

[مسألة 2: كفاية قبول الوصي حال حياة الموصي]

اشارة

(2) ما أفاده تام و لا ريب فيه فقد تعرض (قدّس سرّه) لجهتين:

______________________________

(1) المائدة: 1.

(2) البقرة: 275.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 52

______________________________

الجهة الاولي: بعد الوفاة.

الجهة الثانية: قبل وفاة الموصي.

[الجهة الاولي: بعد الوفاة.]

فأمّا بعد وفاة الموصي- علي القول باشتراطه- فيكون موجبا للصحة و هذا هو القدر المتيقن.

[الجهة الثانية: قبل وفاة الموصي.]

و أمّا إذا كان القبول قبل الموت فهل يكون تاما أم لا؟

الظاهر لا مانع من القول به، كما أفاد المصنف (طاب ثراه) و عبر عنه بالأقوائيّة، و لا وجه لقياس المقام بالقبول قبل الوصية؛ إذ قبل الوصية لا إنشاء و لا ايجاب، فعلي هذا لا موضوع للقبول، و أما بعد الوصية فالايجاب و الإنشاء محقق، غاية الأمر وزان الوصية و زان الواجب المشروط، ففي الواجب المشروط لا مجال لأن يقال: أن الإنشاء معلق علي شي ء غير موجود، بل موجود؛ إذ لا يعقل ذلك، ففي الاحكام الشرعية الإنشاء موجود من حين التشريع، و إليك مثالا يتضح من خلاله المطلوب قال تعالي: وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «1» ففي هذه الاية الكريمة لا

______________________________

(1) آل عمران: 97.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 53

______________________________

إشكال في وجودية الإنشاء، غاية ما في الباب يقع الكلام حول المتعلق عليه، فتارة يكون موجودا، و أخري غير موجود، و في المقام كذلك؛ إذ الإنشاء موجود، و انما الملكية تتوقف علي موت الموصي، و في الفرض عدم تحقق الموت، و لا فرق في تحققه و عدمه.

و بعد أن فرضنا وجود الانشاء فلا مانع من قبوله، فإذا قلنا بتحقق الإيجاب ثم تحقق القبول يتحقق العقد، و بمقتضي الإطلاقات المحكمة في المقام تكون الوصية صحيحة.

و أما ما ذكره سيدنا الاستاذ (قدّس سرّه) «1» في المقام من التمسك بإطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» حيث انه يقتضي صحة الوصية فلا مجال للقول به؛ و ذلك لما تقدم منا مرارا حول

اطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، حيث قلنا أنه لا يمكن أن يكون دليلا للصحة، و لا بأس بتوضيح ذلك علي نحو الاختصار فنقول: لا اشكال أن الإهمال في الواقع محال، فإذا فرضنا أن الشارع الأقدس قد حكم في موضوع ما بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ينبثق من واقعه سؤال، و هو هل الخطاب الموجه في المقام تكليفي أم إرشادي؟

______________________________

(1) لاحظ مباني العروة: 2/ 369.

(2) آل عمران: 97.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 54

______________________________

فعلي القول بكونه تكليفيا معني ذلك حرمة الفسخ، و هل يمكن لأحد أن يتفوه بهذه المقالة؟

بطبيعة الحال كلا.

فإذا نفينا كون الخطاب تكليفيا، ثبت كونه ناظرا إلي الجهة الوضعية، بمعني (أيها المكلف فسخك لا أثر له)، و هذا العقد لازم، فعلي ضوء ما بيناه يقع التساؤل في المقام، فنقول: الحكم باللزوم علي اي شي ء يعرض؟ هل يعرض علي الصحيح؟ أم الفاسد؟ أم كليهما؟ أم لا هذا و لا ذاك؟

إذا: لا يخلو الامر من أربعة أقسام:

1- الصحيح.

2- الفاسد.

3- الصحيح و الفاسد.

4- الإهمال.

فأمّا الاهمال فغير معقول، و امّا الثاني فمحال أيضا؛ و ذلك للزوم اجتماع الضدين؛ إذ كيف يمكن أن يكون العقد فاسدا و مع ذلك يكون لازما، و أمّا علي الثالث- و هو الاطلاق- فلا يمكن القول به أيضا؛ لأن

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 55

______________________________

معني الإطلاق هو الشمولية و العمومية للعقد الصحيح و الفاسد، و هذا لا يمكن التفوه به، فيبقي الأول- و هو الصحيح- فيكون علي هذا العقد الصحيح لازما، و بناء علي هذا يلزم إحراز كون العقد صحيحا، ثم يعرض اللزوم عليه.

إن قلت: إن الحكم باللزوم يستلزم الحكم بالصحة؛ إذ كيف يمكن أن يكون العقد لازما و مع ذلك لا يكون صحيحا؟

قلت:

إنما يتوجه الإشكال علي القضية الخارجية؛ و ذلك بدليل الاقتضاء، فعلي ضوئه إذا حكم المولي بلزوم عقد ما نستكشف صحته، و اما إذا كانت القضية حقيقية- كما هو كذلك- فلا مجال للقول بهذا الإشكال؛ إذ كل حكم من الاحكام لم يتعرض لموضوعه فإحرازه و عدم إحرازه و كذلك الشك فيه راجع إلي المكلف.

و بتعبير اخر: أن وزان الحكم المعلق و زان الواجب المشروط في القضية الشرطية، و التالي فيها تابع إلي المقدم، فإذا تحقق المقدم يعرض عليه التالي.

فعلي هذا إذا فرضنا وجود عقد صحيح في الخارج نلتزم بلزومه، و أما إذا شككنا في صحة عقد و عدمه فمقتضي الاصل عدم الصحة، و من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 56

و لا وجه لما عن جماعة (1) من عدم صحته حال الحياة، لأنها تمليك بعد الموت، فالقبول قبله كالقبول قبل الوصية، فلا محل له، و لأنه كاشف أو ناقل و هما معا منتفيان حال الحياة.

إذ نمنع عدم المحل له، إذ الإنشاء المعلق علي الموت قد حصل، فيمكن القبول المطابق له.

و الكشف و النقل إنما يكونان بعد تحقق المعلق عليه، فهما في القبول بعد الموت لا مطلقا (2).

______________________________

خلال ما بيناه اتضح أنه لا مجال لما أفاده سيدنا الاستاذ في المقام، و ما أفاده الماتن (قدّس سرّه) فلا غبار عليه.

(1) لعله إشارة لما أفاده العلامة الحلي في القواعد، حيث قال:

(و تفتقر الي إيجاب)، و المحقق الثاني في (جامع المقاصد).

(2) الأمر كما أفاده (قدّس سرّه)؛ إذ لا مانع من القبول قبل موت الموصي كما تقدم في طي البحث.

و في المقام اشكالان:

1- كيف يمكن القبول قبل موت الموصي؟

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 57

قد تقدم الجواب عن

هذا الإشكال مفصلا فلا مجال للإعادة.

2- القبول إمّا أن يكون علي نحو الكشف أو النقل، و علي كلا النحوين لا بد من فرضية الموت في المقام، و أما قبل الموت فلا يمكن ذلك.

الجواب:

إن الكشف و النقل إنما يتصوران في حالة الموت، و هذا لا إشكال فيه، و لكن لا يكون مانعا عن ضحة القبول قبل الموت، و بتعبير آخر: تارة يقع الكلام في صحة القبول و أخري في أثر القبول، فأمّا صحة القبول فلا إشكال فيها من حينه، و أمّا أثر القبول فيظهر بعد الموت، فعلي هذا لا تنافي بين الأمرين، و ما أفاده الماتن هو الصحيح و لا إشكال فيه.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 58

[مسألة 3: تضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت]

اشارة

[مسألة] (3): تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت، مثل قضاء الصلوات، و الصيام، و النذور المطلقة، و الكفارات، و نحوها، فيجب المبادرة إلي اتيانها مع الإمكان، و مع عدمه يجب الوصية بها، سواء فاتت لعذر أو لا لعذر، لوجوب تفريغ الذمة بما امكن في حال الحياة، و إن لم يجز فيها النيابة، فبعد الموت تجري فيها و يجب التفريغ بها بالايصاء، و كذلك يجب رد أعيان أموال الناس التي كانت عنده، كالوديعة و العارية، و مال المضاربة، و نحوها.

و مع عدم الإمكان يجب الوصية بها، و كذا يجب أداء ديون الناس الحالة، و مع عدم الإمكان أو مع كونها مؤجله يجب الوصية بها، إلا إذا كانت معلومة أو موثقة بالإسناد المعتبرة، و كذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك، فإنه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها، و لا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركه أو لا، إذا احتمل وجود متبرع

أو أداؤها من بيت المال (1).

______________________________

(1) تنطوي هذه المسألة علي عدة فروع:

الفرع الاول: أن الواجبات الموسعة تتضيق بأمارات الموت فيجب الإتيان بها مع الإمكان.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 59

______________________________

و أورد عليه سيدنا الاستاذ (طاب ثراه)، بقوله: أن وجوب الإتيان بها لا يتوقف علي أمارات الموت، و كذلك لا يتوقف علي الظن بالموت، بل يكفي مجرد احتمال العجز عنه، بأن يلزمه الإتيان فورا؛ و ذلك تحصيلا للفراغ اليقيني، فإن حكم العقل بالتخيير بين الأفراد الطولية و جواز التأخير و اختيار الفرد المتأخر يختص بما إذا احرز التمكن من ذلك ليكون محرزا، للتمكن من تفريغ الذمة يقينا، و مع عدم الإحراز المزبور و احتمال طرو المانع تسقط تلك الأفراد، عن الطرفية للتخيير العقلي المذكور «1» و أفاد سيد المستمسك (قدّس سرّه) في المقام، بأن الأمر دائر بين التعيين و التأخير، أي يكون الأمر دائرا بين وجوب الإتيان فورا و جواز التأخير، و لا مجال لجريان أصالة عدم التعيين في المقام.

و بعبارة أوضح يدور الامر بين التعيين و التخيير، و في حالة الشك ربما يقال: أن مقتضي الأصل عدم التعيين، فتكون النتيجة التخيير.

و هذا لا يمكن القول به في المقام في حالة تردد العقل بين أن هذا الأمر تعيينيا أو تخييريا، فعلي هذا لا مجال للأخذ بالتخيير، إذ لا مؤمّن

______________________________

(1) مباني العروة: 2/ 372- 373.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 60

______________________________

من العقاب، فيكون المحكم في المقام هو العقل، و العقل يحكم بالتعيين «1».

هذا ملخص ما أفاده (رحمه اللّه).

أقول: يرد علي ما أفاده سيد المستمسك أمر، و علي كلام السيد الاستاذ أمر اخر، و علي ما أبداه الماتن (قدّس سرّه) شي ء ثالث.

و لنشرع أولا بما أفاده سيد المستمسك (قدّس سرّه).

فنقول: أمّا ما أفاده (قدّس سرّه)

فلا يمكننا القول به؛ و ذلك كيف يمكن أن يكون الحاكم يحكم بحكم و مع ذلك يكون مرددا فيه، إنما الترديد في الحكم يمكن تصويره في حكم حاكم آخر، كما إذا شك المجتهد أو تردد فيما حكم به الشارع، كما إذا حصل له الشك في حكم من الأحكام هل هو علي نحو التعيين أم التخيير، او علي نحو الاطلاق او التقييد، او علي نحو العموم أو الخصوص.

و أمّا شك الحاكم او تردده فيما إذا حكم بنفسه فهو غير معقول؛ إذ كيف يمكن أن يكون العقل حاكما و مع ذلك يكون مرددا في أنه علي

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة: 14/ 541.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 61

______________________________

نحو التعيين أو التخيير.

الظاهر أن ما أفاده لا يمكن التسليم به.

و أما بالنسبة الي ما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) فيرد عليه، أن المكلف لا يخلو من حالات ثلاث:

الاولي: يعلم بعدم الفوت، ففي هذه الحالة لا إشكال في جواز التأخير.

الثانية: يعلم بالفوت إما بالعلم الوجداني أو بالعلم العقلائي- أي الاطمئنان- ففي هذه الحالة يلزم العقل المكلف بالاتيان لكي لا يحصل الفوت.

الثالثة: لا يحصل له العلم بعدم الفوت، و لا بالفوت، بل يشك في الفوت و عدمه، ففي هذه الحالة لا يلزم عليه البدار؛ و ذلك لجريان الاستصحاب الاستقبالي في بقاء المكلف الي مدة زمنية، كالشهر مثلا، فإذا احتمل ذلك و ما دام الاحتمال باقيا فعلي هذا تكون أركان الاستصحاب تامة، فلا مانع إذا من جريان الاستصحاب في البقاء، و عليه يترتب عدم اللزوم بالإتيان و البدار.

إن قلت: قد حقق في محله أنه يشترط في جريان الاستصحاب إما

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 62

______________________________

في الحكم الشرعي أو في

موضوع يترتب عليه حكم شرعي، و إذا لم يكن الامر كذلك فلا مجال لجريان الاستصحاب، فعلي ضوئه لا يكون الاستصحاب جاريا في الحكم الشرعي و لا في موضوع يترتب عليه حكم شرعي، اذا فالاستصحاب لا وجه لجريانه في المقام.

قلت: اللازم في جريان الاستصحاب الارتباط بالحكم في وعاء الشرع، فإذا لم يكن الاستصحاب مؤثرا و مرتبطا بوعاء الشرع و لا يكون له أثر إلا الأثر العقلي فبالقطع و اليقين لا مجال لجريانه، إذ لا دليل عليه، و علي هذا الاساس حكم الأصحاب بعدم جريان الأصل المثبت، و إليك مثالا: اذا فرضنا أنه يجب التصدق عند ظهور اللحية لابن زيد فهل يمكن إثباته بالاستصحاب؟

بطبيعة الحال كلا؛ إذ الاستصحاب يجري في بقاءه و علي بقائه لا يترتب أثر شرعي، و انما الاثر الشرعي يترتب علي لحيته، و خروج اللحية لا يثبت إلا باللزوم العقلي، و أمّا الاستصحاب فلا يثبت هذا و هنا واضح ظاهر و لا اشكال فيه.

و أمّا إذا فرضنا أنه له أثر في وعاء الشرع مرتبط بالشرع و التكليف و المكلف فيكون مقتضي إطلاق دليل الاستصحاب جريانه في المقام،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 63

______________________________

بلا شك و لا ريب.

و لكي يتضح المطلب وضوحا مشرقا لا بد من ذكر مثال آخر، و قبل ذكر المثال لا اشكال في جريان الاستصحاب بالنسبة الي ذوي الأعذار في أول الوقت و يصح لهم البدار.

مثال ذلك: إذا فرضنا أن شخصا من الأشخاص قد فقد الماء في أول الوقت، و يشك في وجدانه بعد ساعة، او ساعتين، او ثلاث، الي آخر الوقت، ففي هذه الحالة هل يمكن الالتزام بجواز البدار أم لا؟

الجواب:

الظاهر لا إشكال في جواز البدار؛ و ذلك لجريان

الاستصحاب، فإن الاستصحاب الجاري في بقاء العذر و عدم وجدان الماء إلي آخر الوقت يحقق موضوع الجواز، و بهذا يجوز للمكلف ذلك، و أيضا يجري الكلام في الصائم إذا احتمل في يوم من ايام شهر رمضان، أنه إذا نام يحتلم فهل يجوز له النوم أم لا؟

يجوز له النوم بلا شك؛ إذ مقتضي استصحاب عدم احتلامه جواز النوم، و قس عليه بقية الموارد.

فإذا اتضح ما بيناه نقول:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 64

______________________________

أولا: إن الشخص الذي تقوم عنده امارات الموت إذا احتمل أن يعيش علي قيد الحياة سنة- علي سبيل المثال- أو أكثر عند حصول الاحتمال فلا مانع من جريان الاستصحاب، و مقتضي جريانه عدم إلزام العقل اياه بقيام العمل، فكما في ذلك المورد يجوز عدم البدار كذلك في غيره.

ثانيا: أن جريان الاستصحاب الذي سبق منا يترتب عليه حكم شرعي، و إذا كان الامر كذلك فلا مانع من جريانه و ترتيب الأثر عليه.

توضيح ذلك: إذا فرضنا أن الحكم موسع- كما هو المفروض- في قضاء الصلاة؛ لان قضاء الصلاة واجب موسع من المبدأ حتي المنتهي، و هو من زمان القضاء إلي زمان فوته- اي موته- فإذا فرضنا بالاستصحاب أننا أحرزنا بقاء المكلف فهو عين إحراز الموضوع، و بناء علي إجراء الاستصحاب يلزم منه ترتب الحكم الشرعي، ففي المقام أيضا كذلك و هو جواز التأخير؛ لأن المستفاد من الدليل وجوب قضاء الصلاة في ضمن دائرة زمنية محددة، و هي من زمان القضاء الي زمان الموت، فإذا أحرزنا زمن الموت بالوجدان أو بالبينة فيجب الإتيان بالواجبات، و نفس الأمر فيما إذا احرزنا ذلك بالاستصحاب، فما أفدناه بحسب الظاهر لا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 65

______________________________

مجال

للإيراد عليه، و الحاصل أن ما أورده سيدنا الاستاذ علي الماتن غير وارد.

هذا كله ما يرجع الي ما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه).

و أما ما أفاده الماتن (قدّس سرّه) فلا بد من التفصيل.

فنقول: إذا كان مراده من أمارات الموت الأمارات التي توجب الاطمئنان أو القطع فنعم ما أفاده و الحق معه.

و أمّا إذا كان مراده من الأمارات أعم من كونها تفيد الاطمئنان أو القطع فتدخل ضمن الدائرة حالة الظن فلا نسلم بذلك، و يتوجه عليه عين ما وجهناه علي سيدنا الاستاذ؛ إذ الظن لا يغني من الحق شيئا؛ و ذلك بصريح القرآن الكريم.

و في نهاية المطاف تحصّل: أن ما أفاده الماتن لا يمكننا التسليم به علي نحو الاطلاق.

الفرع الثاني: إذا لم يتمكن من الاتيان بها تجب الوصية بها.

و تقريب المدعي أنه إذا وجب شي ء علي المكلف يلزم عليه الإتيان به لا محالة، و حيث لم يستطع إتيانه بنفسه فيجب عليه أن ينيب شخصا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 66

______________________________

آخر؛ لكي يأتي بما وجب عليه، و كما علم أن النيابة بعد الموت أمر جائز فيجب عليه أن يوصي بإتيانها؛ و ذلك لفراغ ذمته، هذا ما يمكن أن يقال: في تقريب المدعي.

أقول: و يلاحظ عليه أمران:

1- أن الواجبات التي عدها في طي كلامه- و من جملتها النذور المطلقة كونها واجبة بعد الموت- أول الكلام و الإشكال؛ إذ لا يوجد دليل في الشريعة المقدسة يمكننا الاستفادة من خلاله بأن كل واجب وجب علي المكلف في حال حياته- إذا لم يكن فوريا- يستقر الوجوب به بعد الموت عليه، فلا آية و لا رواية و لا اجماع يمكن ذكره.

و غاية ما يمكن أن يستدل به علي المدعي هو الاستصحاب، و قد تقدم منا مررا و تكررا بأن

جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية مخدوش بمعارضته مع استصحاب عدم الجعل الزائد.

نعم في بعض الأمور المذكورة يبقي الوجوب عليه، كالصلاة و الصوم و الحج؛ و ذلك لورود الدليل الخاص، و أما كل واجب في حال الحياة يمتد الي ما بعد الموت، فالظاهر أنه لا يمكن القول به، بل هو في غاية الإشكال.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 67

______________________________

2- يقع النقاش في أصل الكبري.

و ذلك بعد أن فرض وجود الاشتغال و أن هذه الوصية مصداق للامتثال- كما هو كذلك- فلا يخلو الأمر بالنسبة إلي المكلف من ثلاث حالات:

الاولي: يعلم بأن الوصي يقوم بما رسمه إليه من عمل.

الثانيه: يقطع «1» بعدم قيامه بالأعمال المطلوبة منه.

الثالثة: يحصل له الترديد بحيث لا يعلم و لا يقطع بذلك.

فعلي هذا إذا حصلت عنده أمارة، أو قطع بقيام الوصي بالاعمال المطلوبة منه بعد موت الموصي ففي هذه الحالة يجب عليه الإيصاء، و أمّا إذا كان عالما بالعدم فقطعا لا يجب عليه؛ و ذلك لأن الوصية بما هي وصية ليس لها موضوعية، و انما هي طريق يوصل الي المطلوب، و في الصورة المفروضة أن الشخص قد قطع بعدم الأثر المترتب علي هذه الوصية، إذا: لا مجال للقول بوجوبها، و امّا في الحالة الثالثه- و هي الترديد- فأيضا الحكم كسابقه في عدم الوجوب؛ و ذلك لوجوه:

______________________________

(1) المراد من القطع هنا اعم من الوجدان و التعبد و العلم العقلائي، اي الجامع الكلي و هو الأمارة المعتبرة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 68

______________________________

أ- مقتضي جريان أصالة البراءة عدم الوجوب.

بيان ذلك: أن الشخص يحصل له الشك في الوجوب و عدمه، و عند حصول الشك فلا مانع من جريان البراءة في المقام.

و لا بأس

بالإشارة إلي كبري كلية قد ثبتت في علم الأصول، و هي أنه هل يمكن جريان البراءة في الحكم من باب الشك في القدرة علي الامتثال أم لا؟

الجواب: نعم، و تحقيق ذلك علي نحو التفصيل موكول الي محله، و امّا علي نحو الاجمال و الاختصار، فنقول: أن إطلاق أدلة البراءة الصادرة من الشارع الأقدس يستفاد من خلالها أنه في مورد الشك يرفع الحكم بمقتضي الأصل؛ إذ لا مانع من جريان البراءة عند الشك في التكليف من باب الشك في القدرة، و إليك مثالا يتضح به المطلوب، و هو فيما إذا استيقظ شخص من النوم مجنبا، و لا يمكنه الاغتسال بالماء البارد، و يشك أنه إذا طلع من الدار هل يمكنه الوصول الي الحمام لكي يغتسل أم لا؟

الظاهر أنه لا مانع من جريان البراءة هنا؛ اذ يشك في الالتزام بالغسل و عدمه، فعلي هذا يصبح المورد من موارد البراءة، و بهذا البيان نرجع الي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 69

______________________________

أصل المطلب، و هو: حيث ان هذا الشخص متردد في قيام الوصي بالمهمة المطلوبة منه، فعلي هذا يشك في وجوب الإيصاء و عدمه، فلا إشكال إذا في جريان البراءة، و بعد جريانها تصبح النتيجة عدم الإيصاء.

ب- يمكننا أيضا احراز عدم القيام بواسطة الاستصحاب، و هو الاستصحاب الاستقبالي.

و توضيحه هكذا: أنه يعلم في البداية عدم قيام الوصي بما يكلف به، و يشك بعد ذلك بالقيام و عدمه، فعلي هذا فإن مقتضي الاستصحاب عدم الإتيان، و بهذا يحكم بعدم قيامه، فتكون النتيجة عدم وجوب الوصية.

ج- مجرد الشك كاف في المقام بعدم الوجوب.

بيان ذلك: أن الموصي يشك في قيام المكلف بالأعمال المطلوبة هل يقوم بها أم لا؟ فأمّا دليل

الوجوب فإنما ينطبق علي تحقق الشخص بالقيام، و امّا في حالة الشك فلا يمكننا التمسك بدليل الوجوب؛ و ذلك لأنه عند التمسك به يدخل ضمن دائرة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و قد ثبت في محله أن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية باطل.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 70

______________________________

إن قلت: لا يمكن رفع اليد عن العمل في حالة الشك، مع الفرض بعدم كونه مؤمّنا من قبل المولي؛ و توضيح ذلك: إذا فرضتم عدم جريان الاستصحاب و البراءة فلا مجال للقول بأن الشك كاف في المقام؛ و ذلك أن العبد مقهور في يد المولي، و مجرد احتمال العقاب منجز يلزم في نظر العقل تحقق مؤمّن للعبد من العقاب، حتي تطمئن نفسه، و إلا مع الشك لا يمكنه تحريك حتي إصبعه.

قلت: إذا وصلت النوبة الي هنا فيكفي للأمن من ذلك قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، و لا أري مانعا من جريانها، و علي ضوءها نحكم بقبح عقابه؛ إذ لا دليل علي وجوب الاحتياط، و امّا علي فرض وجود دليل علي الاحتياط، فلا تصل النوبة لجريان هذه القاعدة، و امّا مع العدم فلا مانع من ذلك، فتحصل من خلال ما بيناه ثلاث مراحل:

الاولي: جريان (البراءة).

الثانية: جريان (الاستصحاب).

الثالثة: جريان قاعدة (قبح العقاب بلا بيان).

الفرع الثالث: يجب علي الموصي ردّ الأمانات التي كانت عنده،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 71

______________________________

كالوديعة، و العارية، و مال المضاربة، و نحوها.

ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) في هذا الفرع لا يمكننا التسليم به علي نحو الإطلاق، بل لا بد من التفصيل.

فنقول: المعروف و الظاهر من الأدلة الشرعية من خلال الكتاب و السنة هو وجوب حفظ الأمانات، و عدم التفريط فيها، و إليك هذه الاية الكريمة و بعض الروايات قال

اللّه سبحانه: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا «1».

و عن الحلبي عن ابي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان «2».

إذا: فتارة يحصل للأمين الذي اؤتمن علي هذه الامانة العلم بحفظها بعد موته، كما كانت محفوظة في حال حياته؛ و ذلك لكون ورثته من الأشخاص الصلحاء الحافظين لأمانات الآخرين، و لا يطرأ عليه أدني شك بأنهم يتصرفون في أمانات الغير بعد موته، بل يقطع أنهم يحافظون عليها أتم المحافظة و يردّونها الي أصحابها، ففي هذه الصورة لا يمكننا

______________________________

(1) النساء: 58.

(2) الوسائل: 19/ 79/ ب 4 من أبواب الوديعة/ ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 72

______________________________

القول بالوجوب عليه، لكي يردها عند ظهور أمارات الموت.

و أخري عكس ذلك تماما فإنه يقطع أن الورثة بعد موته يتصرفون في أمانات الناس؛ و ذلك لعدم صلاحهم، ففي هذه الصورة يجب عليه عند ظهور أمارات

الموت أن يؤدي الأمانات إلي أهلها.

فتحصل من خلال التفصيل أن في الصورة الاولي لا يجب، و في الصورة الثانية يجب، و امّا علي نحو الإطلاق فلا يمكن التسليم به.

الفرع الرابع: إذا لم يتمكن من أداء الأمانات عند ظهور أمارات الموت تجب عليه الوصية.
اشارة

و تقريب المدعي: أن الوصية مصداق للإيصال، و حيث انه يجب عليه الإيصال، فعلي هذا تجب الوصية.

و في هذا الفرع لا بد من التفصيل أيضا و يتضح ذلك من خلال صورتين:

الصورة الأولي: أن من تظهر عليه أمارات الموت يحصل له العلم و القطع بإيصال المال لصاحبه؛

و ذلك من خلال معرفته بالقائم علي هذه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 73

______________________________

المهمة، حيث انه رجل صالح متدين و لا يمكن الاحتمال او الخدش في دينه و تقواه، و من كانت سيرته هكذا فإنه بلا اشكال و لا ريب يؤدي الأمانات إلي أهلها، فعلي هذا لا وجه للوصية، إذ الوصية بما هي وصية لا تكون واجبة، بل مقدمة لوصول المال إلي أربابه، و طالما يحصل ذلك، فلا مجال للقول بالوجوب.

الصورة الثانية: عدم حصول الاطمئنان لمن تظهر عليه أمارات الموت في رد الأمانات إلي أصحابها،

و في هذه الصورة لا بد من التفصيل، إذ تارة يري الموصي بأن هذه الوصية لها أثر في الخارج، حيث أنها توجب إيصال المال لصاحبه، و أخري يعلم بعدم ترتب الأثر علي هذه الوصية- أي وصي أو لم يوص لا فرق في ذلك- بل وجودها و عدمها واحد. و ثالثة يشك في ذلك- أي لا يعلم بترتب الأثر و لا بعدمه- فعلي هذا إذا حصل له العلم بتأثير الوصية فلا إشكال في أنها تجب عليه؛ و ذلك أن إيصال المال لصاحبه واجب عليه، و الوصية نحو من الإيصال.

و امّا مع العلم بعدم ترتب الاثر عليها فلا إشكال في عدم وجوب الوصية؛ و ذلك لما تقدم من أن الوصية بما هي وصية لا تكون واجبة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 74

______________________________

بحسب الموضوعية، و امّا في حالة الشك فالحكم أيضا كسابقه في حالة عدم ترتب الأثر؛ و ذلك بجريان الاستصحاب الاستقبالي.

الفرع الخامس: يجب عليه أداء ديون الناس الحالة.

و الكلام في هذا الفرع عين الكلام المتقدم في الفرع السابق؛ إذ تارة يعلم برضا المالك أي أنه يرضي ببقاء الدين في كأس ذمته، و أخري لا يعلم بذلك، فعلي الأول يجب عليه الأداء، إذ هو أعم من أن نقول بأن الإبقاء في الذمة نحو من التصرف أم لا، و الظاهر من كلام سيد المستمسك (رحمه اللّه) «1» أن الإبقاء في الذمة يعد تصرفا، و أنكره سيدنا الاستاذ بقوله (و ما قيل من أن بقاءها حينئذ عنده و عدم دفعها إلي أربابها تصرف في مال الغير بغير إذنه، أو حبس للحق عن مالكه، و كلاهما حرام، بل يعدان من الكبائر.

مدفوع: بأن التصرف يتوقف علي تقليب المال، فلا يشمل البقاء في الذمة فإنه باق علي

حاله و لا يعد تصرفا، كما أن البقاء إذا كان مستندا الي

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة: 14/ 543.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 75

______________________________

عدم مطالبة المالك لم يعتبر حبسا للحق عن مالكه.

بل يمكن دعوي قيام السيرة القطعية عليه، فإن المديون لا يبادر إلي ادائها ما لم يطالبه المالك، كما هو الحال في مهور الزوجات) انتهي «1».

و علي كلا القولين إذا لم يكن راضيا فلا مجال لهذا التفصيل، إذ التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام، و امّا مع الرضا فلا اشكال فيه، و امّا إذا لم يكن راضيا فلا ريب في وجوب الاداء؛ اذ المفروض أن الحبس حرام، و هذا من مصاديقه، فعلي ضوئه يجب عليه أداء ديون الناس.

الفرع السادس: إذا لم يمكنه أداء الديون أو كانت مؤجلة وجب الإيصاء بها،
اشارة

إلّا إذا كانت معلومة أو موثقة بالأسانيد المعتبرة.

و لكي يتضح المراد في هذا الفرع لا بد من ذكر صور ثلاث:

الصورة الاولي: أن يكون طريق الإيصال منحصرا بالوصية،

ففي هذه الصورة تجب الوصية عليه، و لا فرق في ذلك بين كونها موثقة بالاسانيد المعتبرة أم لا؛ إذ بمجرد وجود السند و معلومية الدين لا يكون

______________________________

(1) مباني العروة: 2/ 374.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 76

______________________________

مؤثرا في إمكان التصور، و طالما الإيصال قد انحصر في الوصية إذا لا إشكال في وجوبها.

الصورة الثانية: أنه يعلم بأن الوصية لا أثر لها في ذلك،

ففي هذه الصورة لا تجب الوصية عليه.

الصورة الثالثة: يشك في كونها مؤثرة أم لا،

ففي هذه الصورة حكمها كحكم سابقتها في عدم الوجوب.

الفرع السابع: إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك فإنه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها.

ما أفاده في هذا الفرع علي طبق القاعدة، و يتضح ذلك من خلال هذا الشكل و هو: إذا فرضنا أن الدين يجب أداؤه، و الحقوق الشرعية من الديون، ففي هذه الحالة يتكون عندنا قياس اقتراني منطقي من الشكل الأول مركب من الكبري و الصغري:

الكبري: الدين يجب أداؤه.

الصغري: الحقوق الشرعية من الديون.

النتيجة: يجب أداء الحقوق الشرعية.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 77

______________________________

و يؤيد المدعي ما رواه وهب، عن جعفر بن محمد، عن ابيه، عن علي (عليهم السّلام) قال: الوصية تمام ما نقص من الزكاة «1».

الفرع الثامن: لا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة او لا.

التفصيل المتقدم يجري أيضا هنا؛ إذ لا يخلو الأمر إمّا أن يعلم بتأثير الوصية كأن يقوم أحد من المؤمنين او الحاكم الشرعي بأداء دينه او لا، ففي الحالة السابقة يجب عليه الوصية؛ إذ الدين أداؤه واجب، و هذا مصداق للأداء، فعلي هذا يجب. إلّا أن يوجد مانع في المقام يحول بينه و بين ذلك، كالحرج، و امّا في الحالة الثانية فلا تجب.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 259/ ب 2 من أبواب الوصايا/ ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 78

[مسألة 4: بطلان الوصية برد الموصي له]

اشارة

[مسألة] (4): رد الموصي له للوصية مبطل لها اذا كان قبل حصول الملكية، و اذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها، فعلا هذا اذا كان الرد منه بعد الموت و قبل القبول، او بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الرد أيضا كذلك يكون مبطلا لها، لعدم حصول الملكية بعد، و اذا كان بعد الموت و بعد القبول لا يكون مبطلا، سواء كان القبول بعد الموت أيضا او قبله، و سواء كان قبل القبض او بعده، بناء علي الاقوي من عدم اشتراط القبض في صحتها، لعدم الدليل علي اعتباره؛ و ذلك لحصول الملكية حينئذ له، فلا تزول بالرد.

و لا دليل علي كون الوصية جائزة بعد تماميتها بالنسبة الي الموصي له، كما انها جائزة بالنسبة الي الموصي، حيث انه يجوز له الرجوع في وصيته، كما سيأتي.

و ظاهر كلمات العلماء حيث حكموا ببطلانها بالرد عدم صحة القبول بعده؛ لأنه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي كما ان الامر كذلك في سائر العقود، حيث ان الرد بعد الايجاب يبطله و ان رجع و قبل بلا تأخير، و كما في إجازة الفضولي، حيث أنها لا تصح بعد

الرد.

لكن لا يخلو عن اشكال، اذا كان الموصي باقيا علي ايجابه.

بل في سائر العقود أيضا مشكل، إن لم يكن اجماع، خصوصا في

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 79

الفضولي؛ حيث ان مقتضي بعض الاخبار صحتها و لو بعد الرد.

و دعوي: عدم صدق المعاهدة عرفا اذا كان القبول بعد الرد، ممنوعة.

ثم انهم ذكروا انه لو كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح، و هو أيضا مشكل علي ما ذكروه من كونه مبطلا للإيجاب؛ اذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة او بعد الموت، إلا إذا قلنا: أن الرد و القبول لا أثر لهما حال الحياة، و أن محلهما إنما هو بعد الموت و هو محل منع (1).

______________________________

(1) تتفهرس هذه المسألة في عدة فقرات:

الفقرة الأولي: إذا رد الموصي له الوصية قبل حصول الملكية فرده مبطل لها.

و هذا لا كلام فيه و لا إشكال يعتريه، بل متسالم عليه بين الأصحاب، و ادعي عليه الإجماع بكلا قسميه كما في الجواهر، و عدم الخلاف كما في التذكرة.

الفقرة الثانية: إذا تحققت الملكية للموصي له و بعد تحققها حصل منه الرد فهل تكون الوصية باطلة أم لا؟

أفاد الماتن (قدّس سرّه) بعدم بطلانها و لا أثر لرده، و قبل الحكم في هذه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 80

______________________________

الفقرة لا بد لنا من التساؤل عن جهة في المقام، و هي: بأيّ سبب يتحقق الملك!! فهل يتحقق بالإيجاب و القبول و موت الموصي أم لا؟

الظاهر من كلماتهم (قدّس سرّه) أنه يتحقق بذلك، و إنما حصل الخلاف بينهم في كون القبض شرطا في تحقق الملك أم لا؟

و بعد معرفة هذه الجهة نقول: إذا قلنا بأن الوصية التمليكية لا تتحقق إلا بالقبول و بناء علي هذا- تصبح من العقود- و فرضنا أيضا أن الملكية تحصل بعد الموت و بعد تحققها يحصل الرد منه- أي من الموصي له- فالظاهر أنه لا أثر له و هذا بلا إشكال و لا ريب و ذلك لوجهين:

1- الاستصحاب:

بعد أن تحققت الملكية علي نحو الدوام يحصل الشك، و عند حصوله لا بد من طرح هذا التساؤل: هل جعل حق الرد للموصي له أم لا؟

الجواب: مقتضي الاصل عدمه؛ إذ من الواضح أن هذا الأمر من الحوادث، و كل حادث مسبوق بالعدم، فمقتضي الاستصحاب عدم تحقق هذا الشي ء في الشريعة المقدسة.

2- أَوْفُوا بِالْعُقُودِ:

و توضيح ذلك: أنه إذا فرضنا أن الوصية التمليكة من العقود فبطبيعة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 81

______________________________

الحال بعد تحقق الملكية و القبول تكون الوصية مع القبول مصداقا للعقد فيترتب عليه اللزوم بمقتضي قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و علي هذا فبمقتضي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ نحكم بلزوم العقد، و صفوة القول

أن الرد لا أثر له بلا شك و لا ريب.

و لا يخفي أن الفروع المذكورة بحسب القاعدة الأولية لا مجال للتعرض لها؛ و ذلك لما ثبت سابقا من كون مقتضي القاعدة الأولية تحقق الوصية، و هو أعم من كونها تمليكة او لا؛ و ذلك لأن الوصية علي إطلاقها مؤثرة و لا تكون قابلة للرد، غاية ما في الامر أنه في بعض مصاديق هذه الكبري يمكن دعوي الإجماع، و علي اي حال فإننا مجاراة للمصنف (قدّس سرّه) لا بأس أن نتعرض لها.

الفقرة الثالثة: إذا كان الرد بعد الموت و قبل القبول يكون مبطلا للوصية.
يمكن أن يقال في تقريب المدعي وجهان:
أ- أن الوصية مشروطة بعدم الرد علي نحو الشرط المتأخر،

و المفروض عدم تحقق الشرط، فعلي هذا لا تكون الوصية صحيحة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 82

ب- أن الوصية من العقود، و العقد قوامه بالقبول، و الحال أن الرد حصل قبل القبول،

______________________________

و بتعبير آخر أن القبول مشروط بعدم الرد و المفروض لم يتحقق، فعلي هذا لا تكون الوصية صحيحة.

مناقشة التقريب الاول

أقول: كلا التقريبين لا يمكن الاعتماد عليهما، و لا القول بهما؛ و ذلك إنما يصح ما قيل في التقريب الاول بناء علي التسليم بشرطية عدم الرد و كون الوصية من العقود، و كما تعلم فقد ظهر فساده؛ إذ لا دليل علي ذلك، بل مقتضي إطلاقات الوصية نفوذها، و لو مع الرد اللاحق، إلّا أن يقوم إجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم (عليه السّلام) و امّا عند عدم قيام الإجماع الكاشف أو الضرورة الفقهية فلا أثر لهذا الرد.

و بعبارة جلية فإن مقتضي إطلاقات أدلة الوصية كتابا و سنة عدم اشتراط الوصية بالشرط المزبور.

هذا كله ما يرجع إلي بطلان التقريب الأول.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 83

مناقشة التقريب الثاني

______________________________

و امّا التقريب الثاني فالكلام هو الكلام؛ إذ المفروض أن الموجب لم يرجع عن إيجابه، و الرد كالعدم؛ و ذلك أن الرد لا يوجب انعدام ايجاب الموجب، و إذا كان ايجاب الموجب باقيا- علي حاله- فلا مانع من كونه قابلا لإلحاق القبول به، هذا ما تقتضيه القاعدة الاولية.

و امّا من ناحية النصوص فإليك هذه الرواية و هي ما رواه محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «قال: قضي في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثمّ قدم سيّدها الأول فخاصم سيّدها الاخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني.

فقال: خذ وليدتك و ابنها، فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة- حتي ينفذ لك ما باعك، فلما أخذ البيع الابن قال ابوه:

أرسل ابني فقال: لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني، فلما رأي ذلك سيّد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 84

______________________________

الوليدة الأول أجاز بيع ابنه» «1».

فعلي ضوء هذا النص

نستفيد أن القبول بعد الرد لا إشكال فيه؛ إذ المفروض أن البيع ردّ من قبل المالك، و لكن بعد أن ابتلي بالمحذور أجاز.

و لرب قائل يقول: كيف يتحقق القبول بعد الموت و الحال أن الموجب قد مات و لا وجود له؟

الجواب: عن هذا الاشكال ظهر في ضمن الابحاث السابقة فلا مجال للإعادة.

الفقرة الرابعة: إذا كان الرد قبل الموت و بعد القبول تكون الوصية باطلة.

بتقريب أن الملكية لم تحصل، و في فرض عدم حصولها يكون رد الموصي له مبطلا للوصية.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، در يك جلد، المقرر - چاپخانه امير، قم - ايران، اول، 1419 ه ق مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم؛ ص: 84

و هذا التقريب لا يمكن القول به؛ إذ المفروض أن القبول قد تحقق من الموصي له، و الرد وقع بعد القبول، غاية الأمر أن الملكية المسببة من

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 203/ ب 88 من ابواب نكاح العبيد و الاماء/ ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 85

______________________________

الوصية إنّما تحصل بعد الموت، و هذا لا يقتضي فساد العقد و عدم تماميته؛ و ذلك لتمامية العقد بجميع شرائطه- حتي علي القول بأن القبول شرط او جزء في العقد-، فعلي هذا لا أثر للرد في المقام، أضف الي ذلك كله أن القبض لا يشترط في تحقق الملك.

إن قلت: كيف تقولون بالصحة مع أن الأمر في باب الصرف و السلم ليس كذلك، و لذا لو حصلت معاملة بين الطرفين علي نحو الصرف أو السلم و قبل تحقق القبض في المجلس صدر الرد من المشتري ففي هذه الحالة لم تتحقق الملكية، و المقام كذلك؛ إذ لا فرق بينهما، إذا لا بد من الحكم بالبطلان؛ لأن كلا المقامين من واد

واحد. قلت: لا وجه لقياس أحد المقامين بالآخر؛ و ذلك أن صحة العقد في الصرف و السلم مشروط بالتقابض قبل الافتراق، فلو لم يتقابضا حتي افترقا بطل البيع؛ اذ العقد غير تام في وعاء الشرع، و بعد فرض عدم التمامية لا وجه للقول بالصحة، و هذا خلاف ما نحن فيه؛ إذ لم يشترط في تمامية العقد القبض، فعلي هذا يكون العقد تاما و مشمولا لدائرة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و صفوة القول: أن الرد المزبور لغو و لا أثر له، غاية ما في الباب أن أثار العقود مختلفة بحسب الفترة الزمنية، فتارة يترتب الأثر علي العقد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 86

______________________________

بلا فاصل زماني، و أخري يترتب الأثر علي العقد بعد فترة زمنية كما نحن بصدده؛ و ذلك أن وزان الوصية وزان الواجب المشروط، فإذا لم يتحقق الشرط في الخارج لا يعقل تحقق المشروط، فإن الملكية التي أنشأها الموصي للموصي له هي ملكية مشروطة و معلقة علي الموت، فما دام لم يتحقق الموت فلا وجه لتحقق متعلق الوصية.

و بعبارة أجلي: فلا ملازمة بين صحة العقد و تحقق الملكية، لأن متعلق العقد متوقف علي مفاد الإنشاء، فإذا كان مفاده علي نحو الواجب المنجز يتحقق، و امّا إذا كان علي نحو الواجب المشروط- كما هو كذلك- فلا مجال لتحققه.

و لا وجه لقياس رد الموصي له برد الموصي حال الحياة؛ و ذلك لقيام الدليل الخاص في رد الوصي دون غيره، و سوف نتعرض اليه عند تعرض الماتن (قدّس سرّه) له.

الفقرة الخامسة: إذا كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح.

لا إشكال في الصحة، و قد تقدم الكلام حول هذه الجهة، فلا مجال للإعادة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 87

[مسألة 5: قبول الموصي له أحد الشيئين]

اشارة

[مسألة] (5): لو أوصي له بشيئين بإيجاب واحد، فقبل الموصي له احدهما دون الآخر، صح فيما قبل و بطل فيما رد.

و كذا لو أوصي له بشي ء فقبل بعضه مشاعا، أو مفروزا، ورد بعضه الآخر، و إن لم نقل بصحة مثل ذلك في البيع و نحوه، بدعوي:

عدم التطابق حينئذ بين الإيجاب و القبول؛ لأن مقتضي القاعدة الصحة في البيع أيضا، إن لم يكن إجماع.

و دعوي: عدم التطابق ممنوعة. نعم لو علم من حال الموصي ارادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصح التبعيض (1).

______________________________

(1) أشتهر بين الأصحاب (قدّس سرّه) فيما إذا أوصي شخص لشخص أخر بشيئين بايجاب واحد فقبل الموصي له أحد الشيئين ورد الآخر، فإن الوصية تصح فيما قبله و تبطل فيما رده، و كذا الحكم فيما إذا أوصي له بشي ء فقبل بعضه- سواء كان مشاعا أو مفروزا- و ردّ بعضه الآخر، كما في (الحدائق) و (الجواهر) و (جامع المقاصد).

و قد كثر النقض و الإبرام في مقام الاستدلال، و التحقيق يقتضي التفصيل فنقول:

تارة يكون الإنشاء المتعلق بشيئين علي نحو الاتحاد في دائرة الاثبات، كأن يقول الموصي ملكت هذا علي نحو المجموع، فعلي هذه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 88

______________________________

الكيفية يكون كل واحد من الشيئين لا ربط له بالآخر، في مقام الثبوت؛ إذ هما تمليكان كل واحد منهما اجنبي عن الآخر، و في مقام الإثبات تمليك واحد، و نظير هذا في البيع أيضا، كما إذا قال البائع:

للمشتري بعتك هذين الشيئين، ففي هذه الصورة لا إشكال في أن كل واحد من هذين الشيئين

بيع مستقل، و بهذا يترتب الأثر علي كل واحد منهما.

فإذا اتضح ما بيناه يجري الكلام في الوصية أيضا؛ إذ يقبل الموصي له أحد الشيئين و يرد الأخر، فعلي الاول تتحقق الملكية له و علي الثاني لا تتحقق.

إذا: ففي هذه الصورة لا إشكال في صحة الوصية.

و اخري يقوم الموجب بتمليك مجموع الشيئين، و مثاله معروف في البيع، و هو إذا ملك البائع المشتري مصراعي الباب لا كل مصراع منه بثمن، بل المبيع هو مصراعا الباب علي نحو المجموع، كذلك في الوصية كما إذا أوصي له بمصراعي باب من الأبواب، ففي هذه الحالة إذا قبل الموصي له احد جزئي الموصي به و ردّ الآخر، فلا إشكال إذا في بطلانها، و لا فرق في ذلك بين أن نقول بكون القبول جزء أو مقوما، أو

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 89

______________________________

شرطا كاشفا أو ناقلا.

و ما ورد في المقام من كون المجموع من حيث المجموع أمرا انتزاعيا و غير قابل للتمليك فلا يمكن التسليم به؛ إذ يرد التساؤل علي هذه المقالة بما هو المراد من كون المجموع امرا انتزاعيا؟! هل المراد عدم صحة البيع فيما إذا وقع علي كلا المصراعين، أم لا؟

فإذا كان الثاني لا يقع أي إشكال في البين؛ و ذلك أن المجموع من حيث المجموع في الامور الوضعية و الاعتبارية مما لا ريب فيه، و امّا علي الاول فيلزم التسلسل؛ لأن الشخص البائع لهذه الدار هل يبيع المجموع بما هو مجموع؟ أو يبيع النصف علي حده و النصف الآخر علي حده؟ أو الربع؟ أو الثلث؟ أو العشر؟ الي ما لا نهاية له …؛ إذ الجزء لا يتجزأ كما ثبت في محله، فعلي هذا لا بد لنا

من القول بوقوع العقد و الإنشاء علي امر واحد، و لذا تقدم منا عدم الالتزام بتعدد الخيارات، و كذلك تبعض الصفقة.

فإذا عرفت ذلك نقول: إذا فرضنا أن الموصي له قبل أحدهما دون الآخر، فعلي هذا لا إشكال في بطلان الوصية، سواء قلنا بشرطية القبول أو جزئيته؛ إذ المفروض أن الموصي ملّك المجموع المركب و الموصي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 90

______________________________

له لم يقبل، و الوصية مشروطة بالإيجاب و القبول، و المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، كما أن المشروط ينتفي بانتفاء أحد شروطه، فتحصل مما قلناه: علي ضوء الصناعة العلمية أن الوصية باطلة، و امّا ما أفاده سيدنا الاستاذ (قدّس سرّه) في المقام فإليك ملخصه ثم مناقشته.

مناقشة السيد الخوئي
اشارة

ملخص ما أفاده يمكننا طرحه بهذا البيان، و هو: إذا فرضنا أن الموصي أوصي علي نحو المجموع و الموصي له قبل ذلك، ففي هذه الحالة لا إشكال في صحة أحدهما؛ إذ المفروض أنه ليس عقدا، بل هو اشتراط في الوصية، و الشرط من قبل الموصي، و هو انضمام أحد الأمرين بالآخر، و تخلف الشرط لا يوجب الفساد بل يوجب الخيار، فعلي هذا يكون تخلف الشرط يقتضي الخيار للموصي، و حيث انه ميت فلا مجال للقول برجوع الخيار إليه، بل ينتقل إلي ورثته، هذا ملخص ما أفاده (رحمه اللّه) «1».

______________________________

(1) لاحظ مباني العروة: 2/ 381.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 91

و يرد علي ما أفاده (قدّس سرّه) ثلاثة امور:

______________________________

1- إن الاشتراط المزبور ليس شرطا شخصيا، حتي يقال: أن الموصي يملك الشي ء الفلاني شريطة قبول الموصي له، بل الاشتراط المذكور- إن صح التعبير- هو اشتراط شارعي- أي من قبل الشارع- و لذا الملاحظ في لسان الادلة الشرعية في حالة اعتبار شرط من الشروط يكون المقنن له أساسا هو الشارع الأقدس، لا الفرد، إذا: الشخص ليس له صلاحية في جعل الشرط و عدمه، و إن ابيت عن هذا البيان و قلت أن الاشتراط المفروض هو اشتراط شخصي.

قلت: يلزم من هذه المقالة الدور؛ اذ كما ذكرنا سابقا فيما إذا توقف ايجاب الموجب علي قبول القابل، و الحال أن القبول يتوقف علي تحقق الإيجاب، فتصبح النتيجة أن الشي ء متوقف علي نفسه، و توقف الشي ء علي نفسه دور و الدور محال.

2- ما هو الدليل الدال علي أن تخلف الشرط يوجب الخيار؟ هل قام عليه إجماع، أم رواية، أم آية؟ الظاهر أنه لا يوجد دليل في المقام، و ما هي إلا مجرد دعوي تحتاج الي دليل يدعمها.

فإذا

اشترط أحدهما علي الآخر في حال تخلف الشرط هل يوجب

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 92

______________________________

الخيار أم لا؟ الظاهر لا؛ إذ لا يعتبر دليل الشرط مشرعا، حتي يقال:

أن كل شرط جائز، بل الأمر ليس كذلك، فعلي هذا يلزم في الرتبة السابقة قيام الدليل علي جواز الشرط المزبور في الشريعة المقدسة، و بعد الفراغ من هذه الجهة ننتقل الي جهة أخري و هي الحكم بلزومه و لا يتم الا بمقتضي دليل الاشتراط، و بهذا البيان يمكننا أن نقول: ففي كل مورد حصل لنا العلم من طريق الشارع الأقدس بجواز شرط من الشروط نلتزم به، و امّا عند عدم وجود الدليل فلا مجال للقول بالالتزام، كما في المقام.

3- قد أثبتنا بأن الخيار لا ينتقل بالإرث، و مما ذكرناه ظهر الإشكال في ما أفاده بقوله (و كذا لو أوصي بشي ء فقبل بعضه مشاعا) فإنه لا تصح في جميع هذه الصور؛ و ذلك لوحدة الملاك و سريان الإشكال، نعم في خصوص بيع جميع ما يملك و ما لا يملك قد ورد نص في المقام، و إليك نصّه: محمد بن الحسن الصفار، أنه كتب إلي أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) في رجل باع قطاع أرضين فيحضره الخروج إلي مكة و القرية علي مراحل من منزله، و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، و عرف حدود القرية الأربعة، فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت فلانا- يعني المشتري- جميع القرية التي حدّ منها كذا، و الثاني و الثالث

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 93

______________________________

و الرابع و إنّما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك و إنما له بعض هذه

القرية و قد أقرّ له بكلّها؟

فوقع (عليه السّلام): لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فمن خلال هذه الرواية نستدل علي الصحة فيما يملك، و الفساد في ما لا يملك، و هذا علي خلاف القاعدة الأولية.

و دعوي عدم التطابق ممنوعة، و الإنصاف أن ما ذكرناه مطابق؛ إذ يظهر من ذيل المسألة ان المصنف معترف بمقالتنا كبرويا و إن كان مخالفا صغرويا كما في بعض الموارد و الأمر سهل.

______________________________

(1) الوسائل: 17/ 339- ب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 94

[مسألة 6: عدم جواز تصرف الورثة في العين الموصي بها]

اشارة

[مسألة] (6): لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصي بها قبل أن يختار الموصي له أحد الأمرين من القبول أو الرد و ليس لهم إجباره علي اختيار أحدهما معجلا، إلا إذا كان تأخيره موجبا للضرر عليهم، فيجبره الحاكم حينئذ علي اختيار أحدهما (1).

______________________________

(1) تتلخص هذه المسألة في عدة فقرات:

الفقرة الأولي: لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصي بها قبل اختيار الموصي له أحد الأمرين من القبول أو الرد.
اشارة

و يمكننا أن نصور هذه الفقرة في خمس صور:

أ- كون الوصية من الإيقاعات،

و علي هذا لا مجال لاشتراط القبول فيها، سواء كان شرطا مقوما أو كاشفا أو ناقلا كما أنه لا يضر بها الرد.

و هذا هو المختار عندنا، إلا أن يقوم دليل معتبر في مورد من الموارد علي خلافه، و بناء علي هذا لا يبقي مجال للبحث، و إنما البحث يكون في دائرة مفرغة؛ إذ لا مجال للتصرف علي الإطلاق.

ب- عكس الاولي، أي كون القبول جزءا مقوما للوصية، و الوصية التمليكية من العقود.

فعلي هذا إذا فرضنا أن الموصي له لم يصدر منه القبول، و حصل

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 95

______________________________

الشك عند الوارث، فما هي الوظيفة؟

الجواب: وظيفته الحكم بعدم القبول؛ و ذلك بمقتضي جريان الاستصحاب الاستقبالي في المقام، و علي ضوئه يترتب الأثر من انتقال العين إلي الوارث و كذلك لا مجال للقول بعدم التصرف؛ و ذلك بمقتضي القاعدة الأولية، إذ المفروض عدم تمامية الوصية في المقام، لأن تماميتها متوقفة علي تحقق القبول إذ هو جزء مقوم، و الحال أن المكلف يشك في تحقق المقوّم و عدمه، فعلي ضوء الاستصحاب الاستقبالي عدم تحققه، و حيث ان الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة فعليه يحكم بعدم القبول.

فتكون النتيجة: انتقال المال إلي الوارث، و عند الانتقال لا إشكال في جواز التصرف و لو بالحكم الظاهري.

و بهذا البيان لا أثر لرده و عدمه؛ إذ لا فرق في ذلك، و انما تتحقق الوصية بتحقق القبول، و حيث انه لم يتحقق إذا: لا وصية في المقام، و عند انعدام الوصية فلا مجال للبحث حول الرد و عدمه.

ج- أن تكون مشروطة بالقبول علي نحو الكشف أو النقل،

و يظهر حال هذه الصورة من خلال البيان المتقدم في الصورة السابقة، و عليه فلا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 96

______________________________

مجال للإعادة؛ إذ الوارث يشك في تحقق الشرط المقرر من قبل الشارع الأقدس و عدمه، و مقتضي الأصل عدم تحققه، و بهذا يترتب عليه الأثر الشرعي من انتقال المال إليه، و جواز التصرف في العين.

د- أن يكون الرد مانعا،

و عليه تكون الوصية فاسدة؛ و ذلك أن نفوذ الوصية مشروط بعدم الرد من قبل الموصي له، و علي هذا الاساس إذا فرضنا أن الوارث شك في رد الموصي له و عدمه، ففي هذه الحالة ينعكس الأمر تماما؛ إذ بمقتضي الاستصحاب الاستقبالي عليه أن يحكم بعدم الرد، و بهذا ينتقل المال إلي الموصي له، و لا يجوز للوارث التصرف فيه؛ و ذلك لعدم جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه.

ه- أن يكون للموصي له حق الفسخ،

ففي هذه الصورة لا يجوز للوارث التصرف في الموصي به، حتي مع العلم بتحقق الفسخ؛ إذ المفروض أن الوصية تامة، و في فرض تماميتها ينتقل المال إلي الموصي له، غاية ما في الباب يستطيع الموصي له أن يرفع هذه الملكية، و حيث انه لم يرفعها فلا يجوز للوارث التصرف في المال.

فهذه جميع الصور التي يمكن تصويرها في مقام الثبوت، و من خلالها ينبثق سؤال في المقام، و هو: هل يصح ما أفاده الماتن في صدر

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 97

______________________________

المسألة أم لا؟

الجواب: لا يصح ذلك؛ إذ كيف يعقل الجمع بين هذين الأمرين، بل لا بد من اختيار أحدهما دون الآخر؛ لأنه إذا كان القبول جزءا او شرطا معتبرا شرعا فلا أثر لرد الموصي له و لا قيمة له، سواء تقدم أو تأخر، وجد أم لم يوجد، لا فرق في ذلك.

و امّا إذا كان الأثر مترتبا علي الرد، فعلي هذا لا فرق بين قبول الموصي له و عدمه.

و امّا إذا كان له حق الفسخ فالأمر أوضح من أن يخفي، فتحصل: أنه لا مجال لما أفاده (قدّس سرّه).

الفقرة الثانية: ليس للورثة إجبار الموصي له علي اختيار أحد الأمرين معجلا.

و في هذه الفقرة لو أغمضنا النظر عما قلناه في الفقرة السابقة، و قلنا أنه لا يجوز التصرف للوارث إلا بعد اختيار الموصي له أحد الأمرين، فعلي هذا هل يصح للوارث أن يجبر الموصي له علي أن يختار القبول أو الرد؟

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 98

______________________________

الظاهر أن الأمر كما أفاده الماتن (طاب ثراه)؛ و الوجه فيه أن إجبار الغير و إكراهه يعد تصرفا في نفسه، و هذا علي خلاف القاعدة، و علي خلاف المقرر في الشريعة المقدسة، سواء علي نطاق الدليل أو الأصل،

لا فرق في ذلك، بل كل واحد منهما يوصلنا إلي المطلوب؛ و لذا نقول: يحرم إكراه الغير علي شي ء ما تكليفا، و كذلك التصرف في نفس الغير فاسد وضعا.

الفقرة الثالثه: يجوز إجبار الموصي له في صورة ترتب الضرر علي التأخير.

و تقريب ذلك: أن قاعدة لا ضرر قد جعلت في الشريعة المقدسة لكي تكون حاكمة علي أدلة الأحكام، و بالنتيجة توجب رفع الأحكام الضررية، و بناء عليه، إذا فرضنا أن الموصي له يتماطل و لا يختار أحد الأمرين، فبهذا التأخير يكون مسببا للضرر علي الورثة، و عند حصوله يجوز للورثة إكراهه و إجباره علي اختيار أحد الأمرين، و في فرض عدم إقدامه علي ما خيّر فيه يقوم الحاكم الشرعي بإجباره.

هذا غاية ما يمكن أن يقال: في تقريب المدعي.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 99

______________________________

و يلاحظ علي هذا التقريب ثلاثة امور:

1- قد تقدم منا البحث حول (قاعدة لا ضرر) و قلنا: أن ما أفاده شيخ الشريعة (قدّس سرّه) هو الصحيح، و لذا قد اخترنا مسلكه، و هو أن دليل لا ضرر لا يكون حاكما علي أدلة الأحكام، بل ناظرا الي النهي عن الإضرار بالغير، و تفصيل ذلك موكول إلي محله، و بناء عليه فلا مجال لجريان القاعدة في البين.

2- لو سلّمنا بما أفاده المشهور في المقام، فلن يكون هناك مجال لتحققها فيما نحن بصدده؛ و ذلك أنها إنما تتحقق و تصدق فيما إذا كان الضرر حاصلا في البين لا عدم النفع؛ إذ من الواضح أن الوارث بسبب التأخير لم يحصل علي الفائدة، لا أنه يتضرر بسببه، فعليه لا مجال لإجراء هذه القاعدة علي كلا المسلكين.

3- لو تنزلنا عما بيناه في الأول و الثاني؛ و وافقنا علي إجراء القاعدة في المقام، و لكن هل تسلم القاعدة

من المعارضة أم لا؟ الظاهر لا، بل يحصل التعارض بين الضرر الوارد علي الوارث و الضرر الوارد علي الموصي له؛ إذ التصرف في نفسه و أخذ اختياره و سلب قدرته في حد ذاته موجب للضرر الاعتباري.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 100

______________________________

و ربما يكون الضرر الاعتباري أعظم من الضرر المالي، كما هو واضح لمن كان له أدني تأمل؛ بل يمكننا تصوير الضرر المالي علي الموصي له أيضا؛ إذ يمكن في حالة تعجيله أن يخسر قسما من المال.

أضف إلي ذلك كله أنه هل يمكن التمسك بدليل لا ضرر بناء علي ما سلكه المشهور في كل مورد تحقق موضوعه أم لا؟

من الطبيعي جدا أن هذا لا يتفوه به أحد، و إليك مثالا يتضح من خلاله ما قلناه و هو: لو فرضنا وجود تاجرين في مدينة من المدن، أحدهما اشتري بضاعة من الأرز بثمن معين بحيث يلزم في حقه- من باب عدم تضرره- أن يبيع كل كيلوغرام منه بعشرة (دنانير)، و في نفس الوقت اشتري التاجر الآخر نفس البضاعة بثمن بخس، و علي هذا يبيع كل كيلوغرام منها ب خمسة (دنانير) فهل يمكننا أن نقول بمقتضي دليل لا ضرر بحرمة تجارة التاجر الثاني بالأرز تكليفا، و نحكم أيضا بفساد بيعه؟

من الواضح البديهي عدم جواز التفوه بهذه المقالة، فتحصل من خلال ما أبديناه: عدم الجزم بما أفاده (قدّس سرّه).

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 101

[مسألة 7: موت الموصي له قبل القبول أو الرد]

اشارة

[مسألة] (7): إذا مات الموصي له قبل القبول أو الرد فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك (1)، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيته، من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته، و بين علم

الموصي بموته و عدمه.

و قيل: بالبطلان بموته قبل القبول.

و قيل: بالتفصيل بين ما إذا علم ان غرض الموصي خصوص الموصي له فتبطل، و بين غيره فلورثته. و القول الاول و ان كان علي خلاف القاعدة مطلقا- بناء علي اعتبار القبول في صحتها- لأن المفروض ان الإيجاب مختص بالموصي له.

و كون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع. كما ان دعوي انتقال حق القبول الي الوارث أيضا محل منع صغري و كبري؛ لمنع كونه حقا، و منع كون كل حق منتقلا الي الوارث حتي مثل ما نحن فيه من الحق الخاص به، الذي لا يصدق كونه من تركته.

يقع البحث في جهتين:
اشارة

______________________________

(1) الجهة الاولي: ما تقتضيه القاعدة الاولية.

الجهة الثانية: ما تقتضيه القاعدة الثانوية.

[الجهة الأولي: ما تقتضيه القاعدة الأولية]

فأمّا علي الأولي فلا مجال لهذا البحث؛ إذ المفروض أن الموصي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 102

______________________________

أوصي إلي الموصي له، و فرض في المقام موت الموصي له قبل الموصي، و لم يتحقق منه القبول، فعلي هذا لم تتحقق الملكية بالنسبة إلي الموصي له، و إذا لم تتحقق فلا مجال لأن يقال بالإرث هنا؛ إذ الإرث متفرع علي كون المورث مالكا لشي ء ما، و في الفرض قبل تحقق زمانه و موضوعه و قابليته للتملك انعدم و مات، إذا: لم تحصل الملكية، فعلي ضوئه لا وجه لأن يقال: (يقوم وارثه مقامه في القبول).

[الجهة الثانية بحسب القاعدة الثانوية]
اشارة

و امّا بحسب القاعدة الثانوية فقد استدل علي المدعي بوجوه:

الوجه الاول: أن قبول الموصي له هو حق له،

و قد مات بعد تعلق الحق، هذا من جهة، و من جهة أخري قد ثبت في الدليل أن ما تركه الميت فهو لوارثه، فعلي هذا تصبح النتيجة من ضم الصغري الي الكبري أن الوارث له حق القبول؛ لإنه وارث له.

و قبل مناقشة هذه الدعوي لا بد لنا من توضيح جهة في البين، ألا و هي الفرق بين الحق و الحكم.

و ما يمكن أن يقال: في جهة الفرق بينهما أن الحكم مرتبط بالشارع الاقدس، و هو المقنن للأحكام الشرعية، فعلي هذا لا يرتبط بالمكلف علي الإطلاق، فحكم الوجوب- مثلا- هو اعتبار شي ء في ذمة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 103

______________________________

المكلف، و الإباحة ترخيص للمكلف في دائرة العمل الشرعي،- أي اعتبار كونه مرسل العنان بالنسبة إلي كلا الطرفين- و التحريم عبارة عن جعل حاجز و حريم بين المكلف و بين شرب الخمر علي سبيل المثال، و علي هذا فقس الاستحباب و الكراهة و امّا بالنسبة الي الحق المستعمل في باب الفقه في مقابل الحكم فهو عبارة عن نحو من الملكية، فتارة يملك زيد دارا فيقال: هذه الدار أو هذا المال ملك لزيد، و اخري يملك غير ذلك، و مثاله الظاهر في الخيار، و لذا يقال إن الشخص الفلاني مالك لفسخ هذا العقد «1»، و من هذا المنطلق عرّف الشيخ الانصاري الخيار، بقوله نقلا عن جماعة من المتأخرين بأنه (ملك فسخ العقد) و نعم ما أفيد في المقام.

إذا: فالحق المقابل للحكم هو عبارة عن كون شخص مالكا لأمر من الأمور، من الفسخ أو الامضاء الي غير ذلك …

و الحق أيضا ينقسم إلي قسمين:

______________________________

(1) كحق الحضانه، و

الولاية، و حق الشفعة، و حق الخيار.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 104

______________________________

1- الحق الحكمي

2- الحق الحقي

فأما المراد من الحق الحكمي هو الحق الذي لا يقبل الإسقاط او النقل، كالخيار الثابت في الهبة، فإنه لا يمكن إسقاطه و لا نقله، و امّا الخيار الحقي فيمكن لمن بيده الخيار أن يسقطه أو ينقله إلي الغير علي بعض الآراء، علي إشكال قد تقدم منا في محله، فتحصّل مما قلنا: أن الحق عبارة عن ملكية شي ء لذي الحق، فعلي هذا.

أقول: لا موضوع لهذا البحث في المقام علي الإطلاق؛ إذ لا معني لأن يقال: أن الموصي له له حق القبول؛ إذ هذا باطل بلا إشكال و لا ريب، و لذا هل يمكن لأحد ان يقول: فيما إذا مات القابل للبيع قبل قبوله فللوارث أن يرث ذلك؟

الظاهر أن القول بهذه المقالة في غاية الإشكال؛ و ذلك أنه موضوع و حكم، فإذا صدر الايجاب من الموجب و القبول من القابل ترتب الأثر و إلّا فلا، كما أنه لو وقع الماء النجس علي الفرش فإن الفرش يتنجس؛ و امّا إذا لم يقع فلا مجال للقول بنجاسته، و لا حق في المقام حتي يقال بالحقيّة للقابل؛ و ذلك لعدم تتحقق الملكية له، و عند عدم تحققها فلا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 105

______________________________

مجال للكلام حول الوارث؛ فإذا اتضح ما بيناه نرجع الي مناقشة الاستدلال السابق فنقول: يرد علي الاستدلال المزبور ثلاثة أمور:

1- أنه لا موضوعية للحق حتي تصل النوبة إلي بقية الإشكالات.

2- لو سلمنا بوجود حق في المقام فهل الحق المفروض حكمي أم حقي و هل يقبل الانتقال أم لا؟

الجواب: أن دليل الإرث هو: كلما تركه الميت فهو لوارثه،

فيلزم في المرحلة السابقة أن نحرز ما تركه الميت حتي يرثه وارثه، و امّا في المقام فلم يحرز ذلك، فعلي هذا يحصل الشك في كون الحق قابلا لأن يترك أم لا، و بعبارة أوضح أن الحق المدعي في المقام هل هو من الاشياء القابلة للترك حتي تدخل في دائرة دليل الإرث أم لا؟

الظاهر أن الأمر ليس كذلك اذا: فما هي الوظيفة في حالة الشك؟

ربما يقال: لإحراز ذلك نتمسك بالعام و عليه يندرج المقام و ينطوي تحته، و به يثبت المطلوب.

قلت: إن هذا تمسك بالعام في الشبهات المصداقية، و كما علمت منا اكثر من مرة أن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لا يجوز، و قد حقق ذلك في الاصول.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 106

______________________________

إذا: فما هو الأصل الجاري في المقام؟

الاصل الجاري هو الاستصحاب، و به نحرز عدم قابليته للترك؛ و ذلك أننا نتسائل: قبل تحققه في الشريعة المقدسة هل كان قابلا أم لا؟

فنجري الاستصحاب. و مقتضاه عدم كونه قابلا، هذا من ناحية، و من ناحية أخري بعد أن تحقق هل بقي علي حاله أم تغير؟

بمقتضي الاستصحاب أيضا نحكم بعدم قابليته للانتقال، إذا: فلا مجال للأخذ بدليل الإرث.

3- قد أثبتنا في محله أنه لا دليل علي انتقال الحق، و الرواية التي استدل بها علي المدعي ضعيفة من حيث السند، فعلي هذا لو أغمضنا النظر عن الايراد الأول و الثاني يكفي في ضعف المدعي و سقوطه عن الاعتبار ما ذكرناه في هذا الايراد.

و علي هذا الأساس بنينا علي عدم إرث الخيار و إن كان خلاف المشهور و لا غرو في ذلك.

الوجه الثاني: الإجماع

و توضيح ذلك: أن الإجماع قد قام علي لزوم القبول، و إلا فمقتضي إطلاقات

أدلة الوصية كتابا و سنة عدم اشتراط صحة الوصية بالقبول،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 107

______________________________

و مما حدانا إلي الخروج عن هذه الدائرة هو الإجماع، حيث انه دليل لبّي، و لا بد فيه من الاقتصار علي القدر المتيقن، و القدر المتيقن منه في الجملة هو القبول.

و بتعبير آخر فإننا إنما نلتزم بكون القبول جزءا أو شرطا بمقتضي الإجماع، و بناء عليه فإذا صدر القبول من القابل كفي في تحقق الأمر، و كذلك إذا صدر من وارثه.

هذا ما يريده المستدل في مقام الاستدلال بالإجماع.

و فيه:

أولا: أنه بعد موت الموصي له لا مجال لتحقق الملكية له؛ و الوجه في ذلك كما ذكرنا سابقا من أن الموصي ينشئ الملكية المشروطة و المعلقة علي موته، فما دام لم يتحقق موت الموصي لم يتحقق الزمان القابل لانتقال العين الي الموصي له، و بعبارة أخري أن وزان الوصية وزان الواجب المشروط، و مثاله: إذا قال المولي لعبده إذا جاء حسن فأكرمه، ففي هذه الحالة فإن وجوب الإكرام معلق علي مجي ء حسن، فقبل مجيئه لا وجوب في البين، و الأمر في المقام كذلك، فإنه قبل موت الموصي لا مجال و لا ظرف زماني لتحقق الملكية، و المفروض أن الموصي له قد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 108

______________________________

مات قبل الموصي، و من الواضح- و لو علي الفرض الموضوعي- أن الميت غير قابل لأن يكون موردا للوصية، و لذا لا يمكن أن يقال: بأن زيدا يستطيع أن يوصي بمال لعمرو و قد مات قبل مائة عام، و الحاصل:

أنه غير قابل للوصية حتي يقال: بأنه يرث أم لا.

ثانيا: أن تقريب الاستدلال بالإجماع المزبور غير متين؛ إذ الإجماع دليل لبّي فلا بد

من الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، فإذا كان الأمر كذلك فكيف توسّع دائرته حتي يستدل به في المقام، بل لا بد من تضييق الدائرة علي ما هو القدر المتيقن، فالحاصل: أن التقريب متناقض في حد نفسه، فالإنصاف أن هذا التقريب في غاية السقوط.

الوجه الثالث: النصوص الواردة في المقام.

و هي كما يلي:

1- ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أوصي لآخر و الموصي له غائب، فتوفي الموصي له- الذي أوصي له- قبل الموصي.

قال: الوصيّة لوارث الذي أوصي له، قال: و من أوصي لأحد شاهدا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 109

______________________________

كان أو غائبا فتوفي الموصي له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي أوصي له، إلّا أن يرجع في وصيته قبل موته «1».

و هذه الرواية صحيحة السند؛ و ذلك أن المراد في سندها من محمد بن قيس، ابو عبد اللّه البجلي الثقة، بقرينة الراوي عنه عاصم بن حميد الحناط.

و امّا من حيث الدلالة فهي تدل علي المدعي بوضوح، و لكن في قبال هذا النص نص معاكس له في الحكم، و هو ما رواه محمد بن مسلم.

2- ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سئل عن رجل أوصي لرجل فمات الموصي له قبل الموصي؟

قال: ليس بشي ء «2».

فيستفاد من خلال هذا النص أنه إذا مات الموصي له فالوصية محكومة بالإلغاء، فعلي ضوءها يحصل التعارض بينها و بين الرواية، ألا و هي رواية محمد بن قيس، فإن رواية محمد بن قيس يستفاد منها نفوذ الوصية الي الوارث، فعلي هذا ما هي الحيلة و الوسيلة في الجمع بينهما؟

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 333/ ب 30 من ابواب الوصايا/ ح 1.

(2) نفس

المصدر السابق: ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 110

______________________________

أفاد (قدّس سرّه) في المقام أن رواية محمد بن مسلم لا اعتبار بها؛ و ذلك لإعراض المشهور عنها، و كما تعلم أن اعراض المشهور لا يسقطها عن الاعتبار، و أيضا لا مجال لترجيح ما ذكره (رحمه اللّه) من كون هذه الرواية موافقة للعامة، فيجب الأخذ بالاولي و طرح الثانية؛ لما تعلم أيضا أن هذا علي مسلكه، و امّا علي مسلكنا لا يتم به المطلوب، لما حققناه في بحث التعادل و التراجيح من كون المرجح الوحيد هو الأحدثية، و بناء عليه يكون الترجيح مع رواية محمد بن مسلم؛ و ذلك لكونها أحدث، إذ الاولي مروية عن الامام الباقر (روحي فداه) و الثانية مروية عن الإمام الصادق (صلوات الله و سلامه عليه) فتصبح النتيجة من خلال عرض هذه الوجوه أن الفرض المذكور في المتن خلاف الصناعة العلمية؛ إذ بحسب القاعدة الأولية و النص الخاص فإن الوصية ملغاة و لا اعتبار بها بعد موت الموصي له، و كذلك لا حصة لورثته علي الإطلاق، و مما يؤيد المدعي:

ما رواه منصور بن حازم، عن ابي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أوصي لرجل بوصية إن حدث به حدث فمات الموصي له قبل الموصي، قال: ليس بشي ء «1».

______________________________

(1) نفس المصدر: ح 5.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 111

______________________________

و في المقام توجد رواية لربما يتوهم المتوهم أن لها مدخلية في البحث، و في الواقع و الحقيقة أنها لا ترتبط بالمقام أصلا، و إليك هذا النص.

عن العباس بن عامر، قال: سألته عن رجل أوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها، و لم يترك عقبا؟

قال: أطلب له وارثا أو

مولي فادفعها إليه.

قلت: فإن لم أعلم له وليا؟

قال: اجهد علي أن تقدر له علي ولي، فإن لم تجد و علم اللّه منك الجد فتصدّق بها «1».

و توضيح عدم ارتباطها بالمقام، أن السؤال الصادر من الراوي قد وقع علي أن الموصي له لم يتحقق منه القبض، لا أنه قد مات و الموصي حيّ، فعليه لا وجه لدخولها في دائرة البحث، بل هي أجنبية عن المقام.

و يفهم من خلال كلامه (عليه السّلام) أن القبض غير مشروط في الوصية،

______________________________

(1) نفس المصدر: ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 112

و علي ما قوينا من عدم اعتبار القبول فيها بل كون الرد مانعا أيضا يكون الحكم علي خلاف القاعدة في خصوص صورة موته قبل موت الموصي له؛ لعدم ملكيته في حياة الموصي.

لكن الاقوي مع ذلك هو اطلاق الصحة، كما هو المشهور؛ و ذلك لصحيحة محمد بن قيس الصريحة في ذلك، حتي في صورة موته في حياة الموصي، المؤيدة بخبر الساباطي و صحيح المثني، و لا يعارضها صحيحتا محمد بن مسلم، و منصور بن حازم، بعد اعراض المشهور عنهما، و امكان حملهما علي بعض المحامل، منها التقية؛ لأن المعروف بينهم عدم الصحة.

نعم يمكن دعوي انصراف الصحيحة عما إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصي له علي وجه التقييد.

بل ربما يقال: إن محل الخلاف غير هذه الصورة، لكن الانصراف

______________________________

و النسبة بينهما نسبة الخاص إلي العام، فتقيد المطلقة بالمقيدة، و ليس بعزيز، هذا ما يرجع الي هذه الرواية، و امّا رواية الباهلي فلا ربط لها بالمقام أيضا؛ إذ هي ناظرة الي الوصية العهدية، اضف إلي ذلك كله، ضعف سندها.

و علي فرض التنزل فلا إشكال في كونها مطلقة، و كما تعلم

أن

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 113

ممنوع، و علي فرضه يختص الاشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي، و إلا فبناء علي عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكا، بعد فرض عدم رده، فينتقل إلي ورثته (1).

______________________________

المطلق يقيد في وجود مقيد له، و المقيد في المقام هي رواية محمد بن مسلم.

[البحث في رد الوارث]

(1) ما أفاده (قدّس سرّه) من غرائب الكلام، و توضيح ذلك: أن الخصوصية التي ذكرها و دعوي الانصراف في غير محلها؛ إذ ما هو المراد من هذه الخصوصية؟ هل هي علي نحو الداعي و الاشتياق القلبي؟

أم من موارد الإنشاء؟ فإذا كانت علي نحو الداعي، بحيث لا يكون الموصي له بخصوصه مورد الوصية و الوصاية، بل هو مشترك بينه و بين وارثه،- فعلي هذا لا مجال للبحث، و لا تصل النوبة إلي الاستدلال بالنص أو الإجماع او غير ذلك …

و إنما يبقي البحث ضمن دائرة القاعدة الأولية، و مقتضاها أنه إذا مات الموصي له تعطي وارثه؛ إذ المفروض أن الوارث أيضا موصي له، غاية ما في الباب علي نحو الترتب، بأن يقال: هكذا (إذا كان زيد موجودا و إلا فوارثه)، و هذا لا نزاع فيه؛ و ذلك لكون الموصي، له كمال الصلاحية

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 114

بقي هنا امور … الخ (1).

______________________________

في نطاق الوصية، حيث يجوز له الوصية بما يريد و علي أي نحو كما تقدم.

و امّا إذا كانت الخصوصية مورد الإنشاء- كما هو كذلك في المقام-، فلا مجال للقول بالانصراف؛ و ذلك لو قلنا بكون الدليل منصرفا عنه فلا يبقي مصداق لغيره.

و بتعبير آخر أن تقوّم الانصراف يتحقق فيما إذا كان للمطلق مصداقان، فينصرف المطلق عن هذا إلي

غيره، و إليك مثالا يتضح من خلاله المطلوب، و هو: إذا قال المولي اكرم العالم، فيمكن صدق العالم علي العادل تارة و علي الفاسق تارة أخري، و لكن بمناسبة الحكم و الموضوع، ينصرف الإطلاق عن الفاسق. هذا فيما إذا تعددت الأفراد، و امّا إذا كان منحصرا في فرد واحد كما هو المفروض فيما نحن بصدده فعليه لا مجال للقول بالانصراف، فتحصل مما بيناه: أنه لا يمكننا الالتزام بما أفاده (قدّس سرّه).

(1) لم يتعرض سيدنا الأستاذ (حفظه الله) لهذه الامور و ذلك لعدم الثمرة في التعرض لها.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 115

[مسألة 8: عدم اعتبار القبول في الوصية العهدية]

اشارة

[مسألة] (8): اشتراط القبول علي القول به مختص بالتمليكية- كما عرفت- فلا يعتبر في العهدية، و يختص بما إذا كان لشخص معين أو أشخاص معينين، و امّا إذا كان للنوع أو للجهات- كالوصية للفقراء و العلماء أو للمساجد- فلا يعتبر قبولهم، أو قبول الحاكم فيها للجهات و إن احتمل ذلك أو قيل.

و دعوي أن الوصية لها، ليست من الوصية التمليكية بل هي عهدية، و إلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات، كما تري.

و قد عرفت سابقا قوة عدم اعتبار القبول مطلقا، و إنما يكون الرد مانعا و هو أيضا لا يجري في مثل المذكور فلا تبطل برد بعض الفقراء مثلا، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فرد لا تبطل (1).

______________________________

(1) تعرض (قدّس سرّه) في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأول: أن القبول علي فرض القول به إنما يشترط في الوصية التمليكيه، و امّا العهدية فلا يعتبر ذلك،

و لم يتعرض (قدّس سرّه) لمراده في الوصية التمليكية لأي من الطرفين، الموصي أم الموصي له، و امّا نحن فنتعرض لكلا الطرفين في المقام.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 116

______________________________

فأما بالنسبة إلي الوصي- مضافا إلي عدم اشتراط قبوله في الوصية- فيمكن الاستدلال علي المدعي من خلال صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: إذا أوصي الرجل إلي أخيه و هو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته؛ لأنه لو كان شاهدا فأبي أن يقبلها طلب غيره «1».

فيستفاد من خلال هذا النص أمران:

الأول: عدم اشتراط صحة الوصية بقبول الوصي، و من هنا تعرض الإمام (عليه السّلام) لقضية الرد، بقوله: (فليس له أن يرد وصيته).

الثاني: أنه ليس له حق فيما إذا لم يبلغ الموصي ذلك، و لذا قال (عليه السّلام): و لو كان غائبا (ليس له حق الرد)، فعلي هذا يتحتم

عليه أن يعمل بالوصية.

و توضيح ذلك: أنه ليس كل رد قابلا لأن يقبل، إلا الرد البالغ إلي الموصي، لا مطلق الرد، و يستفاد هذا بوضوح من خلال كلام الامام (عليه السّلام)، في التعليل الوارد في النص، بقوله: (لأنه لو كان شاهدا فأبي أن يقبلها طلب غيره).

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 320- ب 23 من ابواب الوصايا- ح 3.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 117

______________________________

و معني ذلك إذا كان ردّه قد وصل إلي الموصي لا مطلق الرد، و امّا في غيره فلا يكون شرطا و لا يمكنه الرد.

و ينبغي لنا في المقام أن نشير الي نكتتين:

الأولي: أن الوصية العهدية لا يشترط فيها القبول، و يجب علي الموصي له تنفيذها، إلا في صورة الرد، و هذا مشروط بعدم عروض عنوان ثانوي رافع للتكليف، كالحرج علي ما هو المسلم عنده و عندنا، أو الضرر علي ما هو المشهور في مسلك القوم.

الثانية: لا إشكال في عدم نفوذ الوصية علي الإطلاق.

مثال ذلك: أن يقول الموصي إلي الموصي له زوّج ابنتي من ابنك بعد موتي.

ففي هذه الحالة لا إشكال و لا ريب في عدم نفوذ هذه الوصية و أضرابها؛ و ذلك لكونه تصرفا في سلطان الغير، و التصرف في سلطان الغير غير جائز.

هذا كله ما يرجع الي تقريب الاستدلال بالرواية الآنفة الذكر، و يمكننا أيضا الاستدلال بتقريب آخر، و هو: مقتضي إطلاق أدلة نفوذ الوصية كتابا و سنة نفوذها و صحتها علي نحو الإطلاق، من دون شرط أو

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 118

______________________________

قيد أو خصوصية في مورد من الموارد، و حيث قد وجد دليل خاص كالإجماع، أو الشهرة، او الضرورة، نخرج من دائرة الإطلاق بمقدار ضيق، و هو

بما دل عليه الدليل، و امّا الزائد فيبقي تحت نطاق الإطلاق.

فعلي ضوء ما أوضحناه يكون الأمر بالنسبة إلي قبول الوصي لا دليل عليه، فتكون الوصية علي هذا نافذة، و إنما يرد الكلام حول الرد بكونه مؤثرا أو غير مؤثر، هذا بحسب الدليل المخصص، و إلا علي ضوء الصناعة فالإطلاقات المنعقدة في الكتاب و السنة محكمة، و هي المرجع الاساسي في هذا المقام و غيره، هذا كله بالنسبة إلي الوصي.

و امّا بالنسبة إلي الموصي له فهل يكون قبوله شرطا أم لا؟

الإجابة عن هذا التساؤل قد اتضحت من خلال البيان المتقدم، و الكلام هو الكلام؛ و ذلك فإن مقتضي الإطلاق عدم الاشتراط، غاية ما في الباب قد وجدت خصوصية في البين، و هي أن الأمر الراجع الي الغير يقع علي نحوين: فتارة يكون تنفيذ الأمر في الخارج غير متوقف علي إعمال قدرته و إرادته، حتي في حالة عدم رضاه فإنه يجري و لا إشكال في ذلك، و إليك مثالا يتضح من خلاله المطلوب، إذا أوصي زيد إلي عمرو بأن يؤدي ما عليه من الديون بعد موته لفلان، و فلان المذكور لم

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 119

______________________________

يرض بأداء الدين، ففي هذه الحالة لا أثر لرضاه و عدمه، بل لا بد من تنفيذ الوصية، و يجب علي المتصدي لهذا أن يؤدي الدين المذكور في الوصية؛ و ذلك بمقتضي إنفاذ الوصية.

و أخري لا يتحقق نفوذ مورد الوصية في الخارج إلا بتوقفه علي اعمال قدرته، كما إذا أوصي بإعطاء الشي ء الفلاني هبة إلي زيد فبطبيعة الحال يتوقف ذلك علي إرادته؛ حيث ان عقد الهبة قوامه الايجاب و القبول، و لا يمكن تحقق العقد بلا قبول هذا من ناحية.

و

من ناحية أخري ليس لأحد حق التصرف في نفس الغير، فعلي هذا لازمه أن يتحقق القبول منه و إلّا فلا.

فإذا اتضح ذلك نقول: إذا كان مورد الوصية عينا من الأعيان (كالدار)- علي سبيل المثال، فيما إذا قال بع هذه الدار من زيد بمقدار من المال، كألف دينار، و بعنوان الهبة، أو المصالحة، إلي غير ذلك-، ففي هذه الصورة إذا لم يقبل فالكلام هو الكلام بعدم نفوذ الوصية، و علي هذا تنتقل العين إلي الوارث، و ذلك أن كل ما تركه الميت فهو لوارثه، إلا في مورد الوصية بمقدار، و في الدين كذلك.

و ربما يقال: بعدم انتقالها إلي الوارث، كما تفضل بذلك سيدنا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 120

______________________________

الاستاذ (رحمه اللّه).

و إليك ملخص كلامه (قدّس سرّه)، حيث انه فرق بين الوصية التمليكية و العهدية، ففي الأولي عند فرض عدم قبول الموصي له حيث ان الميت أخرج هذه العين عن ملكه و رفضها و جعلها ملكا للغير، و المفروض أيضا عدم قبول الغير لهذه العين فعلي هذا تنتقل إلي الوارث، لما تعلم أن ما تركه الميت فهو لوارثه، و هذا مما تركه الميت، فتصبح النتيجة: ان هذه العين للوارث.

و امّا في الوصية العهدية فالأمر ليس كذلك، بل الميت قد جعل هذه العين في ملكه و ابقاها علي ملكه، كما إذا أوصي بشي ء لفلان و فلان لم يقبل، ففي هذه الحالة يصرف في وجوه البر مع تحرّي الأقرب فالاقرب، و امّا الإرث فلا مجال لانتقاله في دائرته.

هذا ملخص ما أفاده (قدّس سرّه) كما في تقريره الشريف «1».

و يرد عليه:

أولا النقض:

______________________________

(1) انظر مباني العروة: 2/ 407.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 121

______________________________

إذ لو تنازلنا و

سلمنا بما أفاده (رحمه اللّه)، فما هو الفرق بين الوصية التمليكية و العهدية، فإذا فرضنا أنه يلزم علي الوصي مرعاة نظره و لم يتفوه بشي ء فعلي هذا لا فرق بين كلتا الوصيتين، و يتضح ذلك من خلال هذا المثال، و هو: إذا قال ملكت هذه العين لزيد و زيد لم يقبل و كان مصرحا بنحو الترتب فإن لم يقبله فلعمرو و إن لم يقبله فلبكر و هكذا …،

فهل يوجد إشكال في البين؟

الظاهر أنه لا إشكال في ذلك، فعلي هذا لا فرق في التصريح و عدمه، و لا في التمليكية و العهدية، هذا كله من حيث النقض.

ثانيا الحل:

لا يمكن التسليم بالحكم علي نحو الإطلاق، بل لا بد من التفصيل، بأن يقال: تارة يكون المقام بحسب المتفاهم العرفي يفهم ذلك من مراد المتكلم بوضوح، و بعبارة أجلي يكون المقدر كالموجود، كما هو الأمر في الشروط الارتكازية ضمن العقود، و عليه يرتبون الآثار في سوق العقلاء و المحاورات العرفية الدارجة بين أهل اللسان، و أخري لا يكون الأمر كذلك.

فأمّا علي الأول فالقول بالترتب و تحري الأقرب فالأقرب علي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 122

______________________________

القاعدة؛ و ذلك لوجوب العمل بالوصية.

و امّا علي الثاني فلا بد من الالتزام بالانتقال إلي الوارث.

الفرع الثاني: أن القبول في الوصية التمليكية- علي القول به- مختص فيما إذا كان الموصي له فردا من الأفراد،
اشارة

و امّا إذا كان جهة من الجهات كجهة المسجدية و أمثالها، أو كليّا، ككلي الفقراء أو العلماء فلا يعتبر فيها القبول.

و توضيح المطلب: يتضح من خلال تقريبين:
التقريب الأول: أن وجه عدم اشتراط القبول فيها، أن هذه الوصية ليست وصية تمليكية، بل عهدية؛
اشارة

و ذلك أنه لا يمكن جعل الوصية التمليكية للكلي أو الجهة؛ لأن الجهة أو الكلي لا يكون قابلا للتملك، و حصول الملكية.

مناقشة التقريب الأول

و هذا التقريب ليس تحته شي ء؛ إذ من الظاهر الواضح أن الملكية من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 123

______________________________

الأمور الاعتبارية، و الاعتبار خفيف المئونة، و لا تناسب بين الاعتباريات و الواقعيات، كالأعراض، و الجواهر، فأمّا الأعراض الخارجية فلا يمكن وجودها بلا موضوع.

و امّا بالنسبة إلي الأمور الاعتبارية فقوام الاعتبار بنفس الاعتبار، و إن كان الاعتبار بحد ذاته من الأمور الواقعية، و لكن متعلق الاعتبار أمر اعتباري، كالتصور و أمثاله، فإذا اتضح ذلك، تبين لك أن التقريب المزبور في مقام الثبوت غير سديد، و في مقام الإثبات نظائره كثيرة، كما هو المعروف في الخارج، كأن يقول: هذا الفرش وقف لهذا المسجد، و هذه القناديل وقف لهذه الحسينية، و هكذا … و معني ذلك أن هذه الأشياء الموقوفة أصبحت ملكا لهذا المسجد أو الحسينية، و كذلك الحكم بالنسبة إلي الخمس و الزكاة، كما تقدم منا في بحث الخمس، حيث قلنا أن الخمس ملك لكلّيّ السيد، فتحصل: أن الإشكال المذكور في التقريب لا يرجع إلي محصّل صحيح.

التقريب الثاني: لا يخلو الأمر من ثلاث حالات:
اشارة

أ- أن يكون القابل هو الفرد، و هذا غير تام؛ إذ الفرد لا يكون موصي له حتي يقبل أو لا يقبل.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 124

______________________________

ب- أن يكون القابل الكلي، و هذا أيضا كسابقه؛ حيث لا يتحقق القبول منه.

ج- أن يكون القابل الحاكم الشرعي، و الحكم أيضا كسابقه؛ حيث لا دليل عليه فعلي ذلك لا قبول في البين.

مناقشة التقريب الثاني

و هذا التقريب أيضا كسابقه في جهة الضعف، بل متداع من جميع أطرافه و مقتلع من جميع جذوره؛ و ذلك أننا إذا قلنا: أن القبول شرط في الوصية التمليكية، و كذلك قلنا: بأن الكلي أو الجهة قابل للتمليك، فلا إشكال بوصول النوبة إلي الحاكم الشرعي؛ إذ هذه الامور من الامور الحسبية، و هي موكولة في التصرف إلي الحاكم الشرعي، و دعوي عدم وجود الدليل في التقريب مدفوعة، بل الدليل موجود بلا شك و لا ريب.

و بعد إبطال هذين التقربين نعرض لك بيانا آخر، من خلاله يتم المطلوب، و هو أن مقتضي القاعدة الأولية مما يستفاد من خلال الإطلاقات عدم اعتبار القبول علي نحو الإطلاق، و حيث انه دل دليل في

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 125

______________________________

المقام علي اعتبار القبول في مورد من الموارد،- و هو فيما إذا كان الموصي له شخص أو أشخاص لا بد من القبول،- و حيث ان الدليل القائم في المقام هو الإجماع فلا بد من الاقتصار عليه بالقدر المتيقن، و القدر المتيقن منه هو الشخص أو الأشخاص، فعلي هذا يبقي الكلي و الجهة مندرجين تحت الإطلاق، فعليه لا قبول في البين، لا أن الكلي غير قابل للملكية، و لا لأنه لا دليل علي أن الحاكم قابل، بل الدليل

المخصص هو الاجماع، و حيث انه قام علي حصة، تبقي باقي الحصص تحت دائرة الاطلاق، و بهذا البيان لا يبقي إشكال في البين.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 126

[مسألة 9: عدم اعتبار لفظ خاص في الوصية]

اشارة

[مسألة] (9): الأقوي في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ، و لا يعتبر فيه لفظ خاص، بل يكفي كل فعل دال عليها، حتي الإشارة و الكتابة- و لو في حال الاختيار- إذا كانت صريحة في الدلالة، بل أو ظاهرة فإن ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال.

فما يظهر من جماعة اختصاص كفاية الإشارة و الكتابة بحال الضرورة، لا وجه له، بل يكفي وجود مكتوب منه بخطه و مهره إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان الوصية، و يمكن أن يستدل عليه بقول (ع):

(لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا و وصيته تحت رأسه) «1» بل يدل عليه ما رواه الصدوق عن ابراهيم بن محمد الهمداني قال: (كتبت إليه: كتب رجل كتابا بخطه، و لم يقل لورثته هذه وصيتي، و لم يقل إني قد أوصيت، إلا أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب علي ورثته القيام بما في الكتاب، بخطه و لم يأمرهم بذلك؟ فكتب: إن كان له ولد ينفذون كل شي ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر و غيره (1).

______________________________

(1) انطوت هذه المسألة علي جهات من البحث:

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 258/ ب 1 من ابواب الوصايا/ ح 5.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 127

الجهة الاولي: عدم اشتراط إنشاء لفظ خاص في تحقق الوصية.

______________________________

و هذا لا إشكال فيه و لا شبهة تعتريه؛ و ذلك بمقتضي الإطلاق المنعقد في أدلة نفوذ الوصية بكفاية كل مبرز، فلا يختص نفوذ الوصية و صحتها بلفظ خاص.

الجهة الثانيه: كفاية كل فعل دالّ علي الوصية في تحققها.

و هذا أيضا لا ريب فيه، فإذا فرضنا أنه صدر منه فعل و كان دالا علي مراده و مقصوده- أعم من كونه بنحو الإشارة أو الكتابة إلي غير ذلك … -

فلا اشكال في اعتباره و ترتيب الأثر عليه، و لا فرق في الصحة بين كونه مختارا أو مضطرا، فما عن جماعة من الاصحاب بتخصيص الصحة في صورة المضطر لا وجه له؛ و ذلك أن الإطلاق الرافع لجميع القيود محكّم في حالة عدم قيام دليل يقيّده، و في المقام المحكّم هو الإطلاق، و حيث انه لم يقم دليل يقيده، نتمسك به و علي ضوئه لا فرق بين المضطر و المختار.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 128

الجهة الثالثة: ظاهر الأفعال حجة كظاهر الألفاظ.

______________________________

لا يمكننا في هذه الجهة أن نوافق المصنف (قدّس سرّه) علي نحو الإطلاق، و لكن في الجملة لا إشكال في ذلك؛ إذ لا يقال: أن كل فعل ظاهر في شي ء من الاشياء يكون ظهوره حجة، و عليه يترتب الأثر علي نحو الإطلاق، فهذا ما يأباه العرف و سوق العقلاء، و لكن في بعض الاحيان يمكن ذلك.

الجهة الرابعة: يكفي وجود مكتوب منه يدل علي وصيته إذا كان بخطه و مهره.

و هذا أيضا لا إشكال فيه و لا مجال لما ذكره الماتن (قدّس سرّه) بقوله: (إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان الوصية).

الجهة الخامسة: استعراض ما ذكر من النصوص في المقام.

و هي كما يلي:

1- ما رواه الهمداني:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 129

______________________________

قال: كتبت إلي أبي الحسن (عليه السّلام): رجل كتب كتابا بخطّه و لم يقل لورثته: هذه وصيتي، و لم يقل: إنّي قد أوصيت إلّا أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب علي ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه و لم يأمرهم بذلك؟

فكتب (عليه السّلام): إن كان له ولد ينفذون كل شي ء يجدونه في كتاب أبيهم في وجه البر و غيره «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بالهمداني

2- ما رواه سدير.

(عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: دخلت علي محمد بن علي بن الحنفيه و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة فلم يجب، قال: فأمرت بطشت فجعل فيه الرمل فوضع فقلت له: خطّ بيدك، فخطّ وصيته بيده في الرمل و نسخت أنا في صحيفة» «2».

و هذه أيضا ضعيفة بسدير فإنه لم يوثق.

3- ما رواه ابن طاوس.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 372، ب 48 من ابواب الوصايا/ ح 2.

(2) نفس المصدر: ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 130

______________________________

قال: و قال (عليه السّلام): ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلّا و وصيته تحت رأسه «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بالإرسال، فتحصل: أن الروايات التي يمكن أن يستدل بها علي المدعي كلها ضعيفة من حيث السند، فعلي هذا لا يمكننا التعويل عليها. و علي أي حال فالأمر ظاهر واضح، و لا يحتاج إلي إثباته بهذه الروايات.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 258/ ب 1 من ابواب الوصايا/

ح 7.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 133

[مسألة 10: في شرائط الموصي]

[الأول البلوغ]
اشارة

[مسألة] (10): يشترط في الموصي أمور:

الأول: البلوغ (1) فلا تصح وصية غير البالغ، نعم الأقوي- وفاقا للمشهور- صحة وصية البالغ عشرا، إذا كان عاقلا، في وجوه المعروف، للأرحام أو غيرهم؛ لجملة من الأخبار المعتبرة، خلافا لابن إدريس و تبعه جماعة.

______________________________

(1) العمدة في مقام الاستدلال علي المدعي هي النصوص الواردة في البحث، فإليك عرضها ثم نري ما يمكن أن يستفاد منها، و هي كما يلي:

1- ما رواه الساباطي.

عن عمار الساباطي، «عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة؟

فقال: إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، و جري عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتي لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 134

______________________________

و جري عليها القلم» «1».

إن هذا النص قد تضمن مفهوم الشرط، و بمقتضاه إذا لم يكن بالغا فلا يجري عليه القلم، و من الظاهر الواضح أن الإطلاق يشمل قلم التكليف و الوضع معا، فعلي هذا لا مجال لدخول غير البالغ ضمن هذه الدائرة، و لذا نلاحظ في المجتمع- أي العرف- عدم ترتيب الأثر علي فعل غير البالغ، بل يعتبرونه كالعدم.

إذا: لو كنا نحن و هذه الرواية فلا مجال لأن نرتب الأثر علي وصية غير البالغ؛ و ذلك لأن معني نفوذ الوصية هو فيما إذا أوصي و قد أمضي الشارع الأقدس وصيته، و عند الإمضاء يجري عليه القلم، و الحال إذا لم يكن بالغا فلا إمضاء في البين، فعلي هذا لا وجه لجريان القلم عليه.

2- ما رواه محمد بن مسلم

عن

محمد بن مسلم، «عن ابي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: عمد الصبي و خطاه واحد» «2».

فمن خلال هذه الرواية نعلم أن عمد الصبي و خطأه واحد، و لا فرق

______________________________

(1) الوسائل: 1/ 45، ب 4 من أبواب مقدمة العبادات، ح 12.

(2) الوسائل: 29/ 400، ب 11 من ابواب العاقلة، ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 135

______________________________

في ذلك سواء كان متعمدا أو غير متعمد، و لا وجه لحملها علي قضية الدية؛ و ذلك لا تنافي بين المثبتين، فعلي ضوء إطلاقها نلتزم في كل مورد لم يقم دليل بالخصوص بكون عمد الصبي كخطئه، و في ضوء ذلك إذا أوصي لا يترتب علي وصيته أي أثر، و حيث انه يوجد نص بالخصوص نخرج من هذه الدائرة إلي دائرة أخري، تتضمن نفوذ وصية الصبي في الأرحام دون غيرهم، و هو ما رواه محمد بن مسلم.

3- ما رواه محمد بن مسلم.

عن محمد بن مسلم «قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول: إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصي و لم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء» «1».

فعلي ضوء هذه الرواية نستفيد أن الغلام إذا حضره الموت فأوصي و لم يكن بالغا جازت وصيته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء، و بمقتضي المفهوم إذا لم يكن الأمر كذلك فلا مجال لنفوذها، مضافا إلي الإطلاق المحكم في المقام.

4- ما رواه ابو بصير.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 360، ب 44 من ابواب الوصايا، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 136

______________________________

عن أبي بصير- يعني المرادي- «عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنه قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصي بثلث ماله في حق جازت وصيته، و إذا

كان ابن سبع سنين فأوصي من ماله باليسير في حق جازت وصيته» «1».

فلعله قد يتوهم المتوهم بمعارضه هذه الرواية مع الرواية الآنفة الذكر «2»، و الحال ان الامر ليس كذلك، بل الرواية الأولي شرطية و كذلك الثانية، و كما تعلم في الاصول أنه إذا وردت شرطيتان قد علّق الحكم في كل واحدة منهما علي شرط من الشروط تكون النتيجة حينئذ تخصيص و تقييد كل منهما بمفهوم الأخري، و المثال المعروف في ضوء الروايات هو (إذا خفي الاذان فقصر) فمفهومه إذا لم يخف الاذان فلا تقصر، و في رواية اخري (اذا خفت الجدران فقصر) فمفهومه اذا لم تخف الجدران فلا تقصر، فعلي هذا لا بد من تخصيص أو تقيد مفهوم كل من الشرطيتين بمنطوق الآخر، فتصبح النتيجة هكذا (إذا خفي الأذان أو الجدران فقصر) فهذا هو الميزان الكلي عند ورود الشرطيتين.

فإذا اتضح ما بيناه، فالمقام أيضا كذلك، و علي هذا الأساس يكون

______________________________

(1) نفس المصدر: ح 2.

(2) و هي رواية محمد بن مسلم.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 137

______________________________

مقتضي الرواية الاولي الالتزام بنفوذ وصيته فيما إذا حضره الموت و أوصي لأقرباءه، فتنفذ الوصية في الأقرباء دون غيرهم، و مقتضي الرواية الثانية مفهوما إذا لم يبلغ الغلام عشر سنين فلا تنفذ وصيته، فعلي هذا يحصل عندنا مفهومان و منطوقان فنقيد كل من المفهومين بمنطوق الآخر، فتضبح الحصيلة هكذا: (إذا كان سنه عشر سنين و كان عاقلا و أوصي تكون وصيته نافذة).

فعلي هذا ما أفاده الماتن في كمال الصحة.

بقي شي ء

و هو قد صرح الإمام (عليه السّلام) في ذيل رواية أبي بصير بنفوذ وصية الصبي البالغ من العمر سبع سنين فيما إذا أوصي من ماله باليسير في حق،

فهل يمكن الالتزام به أو لا؟

الجواب: إذا لم يقم إجماع أو تسالم و لم يكن خلاف الضرورة الفقهية فلا مانع من الالتزام به، و يؤيد المدعي «1» عدة من الروايات:

1- ما رواه ابو عبد اللّه البصري.

______________________________

(1) اي يستفاد من خلال النصوص المؤيدة نفوذ وصية غير البالغ في المال اليسير.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 138

______________________________

«عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)- في حديث- قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته» «1».

2- ما رواه زرارة.

عن زرارة، «عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إذا أتي علي الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصي علي حد معروف و حق فهو جائز» «2».

3- ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه.

«عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: إذا بلغ الصبي خمسة أشبار اكلت ذبيحته، و إذا بلغ عشر سنين جازت وصيته» «3».

4- ما رواه ابو بصير و ابو ايوب.

«عن ابي عبد اللّه (عليه السّلام) في الغلام ابن عشر سنين يوصي، قال: إذا أصاب موضع الوصيّة جازت» «4».

______________________________

(1) نفس المصدر: ح 2.

(2) نفس المصدر: ح 4.

(3) نفس المصدر: ح 5.

(4) نفس المصدر: ح 6.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 139

______________________________

5- ما رواه منصور بن حازم.

«عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سألته عن وصيّة الغلام هل تجوز؟

قال: إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته» «1».

6- ما رواه ابن سنان.

عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول اللّه عزّ و جل: حَتّٰي إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ «2».

قال: الاحتلام.

قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها.

فقال: لا، إذا أتت عليه ثلاث عشرة

سنة كتبت له الحسنات و كتب عليه السيئات، و جاز أمره الخ … » «3».

فتحصل من خلال الحديث الاول و الثاني «4» و تأييد الباقي: أن الصبي إذا بلغ عشر سنين جاز وصيته.

______________________________

(1) نفس المصدر: ح 7.

(2) الأحقاف: 46/ 15.

(3) نفس المصدر: ح 8.

(4) المراد من الاول و الثاني هما: حديث محمد بن مسلم، و ابو بصير.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 140

[الثاني: العقل]
اشارة

الثاني: العقل، فلا تصح وصية المجنون (1).

ما يمكن أن يقال: أو قيل: في مقام الاستدلال علي اشتراط العقل في نفوذ الوصية و صحتها أمور:
1- الاجماع:

______________________________

(1) و الإشكال فيه ظاهر واضح؛ إذ المنقول لا حجية له و المحصل غير حاصل.

2- النص الخاص:

و هو ما رواه ابن ظبيان «قال: أتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي (عليه السلام): أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتي يحتلم، و عن المجنون حتي يفيق، و عن النائم حتي يستيقظ؟!» «1».

فمن خلال هذا النص لا إشكال في دلالته علي المدعي، و انما الإشكال من حيث السند؛ فإنه مخدوش بجملة من الرواة «2» فتحصل أن

______________________________

(1) الوسائل: 1/ 45، ب 4 من أبواب مقدمة العبادات، ح 11.

(2) السكوني، و إبراهيم بن أبي معاوية، و كذلك والده، و الأعمش أيضا؛ إذ المراد منه في السند

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 141

نعم تصح وصية الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته (1) و كذا لا تصح وصية السكران حال سكره (2).

______________________________

هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها.

3- أن المجنون ليس له قصد:

و هذا الوجه كسابقه في الضعف؛ و ذلك أن المجنون ليس مسلوب القصد، بل القصد حاصل عنده، و لذا تراه يهرب إلي ملجإ يأويه عند ملاحقة الضارب له، و كذلك يسعي للأكل و الشرب في حالة الجوع و العطش، الي غير ذلك من الأمور … إذا: ما أدّعي في هذا الوجه غير صحيح و مع التنزل ليس علي نحو الإطلاق.

4- التسالم علي عدم نفوذ وصية المجنون.

و هذا هو الوجه السليم الذي يمكن من خلاله الالتزام بعدم نفوذ وصية المجنون، فعليه نلتزم بالشرط المزبور.

[صحة وصية الأدواري لا السكران]

(1) لوجود المقتضي و فقدان المانع.

(2) تارة يكون السكر موجبا لزوال القصد منه، بحيث يسلب منه ذلك في عباراته و كلامه، فيتكلم بلا قصد و لا شعور، فعلي هذا لا تصح

______________________________

هو سليمان بن مهران، و إن ورد في حقه مدح و لكن لم يوثق، و كذلك يونس بن ظبيان.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 142

و لا يعتبر استمرار العقل فلو أوصي ثم جن لم تبطل (1) كما أنه لو اغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيته، فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية.

______________________________

وصيته، و أخري يوصله السكر الي الجنون- و العياذ باللّه- فالأمر أوضح من أن يخفي؛ و ذلك لاندراجه تحت عنوان المجنون، و لا فرق في ذلك سواء كان سبب الجنون السكر أو غيره.

و ثالثة: أنه لا يصل الي حد بحيث يكون مسلوب الإرادة، ففي هذه الصورة لا وجه للجزم بالحكم.

(1) إذا كانت الوصية عقد من العقود، و فرضنا أن الوصي قد أوصي ثم طرأ عليه الجنون فأصبح مجنونا قبل قبول الموصي له، ففي هذه الحالة تكون الوصية باطلة؛ و ذلك أن العقد قوامه بالإيجاب و القبول، هذا من ناحية، و من ناحية اخري أن الموجب إذا سقط عن قابلية لحوق قبول القابل بإيجابه فلا مجال إذا لصحة الوصية، و نظير ذلك في البيع، فلو باع زيد داره من عمرو و قبل قبول المشتري- و هو عمرو- جنّ البائع ففي هذه الصورة لا إشكال في بطلان العقد؛ إذ المفروض أن العقد مركب من الإيجاب و القبول، و يلزم في تحقق القبول بقاء الإيجاب علي

نحو

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 143

[الثالث: الاختيار]
اشارة

الثالث: الاختيار (1)

______________________________

يكون قابلا للحوق القبول به.

و امّا إذا كانت الوصية إيقاعا من الإيقاعات- كما هو كذلك علي مسلكنا- فلا نري مانعا من صحة الوصية، و عدم اختلالها بالجنون اللاحق؛ و ذلك بمقتضي الإطلاق، فالحاصل: أن ما أفاده الماتن (قدّس سرّه) هو الصحيح و كذلك عين الكلام يجري في الإغماء و السكر.

الاختيار

(1) يقع الكلام في الاختيار من خلال مقامين:

المقام الأول- علي نطاق القاعدة الأولية.

المقام الثاني- علي نطاق القاعدة الثانوية.

[المقام الأول- علي نطاق القاعدة الأولية.]

فأمّا علي ضوء القاعدة الأولية فلا إشكال في الصحة حتي مع الإكراه؛ إذ الإكراه لا يوجب عدم الإنشاء.

[المقام الثاني- علي نطاق القاعدة الثانوية.]

و امّا علي ضوء القاعدة الثانوية فالحكم بالبطلان ظاهر واضح؛ و ذلك من خلال النصوص الواردة في المقام و هي كما يلي:

1- ما رواه ربعي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): عفي عن أمتي ثلاث: الخطأ، و النسيان، و الاستكراه.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 144

______________________________

قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): و هنا رابعة، و هي ما لا يطيقون «1».

2- ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه و آله): وضع عن امتي الخطأ، و النسيان، و ما استكرهوا عليه «2».

3- ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال:

سألته في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟

فقال: لا، قال: قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم): وضع عن أمتي ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا، و ما أخطئوا «3».

فيستفاد من خلال هذه النصوص أنه كلّ ما صدر من المكره لا يترتب عليه الأثر، بلا فرق بين الآثار التكليفية و الآثار الوضعية، و لذا لو فرضنا أن شخصا من الأشخاص أكره شخصا آخر علي شرب الخمر- و العياذ باللّه- فهل يكون حراما بالنسبة إلي المكره أو لا؟ بلا إشكال لا يكون حراما؛ و ذلك لأنه مكره، و كذلك في ما إذا صدر من المكره نكاح، أو بيع، أو

______________________________

(1) الوسائل: 23/ 237- ب 16 من ابواب الإيمان، ح 4.

(2) نفس

المصدر: ح 5.

(3) الوسائل: 23/ 226- ب 12 من ابواب الأيمان، ح 12.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 145

______________________________

عتق، أو إبراء، أو وصية، الي غير ذلك … فلا مجال حينئذ للقول بترتب الأثر عليه؛ إذ مقتضي الإطلاق عدم الفرق بين الآثار.

و امّا ما ذكر في المقام من كون الأثر المرفوع عبارة عن خصوص المؤاخذة فلا يمكن التسليم به، و يلاحظ عليه:

أولا: إن مقتضي الإطلاق رفع القيود، فعلي هذا لا وجه لتخصيص الحكم بخصوص فرد دون آخر.

ثانيا: أن الشارع الأقدس حيث انه المقنن للأحكام الشرعية، و له كمال الصلاحية في التصرف، فقد تصرف في وعاء الشرع في المقام، و جعل هذا الحكم حاكما علي أدلة الأحكام، فعلي هذا أن هذه الروايات توجب تخصيصا و تقييدا في جميع الأحكام، أعم من كونها وضعية أو تكليفية، أضف الي ذلك كله أن المؤاخذة تختص في عالم الآخرة، و الأحاديث الواردة ليست ناظرة إلي ذلك.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 146

[الرابع: الرشد]

الرابع: الرشد، فلا تصح وصية (1) السفيه و إن كانت بالمعروف سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده، و امّا المفلس فلا مانع من وصيته و إن كانت بعد حجر الحاكم.

الرشد

______________________________

(1) لرواية أبي الحسين الخادم.

عن أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ، «عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال:

سأله أبي- و أنا حاضر- عن اليتيم متي يجوز أمره؟

قال: حتي يبلغ أشدّه.

قال: و ما أشدّه؟

قال: احتلامه.

قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر و لم يحتلم.

قال: إذا بلغ و كتب عليه الشي ء جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» «1».

فمن خلال هذه الرواية نستفيد أن السفيه أمره غير جائز، و إذا صدر

______________________________

(1)

الوسائل: 18/ 412، ب 2 من ابواب الحجر، ح 5.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 147

______________________________

منه فلا اعتبار به، و لكن للمناقشة في سندها مجال؛ و ذلك أن أبا الحسين بياع اللؤلؤ مشترك بين الموثق و غيره، و حيث لا يمكننا تمييز الموثق عن غيره فعليه يرد الاحتمال، و هو يمكن أن يكون الراوي غير الموثق، و بناء عليه تسقط الرواية عن الاعتبار، و إن استبعد سيدنا الاستاذ (قدّس سرّه) ذلك.

فعلي هذا نبني المسألة علي الاحتياط.

و امّا ما ذكر في المقام من أن تصرفه في ماله بعنوان الوصية لا يمكن رفعه بالنص-؛ و ذلك لأن حجره أمر امتناني، و حيث لا امتنان في المقام فعليه لا يمكن ذلك- فغير صحيح؛ إذ لا يوجد دليل علي كون الحكم امتنانيا، و لو سلّمنا ذلك فالحكم من أجلي مصاديق الامتنان؛ و ذلك أن السفيه لا يحجزه حاجز عن تصرفاته في أي مورد من الموارد، سواء كانت محللة أم محرمة، و البيئة التي يعيش فيها بيئة ملوثة من جميع أطرافها، فعلي هذا يتأثر من المجتمع الفاسد الذي يحيط به، فيتصرف في ماله بلا قيود و لا حساب، و لأجل ذلك كله منعه الشارع الأقدس و حجر علي ماله، و هذا يعتبر امتنان منه لحفظ أموال هذا السفيه، و إليك مثالا يتضح من خلاله المراد، و هو: إذا فرضنا أن الوالد يري ولده غير رشيد، و علي هذا يمنعه عن المعاملة مع الغير، و الهدف من ذلك حفظ أمواله حتي لا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 148

لعدم الضرر بها علي الغرماء (1) لتقدم الدين علي الوصية.

الخامس: الحرية (2).

______________________________

يكون مغبونا، فلا إشكال في كون منعه امتنانيا بالنسبة

إلي ولده.

فالحاصل: أن الإشكال المذكور غير وارد، و إنما الإشكال في الحكم من حيث السند لا غير.

(1) و ذلك لعدم التزاحم بين حق الدين، و الغرماء، و الوصية؛ إذا انها حصلت بعد الدين، فعليه المقتضي موجود و المانع مفقود.

[الخامس: الحرية]
اشارة

(2) الحرية- لا بد من التفصيل في المقام؛ إذ تارة نقول: من لم يكن حرا لا يملك شيئا، و أخري نقول: بأن العبد يملك، غاية ما في الباب قد أطّر اختياره باطار خاص، و ضمن دائرة محدودة، فإذا قلنا: بالمقالة الاولي- أي أن العبد لا يملك شيئا- فما أفاده الماتن (قدّس سرّه) من بطلان وصيته هو الصحيح، و هو أعم من أن تلحقه إجازة المولي أم لا؛ و ذلك أن الوصية عبارة عن التمليك بعد الموت، هذا من ناحية، و من ناحية أخري أن العبد لا مال له، فعليه لا مجال لصحة الوصية؛ إذ الوصية تمليك المال من قبل

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 149

______________________________

الموصي إلي الموصي له بعد موته، و في المقام لا مال عند العبد حتي تصل النوبة إلي الإجازة، إذا: لا أثر لهذه الوصية من أساسها.

و امّا إذا قلنا: بالمقالة الثانية- أي أن العبد له أن يملك- فيا هل تري هل تصح وصيته علي الإطلاق، أم تحتاج في مجال النفوذ إلي إجازة المولي؟

الظاهر لا تنفذ وصيته إلا بإجازة مولاه؛ و ذلك من خلال الأدلة و هي كما يلي:

1- الآية الكريمة ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَليٰ شَيْ ءٍ … الآية «1».

فيتضح من خلال الآية الشريفة ان العبد المملوك لا يقدر علي شي ء، و المراد منه علي نحو الإطلاق هي القدرة في وعاء الشرع، أي لا يجوز له التصرف، فعلي هذا

ان الوصية شي ء من الأشياء فإذا كان الأمر كذلك فلا مجال لنفوذ وصيته.

و بتعبير آخر أن العبد لا يقدر علي شي ء، و الوصية شي ء، فتصبح النتيجة أن العبد لا يقدر علي الوصية.

______________________________

(1) النحل: 75.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 150

______________________________

2- النصوص:

و يمكننا أن نستدل علي المدعي بروايتين:

الاولي: رواية محمد بن قيس.

«عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: في المملوك ما دام عبدا فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير، و لا كثير عطاء، و لا وصية، إلا أن يشاء سيده» «1».

الثانية: رواية عبد الرحمن بن الحجاج.

«عبد الرحمن بن الحجاج، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه قال: لا وصية لمملوك «2»».

فاتضح من خلال الكتاب و السنة الشريفة أن وصية العبد لا أثر لها، و إن كان في نقاش سند هاتين الروايتين مجال، و لكن يكفي لإثبات المدعي الآية الشريفة، هذا في حالة عدم إجازة مولاه، و امّا إذا فرضنا أنه أجاز المولي بعد ذلك فهل تصح وصيته و تكون نافذة أم لا؟

الظاهر لا إشكال في ذلك، بل لا بد من الالتزام بصحة وصيته فيما إذا

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 410، الباب 78 من ابواب الوصايا، ح 1.

(2) الوسائل: 19/ 410، الباب 78 من ابواب الوصايا، ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 151

______________________________

أجاز مولاه، و إن استشكلنا في بحث البيع عند ما مررنا ببحث الفضولي، و لكن لوجود رواية في المقام يمكننا من خلالها الالتزام بالصحة مع الإجازة في الفضولي، و علي نحو الإطلاق أيضا؛ و ذلك لورود التعليل فيها و إليك هذا النص:

و هو ما رواه «زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن

سيّده، فقال: ذاك إلي سيّده، إن شاء أجازه و إن شاء فرق بينهما.

قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عتيبه و ابراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيد له.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصي سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز «1»».

فعلي ضوء هذا النص يتضح أن كل شي فيه خلاف لحق اللّه و يتضمن خلاف حق الناس إذا حصلت الإجازة جاز؛ و ذلك بسبب التعليل الوارد في النص، و عليه لا فرق في الصحة بين النكاح و غيره، إذا: تصبح النتيجة

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 114/ الباب 24 من ابواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 152

فلا تصح وصية المملوك، بناء علي عدم ملكه، و إن أجاز مولاه، بل و كذا بناء علي ما هو الأقوي من ملكه؛ لعموم أدلة الحجر و قوله (عليه السلام): (لا وصية لمملوك)، بناء علي إرادة نفي وصيته لغيره، لا نفي الوصية له. نعم لو أجاز مولاه صح، علي البناء المذكور.

و لو أوصي بماله ثم انعتق و كان المال باقيا في يده صحت علي إشكال (1). نعم لو علقها علي الحرية (2) فالأقوي صحتها.

______________________________

صحة الوصية و نفوذها فيما إذا أجاز المولي.

(1) لا وجه للإشكال؛ إذ المفروض أنه كان حين الوصية متلبسا بالعبودية، و ما يصدر من العبد لا أثر له، و كذلك الأمر في الصبي فإنه إذا صدر منه عقد ثم بلغ لا إشكال في عدم صحته.

[بطلان الوصية بالتعليق]

(2) لا وجه لهذا التعليق؛ و ذلك إذا كان المراد من التعليق الشرط اللاحق علي نحو الشرط المتأخر فلا إشكال في بطلان وصيته؛ إذ المفروض مقارنته

بالمانع و مع وجود المانع لا يمكنه الوصية.

و امّا إذا كان المقصود من الشرط هو الشرط المقارن، بمعني أن يعلق

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 153

______________________________

الوصية علي زمان الحرية فينبثق التساؤل في المقام، و هو هل أوصي أو لا؟

فإذا لم يوص فلا مجال للبحث، و امّا إذا أوصي فأيضا يرد السؤال، و هو هل إنشاء أو لا؟ و علي فرض الإنشاء هل الإنشاء معلق أو المنشئ؟

فإذا كان المنشئ معلقا- و هو الوصية- فلا إشكال في بطلانها، و امّا إذا كان الإنشاء معلقا فلا بحث في البين؛ و ذلك لخروجه عن دائرة البحث؛ لإنه إخبار.

فتحصّل: من خلال هذا البيان بطلان الوصية علي جميع التقادير، و لا ينقضي عجبي من سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) كيف قال: إن هذا من أجلي مصاديق التعليق.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 154

و لا يضر التعليق المفروض، كما لا يضر إذا قال: هذا لزيد إن مت في سفري. و لو أوصي بدفنه في مكان خاص لا يحتاج إلي صرف مال فالاقوي الصحة (1)، و كذا ما كان من هذا القبيل.

السادس: أن لا يكون قاتل نفسه (2) بأن أوصي بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه- من جرح، أو شرب سم، أو نحو ذلك- فإنه لا تصح وصيته علي المشهور المدعي عليه الإجماع للنص الصحيح، الصريح. خلافا لابن إدريس، و تبعه بعض، و القدر المنصرف إليه الإطلاق الوصية بالمال. و امّا الوصية بما يتعلق بالتجهيز و نحوه مما لا تعلق له بالمال فالظاهر صحتها، كما أن الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمدا لا سهوا أو خطأ- و برجاء أن يموت- لا لغرض آخر- و علي وجه

العصيان- لا مثل الجهاد في سبيل الله- و بما لو مات من ذلك.

______________________________

(1) بل الأقوي عدم الصحة؛ و ذلك لأدلة الحجر، فبمقتضي إطلاقها تكون شاملة للمقام، و أيضا مقتضي الآية الشريفة المتقدمة «1» ذلك، فعلي هذا يكون محجورا و لا يقدر علي أي شي ء، و هو أعم من كون تصرفه ماليا أو غيره.

[السادس: أن لا يكون قاتل نفسه]
اشارة

(2) انطوت هذه المسألة علي عدة فروع:

______________________________

(1) (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَليٰ شَيْ ءٍ).

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 155

و امّا إذا عوفي ثم أوصي صحت وصيته بلا إشكال.

و هل تصح وصيته قبل المعافاة إشكال، و لا يلحق التنجيز بالوصية هذا و لو أوصي قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثم أحدث صحت وصيته، و إن كان حين الوصية بانيا علي أن يحدث ذلك بعدها، للصحيح المتقدم، مضافا الي العمومات.

الفرع الاول: إذا أحدث في نفسه ما يوجب قتله

______________________________

من جرح، أو شرب خمر، أو سم، أو نحو ذلك، فلا تصح وصيته.

ادعيّ التسالم و عدم الخلاف تارة، و المشهور تارة أخري، و الأمر كذلك كما في عبارة (المسالك) و (الحدائق) و (الجواهر) و (الايضاح).

و العمدة في مقام الاستدلال صحيحة أبي ولاد قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها.

قلت: أ رأيت إن كان أوصي بوصيّة ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟

قال: فقال: إن كان أوصي قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه، و إن كان أوصي بوصيّة بعد ما أحدث في

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 156

______________________________

نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته «1».

فعلي ضوء هذا النص لا بد من التفصيل علي نحوين:

النحو الأول: إذا أوصي قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو غيره ففي هذه الحالة تنفذ وصيته، و لا إشكال فيها كما يتعرض الماتن (قدّس سرّه) إلي ذلك في ذيل كلامه.

النحو الثاني: إذا صدرت الوصية بعد ما أحدث الحدث من جراحة، أو قتل، ففي هذه الصورة لا تنفذ وصيته، و لا بد من

التحفظ- كما في عبارة الماتن (رحمه اللّه)- علي جملة من القيود و هي كما يلي:

1- أن يفعل الحدث عصيانا.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، در يك جلد، المقرر - چاپخانه امير، قم - ايران، اول، 1419 ه ق مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم؛ ص: 156

و يستفاد هذا بوضوح من خلال النص، حيث قال الامام (عليه السلام):

«من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم» و من البديهي أن العقوبة الصادرة نحو الفاعل لهذه الجريمة لا شك أنها مترتبة علي العصيان، و إلا فمن الواضح إذا لم يكن الإنسان عاصيا لا يصدر الحكم من قبل المولي في حقه، و من هذا المنطلق توجه السؤال من قبل الراوي نحو الإمام (عليه السّلام).

2- أن يكون الشخص متعمدا في ارتكاب الحدث، و امّا إذا صدر

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 378- الباب 52 من ابواب الوصايا، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 157

______________________________

منه غفلة، أو خطأ، فلا مجال لشمول الحكم له؛ و ذلك قد صرح في متن النص، أضف إلي ذلك كله أن ترتب الجزاء لا يكون إلا في حالة التعمد.

3- أن يكون هدفه من ارتكاب الحدث الموت، و امّا إذا كان غرضه شيئا آخر فلا مجال لدخوله في دائرة البحث، و عليه ففي هذه الحالة تكون وصيته صحيحة؛ إذ المقتضي موجود و المانع مفقود، أضف إلي ذلك كله أنه قد صرح في الحديث الشريف حيث قال (عليه السّلام) «لعله يموت».

فتحصّل: أنه يجب التحفظ علي هذه القيود، و كلها مستفادة من صحيحة أبي ولاد المعتمدة في مقام الاستدلال.

الفرع الثاني: هل يختص عدم نفوذ الوصية بثلث المال أم يشمل باقي أقسام الوصية.

ربما يقال بتخصيص الحكم في حصة واحدة من الوصية، و هي حصة المال فقط كما

عليه الماتن (رحمه اللّه) و غيره، و إن كان الجزم به في غاية الإشكال.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 158

الفرع الثالث: إذا عوفي ثم أوصي صحت وصيته.

______________________________

إذ يستفاد ذلك بوضوح من خلال النص، حيث قال الامام (عليه السلام): «لعله يموت» فعلي ذلك إذا فرضنا أنه عوفي و لم يمت فلا وجه إذا للقول بعدم نفوذ الوصية؛ إذ المقتضي موجود و المانع مفقود، و بعبارة أوضح أن المستفاد من النص: إذا كانت الوصية مقارنة مع احتمال الموت لم تكن نافذة.

الفرع الرابع: هل تصح وصيته قبل المعافاة أم لا؟

الظاهر الثاني؛ إذ المستفاد من النص أن المقارنة بين إيجاد السبب و الوصية، هو المنع من نفوذها، فعلي هذا إذا فرضنا أن فعله- أي وصيته- قارن الحدث ثم بعد ذلك عوفي فبمقتضي الإطلاق المحكم نحكم بعدم صحة وصيته.

الفرع الخامس: أن المنع مختص بالوصية.

إذ المفروض أن الشخص الذي قتل نفسه ليس فيه قصور من حيث

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 159

______________________________

تصرفاته و نفوذها تعليقا و تنجيزا، و إنما أوجد الشارع المانع بالنسبة إلي حصة خاصة، فعليه إذا فرضنا أنه وهب ماله لزيد، أو باع بيعا، فلا إشكال بنفوذ ذلك؛ إذ لا مانع في البين.

الفرع السادس: إذا أوصي قبل أن يحدث في نفسه شيئا ثم أحدث صحة وصيته.

و هذا لا إشكال فيه و قد تقدم البحث حوله من حين عرض الرواية.

و في نهاية المطاف أن جميع هذه الفروع كلها مستفادة من صحيحة أبي ولاد.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 160

[مسألة 11: صحة وصية الأب و الجد علي الأطفال]

اشارة

[مسألة] (11): يصح لكل من الأب و الجد الوصية (1) بالولاية علي الأطفال مع فقد الآخر، و لا تصح مع وجوده، كما لا يصح ذلك لغيرهما حتي الحاكم الشرعي، فإنه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيا، و ليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته، فيرجع الأمر بعد موته إلي الحاكم الآخر، فحاله حال كل من الأب و الجد مع وجود الآخر، و لا ولاية في ذلك للأم، خلافا لابن الجنيد حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة، و علي ما ذكرنا فلو أوصي للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال و جعل أمره الي غير الأب و الجد و غير الحاكم لم يصح، بل يكون للأب و الجد مع وجود أحدهما، و للحاكم مع فقدهما.

نعم لو أوصي لهم علي أن يبقي بيد الوصي ثم يملكه لهم بعد بلوغهم، أو علي أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم، يمكن أن يقال:

بصحته و عدم رجوع أمره الي الأب و الجد أو الحاكم.

______________________________

(1) تتلخص المسألة في فقرات:

الفقرة الاولي: يجوز لكل من الأب و الجد الوصية علي الأطفال.

ادعي عليه عدم الخلاف تارة، و الإجماع بكلا قسميه تارة أخري، و ثالثة أنه محل النص و الوفاق.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 161

______________________________

و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي عدة نصوص، و هي كما يلي:

1- ما رواه محمد بن مسلم.

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه سئل عن رجل أوصي إلي رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم.

فقال: لا بأس به من أجل أن أباهم قد أذن له في ذلك و هو حي «1».

فيقع البحث في هذه الرواية من خلال

جهتين:

الجهة الاولي: من حيث الدلالة.

الجهة الثانية: من حيث السند.

فأمّا الجهة الاولي فتارة يقع الكلام حول صدق الولد مع الواسطة، و أخري عدم صدقه، فإذا قلنا: أن الولد يصدق مع الواسطة و الإطلاق محكم في المقام، فعلي هذا لا نحتاج الي إثبات المدعي الي دليل آخر؛ و ذلك لا فرق بين أن يكون الموصي الأب أو الجد، و امّا إذا قلنا: بعدم صدق الولد بالواسطة- إذ الظهور العرفي ناضر الي الولد المباشر و ليس للحفيد- ففي هذه الصورة نحتاج في سريان الحكم بالنسبة للجد الي

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 427- الباب 92 من ابواب الوصايا- ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 162

______________________________

دليل آخر، و يمكن أن يستدل بهذا التقريب، و هو: حيث ان الرويات في باب النكاح قد انطوت علي جواز التصرف بالنسبة إلي الجد؛ إذ له الأولوية في تزويج احفاده من الذكور و الإناث، و هذا لا خلاف فيه بين الأصحاب، فعلي هذا يقتضي سريان الحكم الي ما نحن بصدده؛ و ذلك إذا ثبت في النكاح فمن طريق أولي يثبت في الأموال.

و لكن قد تقدم منا في بعض الأبحاث أن هذه الأولوية لا تخلو من إشكال؛ و ذلك أن التوسعة في باب النكاح لا توجب سريان الحكم بالنسبة إلي غيره؛ إذ من المحتمل وجود مصلحة في النكاح دعت الشارع الأقدس الي توسيع دائرة الحكم بالنسبة إليه، فعلي ضوء ما بيناه لا يبقي مجال للتمسك بالأولوية.

هذا ما يرجع إلي الجهة الاولي و امّا الجهة الثانية فلا مجال للاعتماد علي هذه الرواية؛ و ذلك لضعف سندها من حيث الترديد بين الحسن بن علي بن يوسف و حسن بن علي بن يونس، فأما الأول فلم يوثق، و

امّا الثاني فلا وجود له في كتب الرجال.

2- ما رواه سعد بن إسماعيل.

عن أبيه قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن وصي أيتام يدرك أيتامه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 163

______________________________

فيعرض عليهم أن يأخذوا الذي لهم فيأبون عليه كيف يصنع؟

قال: يردّ عليهم و يكرههم عليه «1».

و هذه ضعيفة السند بسعد بن اسماعيل.

3- ما رواه محمد بن عيسي.

عمن رواه، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: في رجل مات و أوصي إلي رجل و له ابن صغير فأدرك الغلام و ذهب إلي الوصيّ و قال له: ردّ عليّ مالي لأتزوج فأبي عليه، فذهب حتي زني.

فقال: يلزم ثلثي إثم زنا هذا الرجل ذلك الوصي الذي منعه المال و لم يعطه فكان يتزوج «2».

و هذا النص مرسل لا اعتبار به، فعليه لا تصل النوبة إلي البحث حول متنه.

4- ما رواه العيص بن القاسم.

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن اليتيمة متي يدفع إليها مالها؟

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 371- الباب 47 من ابواب الوصايا- ح 1.

(2) الوسائل: 19/ 370- الباب 46 من ابواب الوصايا- ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 164

______________________________

قال: إذا علمت أنها لا تفسد و لا تضيّع، فسألته إن كانت قد تزوّجت فقال: إذا تزوجت فقد انقطع ملك الوصي عنها «1».

و هذه الرواية تامة سندا و دلالة علي المدعي، فعليه لا إشكال و لا ريب في صحة وصية الأب و الجد بالولاية علي الأطفال، مضافا إلي السيرة و التسالم.

و من واقع هذا البيان لنا أن نتسائل، بأن نقول: هل يمكن للأب و الجد أن يجعلا وصيا قيما علي الأطفال مع وجود أحدهما أو لا؟

قبل الإجابة عن هذا التساؤل نتعرض لما أفاده سيدنا

الاستاذ (رحمه اللّه) في مقام الاستدلال علي المدعي؛ و ذلك أنه بعد أن عرض عدم الخلاف بين الأصحاب (قدّس سرّه) في عدم الصحة قال: الأولي أن يستدل للحكم بهذا التقريب: و هو أن ولاية الأب و الجد بمقتضي دليلها ولاية مطلقة و غير مقيدة.

و من هنا فلا تنسجم مع جعل الولاية لغيرهما، مع وجود واحد منهما في عرضه، حيث ان مقتضاه تقييد ولايته بعدم تصرف ذلك للغير قبل تصرفه، فهو نظير ما ذكرناه في باب الأوامر، من أن مقتضي إطلاق

______________________________

(1) الوسائل 19/ 366- الباب 45 من ابواب الوصايا- ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 165

______________________________

الأمر كونه تعيينيا لا تخييريا، باعتبار أن جعل البدل له ينافي اطلاقه.

ففيما نحن فيه: إطلاق الدليل ينافي كون الولي هو الجامع بين الباقي منهما و وصي الآخر، بل مقتضاه كون الباقي هو الولي لا غير «1» (انتهي).

و ما أفاده (رحمه اللّه) لا يمكننا القول: به؛ و ذلك لا يخلو الأمر إمّا أن يقوم دليل علي المدعي أم لا، فإذا دل دليل علي أن لكل واحد منهما له الصلاحية في أن يعين وصيا، فبمقتضي إطلاقه لا مانع من ذلك.

و امّا إذا قلنا: قد حصل العلم من طريق أو آخر بعدم إمكان اجتماعهما، فغاية ما في الباب يقع التعارض بين كلا الدليلين.

و امّا إذا لم يقم دليل في البين، فلا مانع من الالتزام بولاية كليهما، فتحصّل: أن ما أفاده (قدّس سرّه) غير سديد.

و ما ينبغي أن يقال: في المقام هو أن الدليل علي المدعي منحصر في أمرين: الأول السيرة، و الثاني حديث العيص بن القاسم، فأما السيرة فلا إطلاق لها؛ و ذلك أنها دليل لبي لا بد فيها من الاقتصار

علي القدر المتيقن، و القدر المتيقن منها هو اعتبار الوصية في حالة عدم وجود

______________________________

(1) لاحظ مباني العروة: 2/ 428.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 166

______________________________

الآخر، و امّا رواية العيص بن القاسم فلا إطلاق لها حتي يمكن التمسك به، فعلي هذا لا بد من الرجوع إلي القاعدة الأولية و مقتضاها عدم «1» الصحة.

الفقرة الثانية: لا ولاية للحاكم الشرعي مع وجود أحدهما.
اشارة

بمعني أنه لا حق للحاكم أن يعين بعد موته شخصا قيما علي القصر، و ما أفاده (رحمه اللّه) في كمال المتانة؛ و ذلك أنه لا ولاية لأحد علي الآخر، إلا عند قيام الدليل، و امّا مع عدم الدليل فمقتضي القاعدة الأولية العدم، و حيث ان الدليل قام بخصوص الأب و الجد فعليه لا معني لدخول الحاكم في دائرة الولاية، فيبقي مندرجا تحت القاعدة الأولية و مقتضاها عدم الحق له.

غاية ما في الباب إذا لم يوجد ولي علي القصر و كان الحاكم الشرعي موجودا تصل النوبة إليه؛ و ذلك من باب كونه مرجعا في الأمور الحسبية، و لا حق له أن يوصي بعد مماته لأحد علي الإطلاق.

______________________________

(1) و ذلك أن الولاية علي الآخرين خلاف الأصل الأولي، إلّا أن يقوم دليل علي المدعي، و عند حصول الشك يكون مقتضي الاستصحاب عدم الولاية.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 167

(عود علي بدء)

______________________________

لا بد لنا في المقام أن نشير إلي جهة قد تكون متعارفة في الخارج، و هي أن الحاكم الشرعي في حال حياته يعين شخصا للقيمومة علي الأطفال، و هذا علي الظاهر أمر متعارف، و لكن ليس مندرجا تحت دليل من الأدلة، نعم يصح له أن يأذن لشخص في التصرف و هذا لا إشكال فيه؛ إذ هو وكيله، و امّا جعله قيما بحيث تبقي ولايته ممتدة إلي زمان موته فالظاهر لا دليل عليه أن يعطي هذا المنصب إلي غيره.

الفقرة الثالثة: لا ولاية للأم.

و هو الحق؛ إذ مقتضي الأصل عدم الدليل، و لا دليل في البين حتي يمكن الاستدلال به.

الفقرة الرابعة: لو أوصي واحد من الأرحام أو غيرهم للأطفال بمال و جعل أمره الي غير الأب و الجد و غير الحاكم هل يصح ذلك أم لا؟

أفاد المصنف (قدس سره) بعدم الصحة و هو الحق؛ إذ دليل الوصية

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 168

______________________________

ليس من الأدلة المشرعة حتي يمكن للموصي أن يتصرف بالأحكام الشرعية.

الفقرة الخامسة: لو أوصي بأن يكون المال في يد الوصي، و بعد ذلك يملكه الطفل بعد بلوغه، أو يصرفه عليه، من دون تمليك، هل تجوز الوصية أم لا؟

بلا إشكال تجوز الوصية؛ و ذلك لأنه أمر مشروع و متضمن للمنفعة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 169

فصل في الموصي به

اشارة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 171

فصل في الموصي به تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل من عين أو منفعة أو حق قابل للنقل، و لا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلا أو قوة، فتصح الوصية بما تحمله الجارية أو الدابة أو الشجرة، و تصح بالعبد الآبق منفردا و لو لم يصح بيعه إلا بالضميمة.

و لا تصح بالمحرمات كالخمر و الخنزير و نحوهما، و لا بآلات اللهو، و لا بما لا نفع فيه و لا غرض عقلائي، كالحشرات و كلب الهراش.

و امّا كلب الصيد فلا مانع منه، و كذا كلب الحائط و الماشية و الزرع، و إن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد إذ يكفي وجود الفائدة فيها، و لا تصح بما لا يقبل النقل من الحقوق كحق القذف و نحوه.

و تصح بالخمر المتخذ للتخليل، و لا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر و الخنزير بين كون الموصي و الموصي له مسلمين أو كافرين، أو مختلفين؛ لأن الكفار أيضا مكلفون بالفروع.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 172

نعم هم يقرون علي مذهبهم و إن لم يكن عملهم صحيحا.

و لا تصح

الوصية بمال الغير و لو أجاز ذلك الغير إذا أوصي لنفسه.

نعم لو أوصي فضولا عن الغير احتمل صحته إذا أجاز (1)

______________________________

قد تعرض الماتن (قدّس سرّه) في المقام إلي عدة فروع

اشارة

و هي كما يلي:

الفرع الاول: تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل،

من عين، أو منفعه، أو حق قابل للنقل.

فإذا فرضنا ان شيئا من الأشياء قابل للانتقال، و هو اعم من كونه عينا أو منفعة، فلا إشكال في جواز الوصية بالنسبة إليه، و الوجه فيه إطلاق أدلة الوصية كتابا و سنة.

و بعبارة أخري، إذا صدق عنوان ما تركه الميت علي شي ء من الأشياء فلا إشكال في جواز الوصية به، بلا فرق بين أن يكون متعلق الوصية عينا من الأعيان، أو حقا من الحقوق، و لكن لو شككنا في جواز انتقال متعلق الوصية إلي الغير، فهل تجوز الوصية او لا؟

الجواب:

لا تجوز الوصية بالنسبة إليه؛ و ذلك لعدم صدق عنوان ما تركه الميت عليه، كحق الغصب علي ما يقولون، بل ينعدم بانعدام الموضوع.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 173

______________________________

و امّا إذا فرضنا أنه غير مصداق لما تركه الميت، ففي هذه الحالة لا مجال للوصية به؛ و ذلك لما علمت بعدم الجواز في حالة الشك، فما بالك في صورة إحراز عدم جواز الانتقال.

و بعبارة أجلي: أن مجرد الشك يكفي في عدم الجواز، لما تعلم أن الأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية غير جائز.

و امّا إذا فرضنا أن الاصل اقتضي عدم كونه قابلا للانتقال، فهل تصح الوصية أم لا؟

الجواب:

بلا شك و لا ريب لا تصح الوصية، و إليك مثالا يتضح من خلاله ذلك: و هو إذا شككنا في أن حق التحجير هل يكون قابلا للانتقال أم لا؟

مقتضي الاستصحاب عدم انتقاله إلي الغير، و عليه فلا تجوز الوصية به.

فإذا اتضح ذلك، تبين لك أن الميزان الكلي هو عدم الانتقال، في عدم صحة الوصية.

فإذا فرضنا أن عينا من الأعيان قد حرّمت من قبل الشارع الأقدس، كالخمر علي سبيل

المثال، فهل تجوز الوصية بها أم لا؟

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 174

______________________________

قد فصل الماتن (رحمه اللّه) بين كون العين المترتب عليها منفعة من المنافع، و بين غيرها، فحكم بجواز الوصية في الاولي، و مثّل لذلك بالخمر فيما إذا اتخذت للتخليل، و حكم بعدم الجواز في الثانية.

و حريّ بنا أن نبحث أولا في الكبري الكلية، لكي نري أن ميزان تحقق الملكية في أي مورد من الموارد، و عدمه في أي مورد من الموارد الأخري، ثم ننتقل إلي جهة ثانية من البحث، من خلالها نسلط الضوء علي كون الحق قابلا للانتقال في مورد من الموارد، لكي يكون موضوعا لجواز الوصية أم لا؟

فنقول: لا ملازمة بين كون المالية في شي ء و كون الملكية فيها، فالنسبة بين المال و بين الملك نسبة العموم و الخصوص من وجه، فيمكن أن يصدق علي شي ء أنه مال و لا يكون ملكا، و مصاديق هذا القسم كثيرة كالجواهر المتكونة في قعر البحار، و المعادن التي لا تكون مملوكة لأحد، فالجواهر بلا شبهة أموال و مورد لرغبات العقلاء، و مع ذلك كله لا تكون مملوكة لأحد، إلي غير ذلك من الموارد التي يطول سردها، و أيضا يمكننا أن نفرض كون شي ء مملوكا لأحد من الأشخاص و مع ذلك لا يكون مصداقا للمال، كحبة من الحنطة، فيما إذا فرضنا أن زيدا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 175

______________________________

كان مالكا لمن من الحنطة، فلا اشكال في ان كل حبة من الحنطة هي ملك لزيد، و كل واحدة من الحنطة علي حده لا تكون مالا من الاموال، و لذا يمكننا أن نقول إذا أتلف أحد حبة من هذه الحنطة لا يكون ضامنا؛ لأن

الذي يوجب الضمان هو إتلاف المال، و امّا ما لا مالية له فلا يوجب ذلك.

فعلي هذا يصح أن يكون مملوكا و لا يكون مالا، فهذه الجهتين المفترقتين.

و امّا جهة الالتقاء بينهما فلا حاجة لذكر مصداق من المصاديق؛ و ذلك لتعددها و كثرتها، كدار زيد، و دابته، الي غير ذلك …

فإذا اتضح ذلك: لا بد أن نري في أي مورد قد ألغي الشارع الأقدس مالية شي ء من الاشياء.

فنقول: الملاحظ في كلمات الأصحاب أن الشارع الأقدس قد الغي مالية الكثير من الموارد، كالخمر، و الخنزير، فعلي هذا إذا أتلف أحد خمر غيره فلا يكون ضامنا؛ و ذلك لإلغاء مالية الخمر من قبل الشارع الأقدس، و لكن هذا لا يخرجه عن ملك الغير، و ما ادعيّ في كلماتهم بل جعل من المسلمات كما يظهر من عبارة الماتن (قدّس سرّه)، و السيد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 176

______________________________

الحكيم (رحمه اللّه)، فيما إذا اتخذ للتخليل أو التعقيم لا يكون مملوكا لأحد، و إنما له حق الاختصاص..

الظاهر أنها مجرد دعوي خالية عن الدليل؛ إذ لا دليل في المقام يخرج هذه العين عن ملك مالكها، و مجرد إلغاء المالية ليس دليلا في البين، بل تبقي العين ملكا لمالكها و لو لم تكن لها مالية.

فعلي هذا الأساس نقول: أنه لا وجه للقول بعدم جواز الوصية فيما إذا كان الشي ء محرما، و كذلك ليس فيه غرض عقلائي، و ليس فيه نفع معتد به؛ و ذلك لعدم قيام دليل يدل علي عدم الجواز، و لذا لو فرضنا أن الخمر غير قابل للتعقيم، و لا التخليل، و لا غير ذلك من المنافع، و لكنه ملك لأحد، مقتضي أدلة الوصية جوازها في كل شي ء يكون

قابلا للنقل، فما المانع من الحكم بالجواز؟

الظاهر لا مانع في ذلك، إلا أن يقوم إجماع تعبدي علي عدم الجواز و أني لنا ذلك، أو انصراف دليل الوصية عن مثله، و هذا كسابقه.

فتحصّل من خلال هذا البيان، بمقتضي الصناعة العلمية أمران:

الأمر الأول: عدم وجود دليل في المقام يمكن من خلاله خروج العين عن ملك المالك؛ إذ لا نسلّم الملازمة بين الملكية و المالية.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 177

______________________________

الأمر الثاني: إذا كان شي ء مملوكا و قابلا للانتقال فلا إشكال في جواز الوصية به، حتي مع الفرض بعدم ترتب أثر من الأثار عليه، نعم في عدم وجوب الضمان عند حالة الإتلاف لا مانع من الالتزام بذلك، إذا كان المستفاد من دليل الضمان أن مورد الإتلاف يلزم أن يكون المتلوف مالا من الأموال، فعلي هذا يمكن للفقيه أن يلتزم بعدم الضمان، و مع ذلك يفتي بعدم جواز الإتلاف؛ إذ التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام، كما في المثال المتقدم؛ و ذلك بمقتضي السيرة الممضاة.

هذا كله ما تقتضيه الصناعة العلمية.

الفرع الثاني: لا فرق بين أن تكون موجودة بالفعل، أو بالقوة،

كالحمل بالنسبة إلي الجارية، أو الدّابة، أو الشجرة.

و هذا صحيح بلا إشكال و لا ريب؛ إذ تارة نقول أن دليل نفوذ الوصية فيه قصور من حيث السعة و الضيق، ففي هذه الحالة يلزم علينا أن نتحفظ علي جميع القيود الممكنة و المتصورة.

و اخري لم نقل بذلك، بل قلنا أن أدلة الوصية كتابا و سنة- من خلال الإطلاق- تقتضي التوسعة في مورد الوصية، ففي ضوئه يصبح الأمر كما

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 178

______________________________

أفاده (قدّس سرّه).

و لا دليل علي وجود مورد الوصية بالفعل، و لذا لو أوصي أحد بثمرة الشجرة التي تحصل بعد أربعة

أشهر، أو بحمل الدابة التي تلد بعد ستة أشهر- علي سبيل المثال- إلي غير ذلك من الموارد، فلا مانع من صحة الوصية في مثل هذه الأمور، و لا يشترط وجودها بالفعل؛ و ذلك بمقتضي إطلاق الدليل.

إن قلت: كيف يمكن الوصية بما لا يكون موجودا بالفعل، مع أن الملكية تتوقف علي كون الشي ء موجودا بالفعل، و المملوك يلزم أن يكون شيئا.

قلت: يمكننا أن نجيب علي هذا الإشكال بنحوين:

النحو الأول بالنقض: كيف يمكن للشخص في حال حياته أن يؤجر دراه من زيد عشرين عاما، و بعد يومين أو أقل يتوفاه الأجل، و مع العلم أن المنافع المتأخرة إلي عشرين سنة أمور متجددة، و غير قابلة للإنكار عند المتشرعة و العقلاء.

النحو الثاني بالحل: إن الامور الاعتبارية لا وجه لقياسها بالامور الواقعية الخارجية؛ حيث ان الأمور الخارجية كالعرض و الجوهر

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 179

______________________________

و أمثالهما لا يمكن تحقق بعضها دون الآخر كالعرض بلا جوهر، و لكن في الامور الاعتبارية لا مجري لهذا؛ لأن الاعتبار خفيف المئونة، و لذا نري في سيرة العقلاء أن المالك للعين مالك لمنافعه، إلي ما لا نهاية له.

فتحصّل مما أوضحناه: عدم المانع من صحة الوصية في كلا الأمرين، سواء كانت موجودة بالفعل أو بالقوة، فعلي هذا ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) في كمال الصحة و المتانة.

الفرع الثالث: تصح الوصية بالعبد الآبق منفردا.

إذ مقتضي دليل نفوذ الوصية هو الجواز، و لا وجه لقياس المقام ببيع العبد؛ و ذلك لقيام الدليل الخاص هناك.

و امّا بالنسبة إلي الوصية فما أفاده الماتن (قدّس سرّه) في كمال المتانة؛ إذ المقتضي موجود و المانع مفقود.

الفرع الرابع: لا تصح الوصية بالمحرمات،
اشارة

كالخمر، و الخنزير، و آلات اللهو، الي غير ذلك …

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 180

______________________________

قد ظهر الوجه فيه ضمن مطاوي البحث، عند تعرضنا للفرع الأول، و لأهمية المطلب لا بأس بالإشارة اليه مرة أخري.

فنقول: في المقام أمران ينبغي التعرض لهما:

1- لا وجه للالتزام بعدم ملكية هذه الأشياء لمالك ما، بعد ما فرضنا أن الارتكاز العقلائي و الحكم في سوق العقلاء مقتضي لكون هذه الأشياء مملوكة لمالكها، كما هو كذلك، بلا شك و لا ريب، و علي هذا نلتزم بكونها مورد الحق.

2- و بعد فرض كونها مملوكة لا مانع من القول بجواز الوصية بها، حتي مع الفرض بعدم المالية، و الغرض العقلائي، أو وجود منفعة محرمة، و عليه فلا وجه لقياس عدم الضمان بعدم جواز الوصية؛ لأن كليهما علي طبق القاعدة، فأمّا عدم الضمان فلإلغاء الشارع المالية، و امّا جواز الوصية فلإطلاق دليلها، و بناء علي ما قلناه تترتب أمور كثيرة، و من جملتها جواز الوصية بكلب الهراش، و لا وجه للتفصيل بين كلب الصيد، و الزراعة، و الماشية، و الحائط، بأن يقال: كلب الصيد مملوك و كلب الزرع و الماشية و الحائط مورد الحق، و كلب الهراش خارج عن كلا الدائرتين، بل كلها مملوكة لمالكها، و لو أن كلب

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 181

______________________________

الهراش لا يوجب إتلافه ضمان لعدم وجود مالية له من قبل الشارع.

و امّا إذا أغمظنا النظر عما قلناه،

و سلمنا بدخول جملة من الموارد المتقدمة في دائرة الحق، كالخنفساء و غيرها، فيلزم من ذلك التفصيل، إذ تارة يحصل لنا الشك في كون هذا الحق هل يقبل الانتقال أو لا؟

فعلي فرض الشك لا يجوز ذلك؛ لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و أخري نجزم بالعدم؛ و ذلك بمقتضي الاستصحاب، و ثالثة نقطع بكونها مملوكة، فلا إشكال في الجواز، كما أن الحكم كذلك في حالة القطع بكونها مورد الحق.

«بقي شي ء»

و هو أن الكبري التي ذكرها الماتن (قدّس سرّه) من كون آلات اللهو كالخمر و الخنزير علي الاطلاق، فالظاهر الجزم بها في غاية الإشكال؛ إذ ليس كل ما صدق عليه للهو حراما، إنما الحرام في آلات مخصوصة، و توسيع البحث موكول إلي محله.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 182

الفرع الخامس: لا تصح الوصية بما لا يقبل النقل من الحقوق.

______________________________

و ما أفاده (قدّس سرّه) لا غبار عليه؛ إذ الوصية عبارة عن نقل شي ء من ملكه إلي غيره، مشروطا و معلقا علي الموت.

فإذا فرضنا أن هذا الشي ء- أعم من كونه حقا أو عينا- غير قابل للنقل، فلا مجال للقول بجواز الوصية به؛ و ذلك لعدم صدق ما تركه الميت عليه، و عند انعدام الموضوع فلا وجه لترتب الحكم عليه، و هذا لا يحتاج إلي البحث و الاطناب فيه.

الفرع السادس: تصح الوصية بالخمر المتخذ للتخليل.

قد ظهر الوجه فيه ضمن مطاوي البحث، فلا مجال للإعادة.

الفرع السابع: لا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر و الخنزير، بين كون الموصي و الموصي له مسلمين أو كافرين، أو مختلفين؛

لأن الكفار مكلفون بالفروع.

الحق كما إفادة (قدّس سرّه)، فكما أن الكفار مكلفون بالاصول كذلك مكلفون بالفروع، و لا مجال لذكر ما قاله سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المقام،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 183

______________________________

إذ نحن مخالفون معه في أصل المبني، و بناء عليه فلا وجه للتفصيل، و قد استوفينا البحث في كتابنا (مباني منهاج الصالحين) فإني أحيلك إلي صفحاته لما فيه من الشمولية.

و امّا إقرارهم و إلزامهم بمذهبهم بمقتضي قاعدة الإلزام فلا يمكن القول به؛ و ذلك أن تلك القاعدة علي نحو الإطلاق لا دليل عليها، و البحث حول هذه الجهة موكول إلي مجال آخر.

الفرع الثامن: لا تصح الوصية بمال الغير و لو أجاز ذلك الغير إذا أوصي لنفسه،

نعم لو اوصي فضولا عن الغير احتمل صحته إذا أجاز.

لا بد من التفصيل في هذا الفرع، فيما إذا أوصي المكلف لأحد بمال الغير، فتارة يجيز، و أخري لا يجيز.

فنقول: إذا لم يجز المالك تكون الوصية باطلة بلا إشكال؛ و ذلك أن التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام.

و امّا إذا أجاز ففيه صورتان:

الصورة الأولي: أن يوصي المكلف بمال الغير من قبل نفسه، اي يتصرف من تلقاء نفسه.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 184

______________________________

الصورة الثانية: أن تكون الوصية بمال الغير عن الغير بإذن صاحب المال.

فأمّا الصورة الأولي فقد أفتي الماتن (قدّس سرّه) بالفساد، و لو مع إجازة المالك، و امّا في الصورة الثانية فاحتمل الجواز مع الإجازة.

و الوجه فيه أن في الصورة الثانية يمكننا الالتزام بصحة الفضولي مع الإجازة فيما إذا كانت المباشرة صحيحة؛ و ذلك إمّا علي القاعدة كما هو المشهور بينهم، و امّا علي ضوء النص المتقدم علي ما هو الحق عندنا.

و امّا إذا أوصي بمال زيد عند وفاة زيد، فإن الماتن في هذه

الصورة قد احتمل الصحة، و الحق أنه لا مانع من الالتزام بالصحة؛ لأن الرواية التي وردت في نكاح العبد من دون إذن مولاه تدل علي الجواز، و بمقتضي عموم العلة نلتزم بالصحة في كل مورد تكون العلة موجودة، و هكذا …

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 185

[مسألة 1: نفوذ الوصية بمقدار الثلث أو أقل]

اشارة

(مسألة 1): يشترط في نفوذ الوصية كونها بمقدار الثلث، أو بأقل منه (1)

يقع الكلام في مقامين:
اشارة

______________________________

(1) المقام الأول: ما تقتضيه القاعدة الأولية.

المقام الثاني: ما يقتضيه الإجماع، و الضرورة، و النصوص الواردة في المقام.

[المقام الأول: ما تقتضيه القاعدة الأولية.]

فأمّا ما تقتضيه القاعدة الأولية فالظاهر عدم الجواز علي الاطلاق؛ إذ بعد ما فرضنا أن الميت بعد موته ينفصل عن ممتلكاته، و تننتقل إلي ورثته، و ذلك بمقتضي دليل الإرث، فعلي هذا لا وجه للجواز، و تخصيص المقدار المعين مفتقر إلي الدليل، و علي ضوء القاعدة الأولية يكون الأمر عدم نفوذ وصيته و إنشائه، و حيث ان النصوص قائمة علي الجواز فلا بد من رفع اليد عن القاعدة الأولية و العمل علي ضوء النصوص الواردة، هذا كله بحسب القاعدة الاولية.

[المقام الثاني: ما يقتضيه الإجماع، و الضرورة، و النصوص الواردة في المقام.]

و امّا المقام الثاني فلا إشكال فيما أفاده الماتن (رحمه اللّه) و يدعمه الإجماع بكلا قسميه، و عدم الخلاف، و النصوص المتظافرة، و إليك بعضها و بها يتم المطلوب:

منها ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: كان البراء

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 186

______________________________

بن معرور الأنصاري بالمدينة، و كان رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) بمكّة، و أنه حضره الموت، و كان رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) و المسلمون يصلون إلي بيت المقدس، فأوصي البراء بن معرور (إذا دفن) أن يجعل وجهه إلي تلقاء النبي (صلّي اللّه عليه و آله) إلي القبلة، و أوصي بثلث ماله فجرت به السنة «1».

فهذه الرواية تدل بوضوح علي أن الوصية بالثلث أمر جائز بلا شك و لا ريب، و في قبال هذا القول قول معاكس في الحكم، حيث حكم ابن بابويه بجواز الوصية بكل ما ترك الميت، و المنشأ في ذلك بعض الروايات و هي كما يلي:

1- محمد بن عبدوس قال: أوصي رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي محمد (عليه السّلام) فكتبت إليه: رجل أوصي إليّ بجميع ما

خلّف لك، و خلف ابنتي أخت له، فرأيك في ذلك؟

فكتب إليّ: بع ما خلّف و ابعث به إليّ، فبعت و بعثت به اليه.

فكتب إليّ: قد وصل «2».

2- علي بن الحسن قال: مات محمد بن عبد اللّه بن زرارة، و و أوصي

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 271، ب 10 من ابواب الوصايا، ح 1.

(2) الوسائل: 19/ 280- ب 10، من ابواب الوصايا، ح 16.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 187

______________________________

إلي أخي أحمد بن الحسن، و خلّف دارا و كان أوصي في جميع تركته أن تباع و يحمل ثمنها إلي أبي الحسن (عليه السّلام) فباعها، فاعترض فيها ابن اخت له و ابن عمّ له، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير، و كتب إليه أحمد بن الحسن، و دفع الشي ء بحضرتي إلي أيوب بن نوح فأخبره أنّه جميع ما خلّف و ابن عمّ له و ابن اخته عرض، و أصلحنا أمره بثلاثة دنانير.

فكتب: قد وصل ذلك، و ترحم علي الميت، و قرأت الجواب «1».

3- علي بن الحسن قال: مات الحسين بن أحمد الحلبي و خلّف دراهم مائتين، فأوصي لامرأته بشي ء من صداقها و غير ذلك، و أوصي بالبقية لأبي الحسن (عليه السّلام)، فدفعها أحمد بن الحسن إلي أيوب بحضرتي و كتبت إليه كتابا، فورد الجواب بقبضها و دعا للميت «2».

4- عمّار بن موسي، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إذا أوصي به كلّه فهو جائز «3».

______________________________

(1) نفس المصدر: ح 17.

(2) نفس المصدر: ح 18.

(3) نفس المصدر: ح 19.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 188

فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد إلّا مع إجازة الورثة بلا إشكال (1) و ما عن علي

بن بابويه من نفوذها مطلقا علي تقدير ثبوت النسبة شاذ.

______________________________

و هذه كلها ضعيفة السند، و إن كانت تدل علي مدعاه، أضف إلي ذلك كله أنه لو فرضنا قيام دليل صحيح من حيث السند و واضح الدلالة لا بد من إرجاعه إلي أهله؛ و ذلك لوضوح المطلب بعدم جواز الوصية في اكثر من الثلث عند عدم إجازة الورثة.

[بطلان الوصية في الزائد إلا مع اجازة الورثة]
اشارة

(1) يقع البحث في جهتين:

الجهة الاولي: علي ضوء القاعدة الاولية،

و مقتضاها عدم الجواز في الثلث الزائد عن الثلث حتي مع اجازة الورثة.

و الذي يظهر من كلام سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بنحو الوضوح- كما في تقريره الشريف- أن الوارث مالك لما تركه الميت، و حيث ان الشخص المالك مختار في ملكه فعلي هذا إذا أجاز الوارث يتم الأمر و لا إشكال «1».

و ما أفاده (قدّس سرّه) في غاية الغرابة؛ إذ أيّ ارتباط بين كون الشخص

______________________________

(1) لاحظ مباني العروة: 2/ 426.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 189

______________________________

مالكا لملك ما و بين ما أفاده الماتن (قدّس سرّه) و بقية الأصحاب في المقام؛ إذ كون الناس مسلطين علي أموالهم ليس أمرا مشرعا حتي يسوّغ للمالك جميع التصرفات حيث ما يريد، و إنما يكون المالك مسلطا علي ماله ضمن إطار خاص، و هو بمقدار الذي علم من الشرع الاقدس، و بعبارة أوضح لا تكون هذه القاعدة مشرعة بحيث يكون للمالك كمال الصلاحية يتصرف كيفما أراد من دون حدود و لا قيود، فإذا اتضح ذلك.

نقول: إنما الإجازة تكون مؤثرة فيما إذا كان الشي ء بيد الشخص نفسه و قد صدر منه مباشرة بلا واسطة، فعلي هذا لا مانع من الحكم بالصحة، هذا كله علي ضوء القاعدة الأولية.

الجهة الثانية: علي ضوء النصوص الخاصة

و هي كما يلي:

1- أحمد بن محمد، قال: كتب أحمد بن إسحاق إلي أبي الحسن (عليه السّلام): أن درّة بنت مقاتل توفّيت و تركت ضيعة أشقاصا «1» في مواضع، و أوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، و نحن أوصياؤها و أحببنا إنهاء ذلك إلي سيّدنا، فإن أمرنا بإمضاء الوصية علي وجهها أمضيناها، و إن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلي أمره في جميع ما يأمر

______________________________

(1) جمع شقص و هو القطعة

من الأرض.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 190

______________________________

به إن شاء اللّه.

قال: فكتب (عليه السّلام) بخطّه: ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث، و إن تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء اللّه «1».

و هذه الرواية تدل بوضوح علي المدعي فإن أجازوا الورثة جاز ذلك و إلا فلا.

2- العباس بن معروف قال: كان لمحمد بن الحسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له: ميمون، فحضره الموت فأوصي إلي أبي العبّاس الفضل بن معروف بجميع ميراثه و تركته أن اجعله (دراهم) و أبعث بها إلي أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) و ترك أهلا حاملا و إخوة قد دخلوا في الإسلام و امّا مجوسيّة.

قال: ففعلت ما أوصي به و جمعت الدراهم و دفعتها إلي محمد بن الحسن- إلي أن قال- و أوصلتها إليه (عليه السّلام) فأمره أن يعزل منها الثلث فدفعها إليه و يرد الباقي إلي وصيه يردها علي ورثته «2».

فاتضح من خلال النصوص أن الأمر كما أفاده الماتن (قدّس سرّه)؛ إذ

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 275، ب 11 من ابواب الوصايا، ح 1.

(2) نفس المصدر: ح 7.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 191

و لا فرق بين أن يكون بحصة مشاعة من التركة أو بعين معينة (1) و لو كانت زائدة و أجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصة المجيز فقط.

______________________________

الرواية الاولي دلت علي نفوذ الوصية بالزائد في حالة إجازة الورثة، و الثانية دلت علي التبعيض و بهذا لا مجال لإجراء القاعدة و العمل بها مع وجود الأدلة الخاصة.

[عدم الفرق بين الحصة المشاعة و العين المعينة]

(1) ما أفاده بالنسبة إلي الإشاعة فقد دلت عليه الرواية المتقدمة المتضمنة لقصة درة بنت مقاتل.

و امّا بالنسبة إلي التعيين

فتدل عليه رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل أوصي عند موته و قال: اعتق فلانا و فلانا حتي ذكر خمسة، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم.

قال: ينظر إلي الذين سماهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون، و ينظر إلي ثلثه فيعتق منه أوّل شي ء ذكر، ثمّ الثاني و الثالث ثم الرابع ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذين سمي أخيرا؛ لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث مالا يملك فلا يجوز له ذلك «1».

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 398، ب 66، من ابواب الوصايا، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 192

و لا يضر التبعيض (1)،- كما في سائر العقود- فلو خلّف ابنا و بنتا و أوصي بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت كان للموصي له ثلاثة إلا ثلث من ستة، و لو انعكس كان له اثنان و ثلث من ستة.

______________________________

و هذه الرواية و إن كانت مخدوشة من حيث السند إلا أنها مؤيدة للحكم؛ و ذلك أن الحكم علي طبق القاعدة و المشهور كذلك؛ لأن الوصية بأزيد من الثلث لا تصح، و لا فرق في ذلك بين الإشاعة و التعيين.

[عدم القول بالتبعيض]

(1) لا يمكننا القول بالتبعيض، و قد تقدم منا القول بأن التبعيض علي خلاف القاعدة الأولية، و عند عدم التسليم به فلا بد أن نسلك جادة أخري توصلنا إلي تمامية الأمر.

فنقول: ان مقتضي مناسبة الحكم و الموضوع عدم ارتباط أحد الإجازتين بالأخري، و هذا لا شبهة فيه، و لكن حيث ان الأمر مورد من موارد الابتلاء فلو كان الارتباط شرطا بين كلا الفردين من الإجازة لأشار إليه الإمام (عليه السّلام)؛ و ذلك أن الامام كان في مقام البيان،

و الروايات المروية في هذا المضمار لم تشر لهذا المعني، فيستفاد من خلالها ترخيص الامام (عليه السّلام) في الإجازة بالنسبة إلي مقدار الثلث و توقف الصحة علي إجازة الوارث، و لم يفصّل بين الأقسام.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 193

[مسألة] (2): لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له (1)، فلو أوصي بعين غير ملتفت إلي ثلثه و كانت بقدره أو أقل صحت، و لو قصد كونها من الأصل أو من ثلثي الورثة و بقاء ثلثه سليما مع وصيته بالثلث سابقا أو لا حقا بطلت مع عدم إجازة الورثة (2).

______________________________

فعلي هذا يكفي هذا المقدار للجزم بما أفاده الماتن (رحمه اللّه) و طريق الاحتياط سبيل النجاة.

[مسألة 2: عدم اشتراط قصد الموصي]

(1) ما أفاده علي طبق القاعدة، و لذا لو فرضنا أن الموصي أوصي بمقدار الثلث أو أقل منه و لم يكن ملتفتا لذلك أو كان جاهلا بالحكم الشرعي فعلي جميع التقادير تصح الوصية؛ إذ صدرت من أهلها و وقعت في محلها.

و بتعبير آخر أن مقتضي إطلاق أدلة الوصية رفع القيود، فعلي هذا الالتزام بالاشتراط يعد تشريعا و خلاف القاعدة، فتصبح النتيجة هكذا:

إذا أوصي بمقدار الثلث أو أقل منه أو أكثر فالمقدار الصحيح الثلث و الزائد عليه يتوقف علي إجازة الوارث.

(2) إذ المفروض أن الموصي قصد الوصية بهذا الوصف العنواني

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 194

بل و كذا ان اتفق انه لم يوصي بالثلث أصلا لأن الوصية المفروضة مخالف للشرع، و إن لم تكن حينئذ زائدة عن الثلث نعم لو كانت في واجب نفذت؛ لإنه يخرج من الأصل (1) إلا مع تصريحه باخراجه من الثلث.

______________________________

و ما قصد من هذا الوصف علي خلاف

ما قرر في الشريعة المقدسة؛ لأن المستفاد من الشارع الأقدس نفوذ الوصية في الثلث، و امّا وصية الموصي في غير الثلث فلا تكون نافذة إلّا مع الإجازة، و مجرد القصد غير كاف في المقام، و لا فرق بين أن تتعلق وصيته بالثلث أو لا.

(1) هذا إنما يخص الواجبات المالية الواجبة بالأصالة، كالخمس، و الزكاة، و حجة الإسلام، و نحو ذلك …

و امّا سائر الواجبات البدنية و المالية فلا يمكننا التسليم به، و علي كل حال فالمسألة مبنائية.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 195

[مسألة] (3): إذا أوصي بالأزيد أو بتمام تركته و لم يعلم كونها في واجب حتي تنفذ، أو لا حتي يتوقف الزائد علي اجازة الورثة فهل الأصل النفوذ إلا إذا ثبت عدم كونها بالواجب، أو عدمه إلا إذا ثبت كونها بالواجب؟

وجهان: ربما يقال بالأول و يحمل عليه ما دل من الأخبار علي أنه إذا أوصي بماله كله جاز، و انه احق بماله ما دام فيه الروح.

لكن الاظهر الثاني؛ لأن مقتضي ما دل علي عدم صحتها إذا كانت أزيد من ذلك، و الخارج منه كونها بالواجب، و هو غير معلوم (1).

[مسألة 3: خروج الواجبات المالية من الأصل]

______________________________

(1) إذ المستفاد من أدلة الوصية أن الوصية في أكثر من الثلث متوقفة علي إجازة الورثة هذا من ناحية، و من ناحية اخري يجوز له أن يوصي من الأصل فيما إذا كانت عليه ديون كالخمس، أو الزكاة، أو حق الناس، فإذا فرضنا أن هذا الشخص أوصي بتمام المال أو أكثر من الثلث، و شككنا في منشأ الوصية، هل فيما أوصي به زيادة علي الثلث متعلق لحق الغير أو لا؟

ففي هذه الحالة يكون مقتضي القاعدة توقف صحة هذه الوصية علي إجازة الورثة؛ إذ

المفروض أنه لا حق له إلا في الثلث، و مقتضي الأصل عدم كونها في حق من الحقوق المسوغة للوصية بازيد من الثلث، فعلي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 196

نعم إذا أقر بكون ما أوصي به من الواجب عليه يخرج من الاصل (1) بل و كذا اذا قال: اعطوا مقدار كذا خمسا أو زكاة أو نذرا أو نحو ذلك، و شك في انها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي فإنها أيضا تخرج من الأصل؛ لأن الظاهر من الخمس و الزكاة الواجب منهما و الظاهر من كلامه اشتغال ذمته بهما.

______________________________

هذا لا يمكن العمل بمثل هذه الوصية إلّا مع الإجازة.

(1) كما إذا أقرّ بأنه مديون لزيد (بألف دينار) علي سبيل المثال، أو قال: إن ذمتي مشغولة بالخمس أو الزكاة …، ففي هذه الصورة نقطع بأن وصيته في الزائد تامة، و عليه تخرج من الأصل؛ و ذلك لقاعدة إقرار العقلاء علي أنفسهم.

إن قلت: الإقرار إنّما يكون نافذا بالنسبة إلي المقر؛ إذ إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز، و امّا بالنسبة إلي الغير فلا مجال لإجراء هذه القاعده، و الإقرار المزبور يوجب الضرر علي الوارث، فعلي هذا لا يكون الإقرار نافذا.

قلت: إن الإقرار في زمان حياة الموصي نافذ بالنسبة إلي نفس المقر، ففي ضوئه يحكم بكونه مديونا، و أيضا عند ما يقر الموصي في حال

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 197

______________________________

حياته بكونه مديونا يوجب هذا الإقرار عدم صدق ما تركه من هذا المال علي ما تركه الميت، حتي يدخل ضمن دائرة الإرث، و بهذا يخرج عن الإرث فلا معني لإجازة الورثة، في هذه الصور.

و إن شئت قلت: إنّما أقر به من باب كونه دافعا لا رافعا،

و كم فرق بينهما، فتحصل: أنه لا اعتبار بهذا الإشكال.

و يلحق أيضا بالمقام ما ذكره الماتن (قدّس سرّه) فيما إذا قال: اعطوا مقدار كذا خمسا أو زكاة …

فإنّه علي طبق القاعدة؛ إذ الحمل علي الاحتياط الاستحبابي خلاف الظاهر.

و بتعبير آخر: أن الظواهر حجة إلّا فيما يوجب انهدامها.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 198

[مسألة] (4): إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي فلا إشكال في نفوذها، و لا يجوز له الرجوع في إجازته، و امّا إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها و عدمه قولان:

أقواهما الأول، كما هو المشهور؛ للأخبار المؤيدة باحتمال كونه ذا حق في الثلثين، فيرجع اجازته إلي إسقاط حقه، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالة علي أن ليس للميت من ماله إلّا الثلث، هذا و الإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي و ليست ابتداء عطية من الوارث، فلا ينتقل الزائد إلي الموصي له من الوارث- بأن ينتقل إليه بموت الموصي أولا ثم ينتقل إلي الموصي له- بل و لا بتقدير ملكه، بل ينتقل إليه من الموصي من الأول (1).

[مسألة 4: إجازة الوارث بعد وفاة الموصي]

اشارة

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة من خلال مقامين:

المقام الأول: إجازة الوارث بعد وفاة الموصي.

ففي هذا المقام أدعي الاجماع بكلا قسميه، بصحة إجازة الوارث بعد وفاة الموصي، و في مقام تقريب الاستدلال أفاد سيدنا الاستاذ (قدّس سرّه) بما حاصله: أن المال قد انتقل إلي الوارث بعد موت الموصي، و كل مالك له حق التصرف في مملوكه بأي كيفية شاء، و علي أي نحو من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 199

______________________________

الأنحاء، فعلي ذلك إذا أجاز الوارث تكون الوصية نافذة بإجازة الوارث «1».

و فيه: أن ما أفاده (رحمه اللّه) لا دليل عليه بل مجرد دعوي؛ إذ أي دليل دل علي أن المالك له هذا الحق، إنما هذا الحق للّه سبحانه و تعالي، نعم في البيع و الهبة و الصلح و غيرها … قد دل عليها الدليل من الشرع الأقدس و لكن ليس علي نحو الإطلاق، و قد مر الدليل علي ضوء النص المتقدم، حيث قال الإمام (عليه السّلام): في جواز ذلك مع الإجازة و لو في أكثر من الثلث، «و إن تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء اللّه» «2».

فينبغي الاستدلال بالنص لا ما أفاده (قدّس سرّه) بمقتضي القاعدة الأولية، بل القاعدة تقتضي خلاف ذلك؛ لأن الواجبات الشرعية المقتضية للتمليك محصورة في امور خاصة.

ثم أنه هل يمكن للوارث بعد إجازته حق الفسخ أو لا؟

أفاد الماتن (رحمه اللّه) بعدم الجواز، و الأمر كما رامه، و يمكننا الاستدلال علي ما أفاده (قدّس سرّه) من خلال وجهين:

______________________________

(1) انظر مباني العروة الوثقي: 2/ 443.

(2) الوسائل: 19/ 275، ب 11 من أبواب الوصايا، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 200

______________________________

1- أن الخيار و الفسخ في جميع الموارد علي خلاف القاعدة،

فإذا شككنا في أن هذه الملكية لازمة أم جائزة و هل يكون له حق الفسخ أو لا؟ فحينئذ يكون مقتضي الأصل العدم، فعليه ليس له حق الفسخ.

2- يستفاد من خلال النص المتقدم علي ضوء كلام الامام (عليه السّلام) «و إن تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء اللّه» «1» ان تحقق الملكية قبل الفسخ و بعده؛ و ذلك للإطلاق في النص، فعلي هذا لا أثر للفسخ.

المقام الثاني: إجازة الوارث في حياة الموصي.
ففي هذا المقام يقع البحث من خلال زاويتين:
الزاوية الأولي: القاعدة الأولية:

فعلي ضوئها لا أثر لهذه الإجازة؛ و ذلك أن الوارث ما دام الموصي حيا لا علاقة بينه و بين هذا المال، و إنما هو ملك للموصي، فخلاصة الكلام أنه لا أثر لهذه الإجازة.

الزاوية الثانية: النصوص الواردة في المقام

و هي كما يلي:

أ- ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في رجل أوصي بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية، هل

______________________________

(1) نفس المصدر المتقدم.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 201

______________________________

لهم أن يردوا ما أقروا به؟

فقال: ليس لهم ذلك، و الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته «1».

تدل هذه الرواية علي أمرين:

1- صحة الإجازة و تحقق الوصية بمقتضي إجازتهم حال حياة الموصي.

2- عدم جواز نقض الوصية من قبل الوارث بعد إجازته، و بعد وفاة الموصي.

ب- ما رواه منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن رجل أوصي بوصية أكثر من الثلث و ورثته شهود فأجازوا ذلك له.

قال: جائز «2».

و امّا قول الماتن (رحمه اللّه): (باحتمال كونه ذا حق … الخ) فمجرد الاحتمال غير كاف في المقام؛ إذ في مقابل هذا الاحتمال يوجد احتمال معاكس له في الحكم.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 283، ب 13 من أبواب الوصايا، ح 1.

(2) نفس المصدر: ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 202

______________________________

و امّا الأخبار التي لم يستعبد المصنف (قدّس سرّه) الحكم من خلالها فلا يمكننا أيضا المساعدة معه؛ لأن المستفاد من النصوص المتقدمة ترتب الحكم علي صورة دون أخري، و لكن منشأ الأمر أيّ شي ء غير معلوم و لا ظاهر منها، و علي أي حال الأمر سهل؛ لوضوح الأمر و ظهور الأخبار المتقدمة في جواز إجازة الورثة و كونها مؤثرة.

[الإجازة تنفيذ لعمل الموصي]
اشارة

و امّا قوله (قدّس سرّه) (هذا و الإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي و ليست ابتداء عطية من الوارث … الخ).

فيقع البحث من خلال موضعين:

الموضع الأول: هل يترتب علي النزاع الحاصل من اختلاف المسلكين أثر فقهي عملي أو لا؟

ففي ضوء هذا الموضع نقول: إذا قلنا إن إجازة الوارث تنفيذ للوصية و ينتقل المال من الوصي رأسا الي الموصي له فلا مجال و لا موضوعية لبحث الهبة، و لا يترتب علي هذه الإجازة الأثر المترتب علي الهبة، و امّا علي المسلك الثاني القائل: بالعطية و الهبة فعليه حينئذ يترتب الأثر، و الفارق بينه و بين المسلك الأول أنه إذا فرضنا أن الوارث أجاز

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 203

______________________________

الوصية الجائزة و قبل تحقق القبض من الموصي له مات المجيز، ففي هذه الحالة لا ينتقل المال الي الموصي له، بناء علي القول الثاني، القائل:

بالهبة؛ إذ المفروض يشترط في صحة الهبة القبض من الموصي الموهوب له، و الحال لم يتحقق فعلي هذا لا مجال للقول: بانتقال المال الي الموصي له.

و امّا علي المسلك الأول القائل: بأن الإجازة تنفيذ لعمل الموصي فلا موضوع لهذا الكلام.

و الحق أنه لا ربط بين المقام و الهبة أصلا؛ إذ المستفاد من النصوص الواردة في البحث هو انتقال الشي ء المتوقف علي إجازة الوارث، و الظاهر من النص أن الإجازة من الوارث تنفيذ لوصية الموصي. فما أفاده الماتن (قدّس سرّه) تام و لا غبار عليه.

الموضع الثاني: الكلام في أصل المطلب.

فأما الكلام في الموضع الثاني فينبغي التفصيل، فنقول: إذا كان الوارث مجيزا للوصية حال حياة الموصي ففي هذه الصورة ينتقل المال مباشرة الي الموصي له؛ لأن المستفاد من الدليل المتقدم أنه إذا أوصي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 204

______________________________

الموصي لأحد و الورثة أجازوا ذلك تكون الوصية حينئذ ممضاة بحكم الشارع الأقدس، فعندئذ بطبيعة الحال ينتقل المال إلي الموصي له بعد موت الموصي بلا حاجة إلي توسط الوارث؛ إذ ما دام الشخص حيا يكون المال

ملكا له؛ لأن الوصية تمليك مشروط و معلق علي وفاة الموصي، و عليه فلا وجه لانتقال المال إلي الوارث، بل مباشرة ينتقل إلي الموصي له، هذا كله فيما يرجع الي الإجازة من قبل الورثة حال حياة الموصي.

و امّا إذا أوصي الموصي للموصي له بالزائد علي الثلث و بعد موته أجاز الورثة، ففي هذه الحالة ينتقل المال في المرحلة الأولي إلي الورثة، ثم بعد إجازتهم ينتقل إلي الموصي له؛ و ذلك أن الموصي بعد موته لا يكون مالكا للمال، و بطبيعة الحال ينتقل ماله الي ورثته، إلّا فيما تكون الوصية نافذة كالثلث، و المفروض أن المستفاد من خلال الأدلة عدم انتقال هذا المال الموصي به- الزائد علي الثلث- الي الموصي له إلّا بإجازة الورثة، ففي هذه الصورة يرد التساؤل حول هذه الإجازة- أي اجازة الوارث- هل تكون مجرد أمارة و منشأ للعلم أو جزء للسبب؟

الجواب: تارة نقول: إن الإجازة لا أثر لها في تمامية الأمر، و إنما

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 205

______________________________

الأمر تام من البداية، غاية ما في الباب تكون الإجازة كاشفة لا غير، كما عرفت ذلك في البيع الفضولي، ففي هذه الصورة ينتقل المال مباشرة إلي الموصي له.

و أخري نقول: إن الإجازة مقومة و جزء للسبب ففي هذه الصورة إذا لم يتحقق السبب في الخارج فلا مجال لتحقق المسبب، و هذا بديهي جدا لا يحتاج إلي البحث: فعلي ذلك إذا لم تحقق الإجازة لا ينتقل المال إلي الموصي له، بل ينتقل إلي الورثة، و بعد صدور الإجازة منهم ينتقل إليه.

و استدل سيدنا الاستاذ (قدّس سرّه) في المقام علي المدعي بنصين:

الأول: ما رواه أحمد بن محمد، قال: كتب أحمد بن إسحاق إلي أبي

الحسن (عليه السّلام): انّ درّة بنت مقاتل توفّيت و تركت ضيعة أشقاصا في مواضع، و أوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، و نحن أوصياؤها و أحببنا إنهاء ذلك إلي سيّدنا، فإن أمرنا بإمضاء الوصية علي وجهها أمضيناها، و إن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلي أمره في جميع ما يأمر به إن شاء اللّه.

قال: فكتب (عليه السّلام) بخطّه: ليس يجب لها في تركتها إلّا الثلث، و إن

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 206

______________________________

تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء اللّه «1».

و وجه الاستدلال بها علي المدعي أفاد (رحمه اللّه) (بأن الظاهر منها أن التفضل انما هو إمضاء الوصية لا إهداء المال إليه (عليه السّلام)، و يؤكد قوله (عليه السّلام): «و كنتم الورثة»، فإن تقييده (عليه السّلام) بذلك لا معني محصل له غير كون حق إجازة الوصية لهم، و إلّا فهبة المال جائزة، سواء كان قد استحصله عن طريق الإرث أم من غيره) انتهي «2».

و فيه: أن هذا الاستدلال المدعي استفادته من الخبر خلاف الظاهر؛ إذ المستفاد بحسب المتفاهم العرفي أن الإجازة التي تكون مؤثرة هي الإجازة الصادرة من الورثة لا من أي شخص كان.

و بعبارة أوضح أنها لم تكن مسوقة لهذه الجهة، بل المسوق بحسب المتفاهم العرفي هكذا: أيها السائل إذا كانت الوصية متحققة كما تقول:

و تزعم أنك وارث فإذا تفضلت يترتب الأثر و إلّا فلا.

الثاني: ما رواه علي بن الحسن قال: مات محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، و أوصي إلي أخي أحمد بن الحسن، و خلّف دارا و كان أوصي في جميع

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 275، ب 11 من أبواب الوصايا، ح 1.

(2) لاحظ مباني العروة الوثقي: 2/

447.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 207

______________________________

تركته أن تباع و يحمل ثمنها إلي أبي الحسن (عليه السّلام) فباعها، فاعترض فيها ابن اخت له، و ابن عمّ له، فأصلحنا أمره (بثلاثة دنانير)، و كتب إليه أحمد بن الحسن و دفع الشي ء بحضرتي إلي أيّوب بن نوح، فأخبره أنّه جميع ما خلّف و ابن عمّ له، و ابن اخته عرض، و أصلحنا أمره (بثلاثة دنانير)، فكتب: قد وصل ذلك، و ترحم علي الميت، و قرأت الجواب «1».

و هذه الرواية كسابقتها في الدلالة؛ حيث إنها أجنبية عن كون الوصية بعنوان التنفيد، أو العطية، و الحق هو التفصيل الذي بيناه في مطاوي البحث، و لا يترتب علي هذا الانتقال أثر الهبة علي الإطلاق.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 281، ب 11 من أبواب الوصايا، ح 17.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 208

[مسألة 5: لو ادعي الوارث ظن قلة المجاز]

[مسألة] (5): ذكر بعضهم أنه لو أوصي بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة، ثم قالوا: ظننا أنه قليل، قضي عليهم بما ظنوه، و عليهم الحلف علي الزائد، فلو قالوا: ظننا أنه ألف (درهم)، فبان أنه ألف (دينار)، قضي عليهم بصحة الإجازة في خمسمائة (درهم)، و أحلفوا علي نفي ظن الزائد، فللموصي له نصف ألف (درهم) من التركة و ثلث البقية؛ و ذلك لأصالة عدم تعلق الإجازة بالزائد، و أصالة عدم علمهم بالزائد.

بخلاف ما إذا أوصي بعين معينة- كدار أو عبد- فأجازوا ثم ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك أزيد من الثلث بقليل، فبان أنه أزيد بكثير، فإنه لا يسمع منهم ذلك؛ لأنّ إجازتهم تعلقت بمعلوم و هو الدار أو العبد.

و منهم من سوي بين المسألتين في القبول، و منهم من سوي بينهما في عدم القبول، و هذا هو

الأقوي، أخذا بظاهر كلامهم في الإجازة، كما في سائر المقامات، كما إذا أقر بشي ء ثم ادعي أنه ظن كذا، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثم ادعي أنه ظن كذا، فإنه لا يسمع

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 209

منه (1).

بل الأقوي (2) عدم السماع حتي مع العلم بصدقهم في دعواهم إلّا إذا علم كون إجازتهم مقيدة بكونه بمقدار كذا، فيرجع إلي عدم الاجازة، و معه يشكل السماع فيما ظنوه أيضا.

______________________________

(1) الظاهر أن ما أفاده الماتن (قدّس سرّه) تام؛ إذ اللازم العمل علي طبق الظواهر، و العدول عنها يحتاج إلي قيام الدليل الصارف عنه.

(2) إذ تخلف الداعي لا يضر بالقصد الّا أن يكون علي نحو لا يتحقق فلاحظ.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 210

[مسألة 6: المدار اعتبار الثلث حال وفاة الموصي]

اشارة

[مسألة] (6): المدار في اعتبار الثلث علي حال وفاة الموصي، لا حال الوصية، بل علي حال حصول قبض الوارث للتركة إن لم تكن بيدهم حال الوفاة، فلو أوصي بحصة مشاعة- كالربع أو الثلث- و كان ماله بمقدار ثم نقص كان النقص مشتركا بين الوارث و الموصي، و لو زاد كانت الزيادة لهما مطلقا، و إن كانت كثيرة جدا.

و قد يقيد بما إذا لم تكن كثيرة؛ إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجددة، و الأصل عدم تعلق الوصية بها. و لكن لا وجه له؛ للزوم العمل بإطلاق الوصية. نعم لو كان هناك قرينة قطعية علي عدم إرادته الزيادة المتجددة صح ما ذكر، لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة و قلتها، و لو أوصي بعين معينة كانت بقدر الثلث أو أقل ثم حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين، بحيث صارت ازيد من الثلث حال

الوفاة بطلت بالنسبة إلي الزائد مع عدم إجازة الوارث، و إن كانت أزيد من الثلث حال الوصية، ثم زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلث أو أقل، صحت الوصية فيها. و كذا الحال إذا أوصي بمقدار معين كلي كمائة (دينار) مثلا (1).

______________________________

(1) تتلخص هذه المسألة في عدة نقاط:

النقطة الأولي: المدار في اعتبار الثلث علي حال وفاة الموصي لا حال الوصية.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 211

______________________________

و الوجه في ذلك أن الوصية عبارة عن تمليك شي ء للغير معلق علي وفاة الموصي؛ لما علمت في الأبحاث المتقدمة من أن وزان الوصية وزان الواجب المشروط، و من الظاهر الواضح أن الميزان في المشروط هو زمان تحقق الشرط، هذا كله علي ضوء الأدلة المتقدمة كتابا و سنة، فعلي هذا إذا أوصي زيد لعمرو بمال معين و بعد وفاته ننظر في تركته، فإن وجدنا المال بمقدار الثلث أو أقل منه كانت وصيته نافدة، و إذا كان الموصي به أكثر من الثلث فيتوقف نفوذها علي إجازة الورثة.

و امّا ما أفاده (قدّس سرّه) من أن الميزان بزمان حصول قبض الوارث فلا وجه له؛ إذ المفروض بمجرد موت الموصي ينتقل ماله للوارث، و ينتقل الموصي به- إذا لم يكن أزيد من الثلث- إلي الموصي له، و امّا القبض و عدمه فلا مدخلية له في دائرة الحكم.

النقطة الثانية: إذا أوصي الموصي بحصة مشاعة الخ …

ما أفاده (رحمه اللّه) في هذه النقطة لا غبار عليه؛ و ذلك أن الوصية علي هذا النحو لا إشكال فيها، هذا من جهة، و من جهة أخري لا مدخلية للقبض

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 212

______________________________

و عدمه في المقام، فعلي هذا تصبح النتيجة لا وجه لتقديم أحدهم علي الآخر. و هذا بخلاف الدين، فإن دين الميت لا بد من إخراجه من التركة بأي نحو كان، و امّا الوصية فالمقدار الذي يحق للموصي أن يوصي به هو الثلث فقط، فعلي هذا يتحقق الربح في فرض و يتحقق الخسران في فرض آخر، علي كلا التقديرين علي نحو الإشاعة.

النقطة الثالثة: إذا أوصي بثلث تركته و في حال الوصية كان الثلث قليلا،

ثم بعد ذلك تجدد له مال كثير سواء كان بالإرث أو الوصية أو غير ذلك … فهل تجري الوصية في الزائد أو لا؟.

أفاد الماتن (قدّس سرّه) بتعلق الوصية في الزائد متمسكا بالإطلاق الشامل للزيادة الكثيرة، و لزوم العمل علي ضوئه، و بهذا قد نفي القول: بالتقييد، و ما أفاده (رحمه اللّه) هو الحق.

و توضيح ذلك: لو أوصي بالثلث ثم حصلت الزيادة بعد زمن الوصية فربما يقال: لا أثر للوصية في هذه الزيادة، بل الوصية أجنبية عنها؛ و الوجه فيه أننا نشك في إرادة الموصي بأنه هل أراد الوصية في المقدار الزائد أو لا؟ فعلي ذلك مقتضي الأصل عدم إرادته، فتصبح النتيجة لا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 213

______________________________

جريان للوصية في المقدار الزائد المتجدد.

و يلاحظ عليه أنه لا مجال لجريان الأصل العملي مع وجود الأمارة التي هي الظهور من كلام الموصي؛ حيث قال: ادفعوا ثلث مالي لزيد مثلا، نعم لو كان في كلامه قرينة حالية أو مقالية أو كان في كلامه إجمال ففي هذه الحالة لا

مانع من العمل علي ضوء القرينة، أو إجراء الأصل علي ضوء الإجمال، و امّا عند عدم القرينة أو الإجمال فلا إشكال في ترتيب الأثر علي الظهور.

النقطة الرابعة: إذا أوصي بعين معينة كانت الوصية بقدر الثلث أو أقل،

فإذا حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة بطلت بالنسبة الي الزائد، الخ … كلامه.

و هذا لا غبار عليه؛ إذ الوصية في هذه الصورة لا تكون صحيحة بالنسبة إلي الزيادة إلّا مع إجازة الورثة؛ و ذلك لأن العبرة بالثلث في حال الوفاة لا حال الوصية، و إذا فرضنا انعكس الامر تماما، ففي زمان الوصية لم تكن واجدة للشرط و لكن في زمان الوفاة كانت واجدة له فحينئذ الكلام هو الكلام.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 214

[مسألة 7: الوصية بعين معينة بعد تلف بعض التركة]

[مسألة] (7): ربما يحتمل فيما لو أوصي بعين معينة أو بكلي- كمائة (دينار) مثلا- أنه إذا تلف من التركة بعد موت الموصي يرد النقص عليهما أيضا بالنسبة، كما في الحصة المشاعة، و إن كان الثلث وافيا؛ و ذلك بدعوي أن الوصية بها ترجع إلي الوصية بمقدار ما يساوي قيمتها، فيرجع الي الوصية بحصة مشاعة.

و الأقوي عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافيا، و رجوعهما الي الحصة المشاعة في الثلث، أو في التركة، لا وجه له، خصوصا في الوصية بالعين المعينة (1).

______________________________

(1) لا وجه لاحتساب النقص عليهما، و ما قيل: من أن الوصية في المعين راجعة الي الوصية بالكسر المشاع فلا وجه له؛ و ذلك أن الوصية قد تعلقت بالعين الخارجية.

و علي هذا لا وجه لجعل الخسارة علي الوارث، بل لا بد من النظر في الوصية لكي نري هل يمكن نفوذها في العين أو لا؟ فإن أمكن ذلك فبها، و إلّا فلا.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 215

[مسألة 8: حصول مال بعد الموت للموصي]

اشارة

[مسألة] (8): إذا حصل للموصي مال بعد الموت- كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته- يخرج منه الوصية كما يخرج منه الديون، فلو كان أوصي بالثلث أو الربع أخذ ثلث ذلك المال أيضا مثلا، و إذا أوصي بعين، و كانت أزيد من الثلث حين الموت، و خرجت منه بضم ذلك المال، نفذت فيها. و كذا إذا أوصي بكلي (كمائة دينار)- مثلا-. بل لو اوصي ثم قتل حسبت ديته من جملة تركته، فيخرج منها الثلث كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأ، بل و إن كان عمدا و صولحوا علي الدية؛ للنصوص الخاصة. مضافا إلي الاعتبار. و هو كونه أحق بعوض نفسه من

غيره.

و كذا إذا أخذ دية جرحه خطأ، بل أو عمدا (1).

______________________________

(1) يقع البحث حول هذه المسألة من خلال مقامين:

المقام الأول: هل تقتضي القاعدة الأولية صيرورة الميت مالكا بعد موته أو لا؟

الظاهر أن القاعدة تقتضي عدم صيرورة الشخص مالكا بعد وفاته؛ و ذلك أن الأدلة الأولية قاصرة لشمول الملكية للشخص بعد وفاته، بل الدليل قائم علي عدمه؛ إذ المستفاد من خلال أدلة الإرث أن الشخص

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 216

______________________________

بعد موته ينسلخ عن جميع ممتلكاته، و تنتقل جميعها إلي ورثته، ما عدا الوصية بالثلث و الديون؛ فإنها لا تنتقل إلي الوارث.

و كون الشخص بعد موته مالكا لشي ء ما يحتاج إثباته إلي دليل معتبر، و إلّا فلا مجال للتفوه بهذه المقالة.

و ما استدل به في المقام من كون الميت إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته فالصيد ملكه- لأنه قد وضع الشبكة و حيث انه هو الواضع فلا بد أن يكون هو المالك- الظاهر غير كاف في مقام الاستدلال؛ و ذلك لعدم وجود دليل دل عليه.

و عند ذلك تصل النوبة إلي الشك و مقتضي الأصل حينئذ عدم كونه مالكا بعد موته، إلّا أن يقوم إجماع تعبدي علي ذلك، و إلّا فلا يخلو الأمر من شائبة الإشكال.

هذا كله بالنسبة إلي المقام الاول.

المقام الثاني: إذا ثبت دليل ما في مورد من الموارد علي كونه مملوكا للميت بعد وفاته ففي هذه الحالة هل تشمل الوصية هذا المملوك بعد وفاة الموصي أو لا؟
اشارة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 217

______________________________

فيقع الكلام في هذا المقام من خلال جهتين:

الجهة الأولي: القاعدة الاولية.

الجهة الثانية: النص الخاص.

[الجهة الأولي: القاعدة الأولية.]

فأما القاعدة الأوليه فلا بد من النظر في دائرة الوصية، فإذا كانت متأطرة بإطار خاص فلا يحق التجاوز عن هذا الإطار، كما إذا فرضنا أنه أوصي بخصوص ما تركة حتي وفاته لا ما تركه فيما يكون مملوكا بعد الممات، فمن الواضح في هذه الدائرة لا تشمل الوصية ما يكون مملوكا له بعد الموت؛ إذ الوصية ضيقها و سعتها دائرة مدار قصد الموصي، و المفروض أنه لم يقصد أكثر من هذه الدائرة، فعلي هذا لا يكون المملوك بعد الموت مندرجا تحت الوصية.

و امّا إذا فرضنا أنه أطلق العنان للوصية، فأوصي بما ملكه في حال حياته و ما يملكه بعد مماته، ففي هذه الصورة لا إشكال في شمول الوصية لما يملكه بعد الموت، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الموصي عارفا بالمسائل الشرعية و كان متوجها لذلك أو لا يكون متوجها للمسألة فالمدار إذا في قصده و عدمه، فإذا قصد ذلك تصح الوصية بلا شك و لا ريب، و امّا إذا حصل الشك في مورد من الموارد ففي هذه الصورة تكون

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 218

______________________________

النتيجة تابعة لأخس المقدمتين؛ لأن الشك المزبور شك في مقام الجعل، و مقتضي القاعدة عدم السعة، فعلي هذا لا تشمل الوصية ما يملكه بعد موته.

هذا كله بحسب القاعدة،

[الجهة الثانية: النص الخاص.]

و امّا بحسب النص فإليك النصوص الواردة في المقام و هي كما يلي:

1- ما رواه يحيي الأزرق:

عن أبي الحسن (عليه السّلام) في رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالا، فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟

قال: نعم.

قلت: و هو لم يترك شيئا؟

قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه «1».

2- ما رواه أبو بصير المرادي:

قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن رجل قتل و عليه دين و ليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين؟

فقال: إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 364، ب 24 من أبواب الدين و القرض، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 219

______________________________

للقاتل ضمنوا الدية للغرماء، و إلّا فلا «1».

فهذه الرواية تامة من حيث السند و الدلالة.

3- ما رواه محمد بن قيس:

قال: قلت له: رجل أوصي لرجل بوصيّة من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ- يعني الموصي- فقال: يجاز لهذا الوصيّة من ماله و من دينه «2».

4- ما رواه محمد بن قيس أيضا:

عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قضي أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أوصي لرجل بوصية مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثا، أو ربعا، أو أقل من ذلك، أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصي فودي، فقضي في وصيّته أنّها تنفذ من ماله و من ديته كما أوصي «3».

و لا فرق في ذلك بين أن يكون قتله خطأ أو عمدا؛ و ذلك أن التصريح بالخطإ في أحد الخبرين من كلام الراوي لا من كلام الإمام (عليه السّلام)

______________________________

(1) الوسائل: 29/ 123، ب 59 من ابواب القصاص في النفس، ح 1.

(2) الوسائل: 19/ 285، ب 14 من ابواب الوصايا، ح 1.

(3) نفس المصدر: ح 3.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 220

______________________________

و العبرة بقول: الإمام (عليه السّلام) لا بقول: الراوي، و مما يؤيد المدعي ما رواه إسحاق بن عمّار، عن جعفر (عليه السّلام): أن رسول الله (صلّي اللّه عليه و آله و سلّم) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالا، فهي

ميراث كسائر الأموال «1».

فقد صرح في متن هذا النص بخصوص العمد، و لكن الرواية من حيث السند ضعيفة بغياث بن كلوب، و مجرد عمل العصابة «2» برواياته ليس دليلا علي توثيقه، و قد تقدم منا في بعض الأبحاث بأن مجرد العمل لا يكون جابرا لضعفه، و لا أدري لما ذا عبر سيدنا الاستاذ عن هذه الرواية بالمعتبرة.

و امّا قول الماتن (قدّس سرّه) (و كذا إذا أخذ دية جرحه خطأ … )؛ إذ من الواضح أنه يكون من أمواله فيكون محكوما بحكم بقية أمواله، لكن هذا خارج عن دائرة البحث؛ إذ الكلام في الملك الحاصل بعد الموت لا الحاصل حال الحياة.

و بهذا قد تم البحث حول كتاب الوصية شرحا و تعليقا علي متن

______________________________

(1) الوسائل: 26/ 41، ب 14 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

(2) ذكر ذلك الشيخ في العدة بأنه ممن أجمعت الشيعة علي العمل بروايتهم إذا خلت عن المعارض. لاحظ العدة: 1/ 380.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 221

______________________________

العروة الوثقي لسيد الطائفة السيد كاظم اليزدي (قدّس سرّه) من محاضرات سيدنا الاستاذ المعظم، سماحة أية اللّه العظمي الحاج السيد تقي الطباطبائي القمي (دام ظله الشريف) سائلا من المولي (عز و جل) و متوسلا بالأئمة الأطهار (عليهم السّلام) أن يمتعنا بطول بقائه و أن لا يحرمنا من فوائده و علمه.

و كان الفراغ من آخر محاضرة ألقاها سماحته في درسه الساعة العاشرة و النصف صباحا، المصادف الثلاثاء الموافق 19/ شوال لعام 1417 ه علي مهاجرها آلاف التحية و السلام، و كان الفراغ من تبيض هذه الصفحات علي يد أقل الطلبة الراجي شفاعة مولاه زهير بن الحاج يوسف الدرورة السنابسي عفي الله عنه و عن والديه، في

الساعة الحادية عشرة ليلة الأربعاء الموافق 20/ شوال 1417 ه؛ و ذلك بجوار مرقد الطاهرة المعصومة كريمة الإمام موسي بن جعفر عليه آلاف التحية و السلام، و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و صلّي اللّه علي محمد و آله الطيبين الطاهرين، و العن الدائم المؤبد علي أعدائهم أجمعين من الآن إلي قيام يوم الدين.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 222

المبحث الثّاني الشركة

ااشارة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 225

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* كتاب الشركة فصل في احكام الشركة و هي عبارة عن كون الشي ء الواحد لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا (1)

[في معني الشركة]

اشارة

______________________________

(1) لا يخفي أن الشركة في المعني اللغوي عبارة عن اشتراك متعدد في أمر ما، و لا فرق بين الشّركة و الشّركة، بل هما سواء؛ و هي مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا بمعني تشاركنا، و قد اشترك الرجلان و تشاركا، و شارك أحدهما الآخر.

و هذا المعني الواسع الشامل لكل مصداق و فرد ليس محلا للكلام بين الفقهاء، بل محل البحث فيما ذكره الماتن (قدّس سرّه) بالمعني الخاص، و هو عبارة عن كون الشي ء الواحد لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا.

و ما ذكره ظاهر في مصاديقه بوضوح، و يتضح أيضا بهذا المثال: دار لزيد و عمرو، فعلي هذا يكونان شريكين فيها- أي في العين الخارجيه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 226

______________________________

و هي الدار- هذا من جهه، و من جهة اخري يكون الاشتراك في المنفعة؛ و ذلك فيما اذا اشترك كل من زيد و عمرو في منفعة بستان ما، الي غير ذلك من المصاديق، و ثالثة يكون الاشتراك في حقّ من الحقوق، و من أجلي مصاديقه إرث الخيار، علي فرض الالتزام به، بناء علي القول بأنه ينتقل من الميت إلي الوارث، ففي ضوئه يكون الاشتراك مع الوارث.

[التقابل بين الملك و الحق]

و حيث ان الماتن قابل بين الحق و الملك فلا بد من تحقيق ما أفاده (قدّس سرّه) لكي نري ما هو الحق الحقيق الذي يجب أن يتبع؟

الذي يجول في الذهن بعد التمعن فيما أفاده أنه لا وجه لهذه المقابلة، حيث لا أرضية لها في عالم الواقع و الحقيقة، و بعبارة اجلي لا تقابل بين الملك و الحق، و لذا نلاحظ في تعريفهم للخيار عند ما يعرفونه يعبرون عنه بالملك، اي ملك فسخ العقد، فعليه أيّ فرق بين الخيار و

بين كون شخص مالكا للدار، إذ انما الفرق في المتعلق و الموضوع، فتارة يكون الشخص مالكا للعين، و أخري للمنفعة، و ثالثة لحل العقد و فسخه.

ففي ضوء هذا التقسيم يكون الجامع بين جميع الأقسام واحدا لا غير، و هي الملكية، فعليه لا يوجد تقابل بين الملك و الحق، كما يظهر

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 227

______________________________

من عبارته أعلي الله مقامه.

نعم: الحق المعبر عنه بالملك يختلف بحسب المستفاد من الدليل الشرعي، فقد يكون بعض الأحيان حكميا، و أخري حقيا، و لا مشاحة في الاصطلاح؛ إذ تارة يكون الشخص مالكا لفسخ العقد و حله، و هذه الملكية غير قابلة للزوال و الإسقاط، و هذا ما يسمي بالخيار الحكمي، و أخري يمكنه إسقاط الحق فيطلق عليه الخيار الحقي، و علي قول آخر يمكنه ان ينقله إلي غيره، و هذه الجهة لا توجب افتراقا جذريا بين الحق و الحكم، بل هو أمر واقعي لا مجرد اصطلاح فقط؛ و بتعبير صريح لا فرق بين الملك و الحق، بل كلاهما من واد واحد،- و هو الملكية- و إنما الاختلاف في المتعلق و الموضوع لا غير.

و علي صعيد آخر لا بد من طرح هذا التساؤل أيضا، و هو ما هو المراد في عبارته (قدّس سرّه) من قوله: أو حقا؟ و بأي وجه يتحقق في الخارج؟

الظاهر من عبارته- و سوف يأتي التعبير في طي كلامه- أنه يتحقق في ضمن دائرة الإرث، و هو فيما إذا انتقل الخيار إلي الوارث، فعليه يكون هذا الحق المقابل للملك مشتركا بين الورثة، و لا يتم هذا إلا بالالتزام بأمرين و هما كما يلي:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 228

و هي (إما واقعية قهرية)

(1) كما في المال أو الحق الموروث، (و إما واقعية اختيارية) من غير استناد إلي عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضا مواتا بالاشتراك، أو حفرا بئرا أو اغترفا ماء، أو اقتلعا شجرا.

______________________________

1- أن نلتزم بإرث الخيار، و هذا محل الكلام و الإشكال، و قد استوفينا البحث حوله في بحث الخيارات علي متن مكاسب الشيخ الأعظم أعلي الله مقامه، فإذا شئت فراجع «1».

2- أن يكون إرث الخيار من مصاديق الاشتراك في الحق، علي فرض كون كل واحد من الورثة مالكا لهذا الحق.

و أمّا علي القول بأن الوارث عبارة عن المجموع فلا تبقي موضوعية لهذا الكلام، كما هو ظاهر واضح، هذا كله بالنسبة إلي ما أفاده بداية.

[أقسام الشركة]

[الشركة الواقعية القهرية]

(1) المراد من الواقعية في طي كلامه مقابل الظاهرية، و أمّا ما أفاده بالنسبة إلي المال فهو في تمام الوضوح و لا يحتاج إلي إطالة البحث؛ إذ الدار التي يرثها زيد و عمرو من المورّث لا إشكال في كونها مشتركة بين كلا الشخصين، و كذلك المنفعة الموروثة أيضا.

و أمّا بالنسبة إلي الخيار فمتوقف علي نقله إلي الأفراد، و ليس ذلك

______________________________

(1) قد دوناه في ضمن ما قررناه من بحث المكاسب في الدفتر رقم 4- ص 99.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 229

(و اما ظاهرية قهرية) (1)، كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما- و لو بفعل أجنبي- بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر، سواء كانا من جنس واحد، كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز بدهن الجوز، أو الخل بالدبس.

______________________________

علي نحو المجموع.

و أمّا بالنسبة إلي الواقعية الاختيارية فيتضح ذلك من خلال ما ذكره (قدّس سرّه) من التمثيل، فيما إذا اغترف زيد و عمرو

باختيارهما ماء، فعليه يكون الماء المغترف مشتركا بينهما، و بناء عليه فما أفاده ظاهر في مصاديقه، و إن كان في بعضها إشكال كإرث الخيار.

[الشركة الظاهرية القهرية]

(1) ما أفاده لا يمكننا المساعدة عليه؛ و ذلك أن رتبة الحكم الظاهري في قبال رتبة الحكم الواقعي، و إنما الاختلاف بين كلتا الرتبتين؛ إذ إن رتبة الحكم الظاهري متوقفة علي الجهل و الشك، و أمّا في حالة العلم فلا مجال لأن يقال ان حكمه حكم ظاهري.

و بتعبير آخر، إنما يتحقق الحكم الظاهري و يمكن القول به فيما إذا كان الحكم الواقعي غير معلوم لنا، ففي هذه الحالة يصح التعبير أن نقول هكذا: بحسب الظاهر الحكم الفلاني كذا …

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 230

______________________________

و أمّا إذا كان الواقع معلوما فلا يبقي موضوع للظاهر حتي يكون هناك حكم أو لا.

و لذا تصدّي الفقهاء للجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي، فيما إذا كان الواقع محفوظا في محله، و لكن مجهول عند ما، و في قبال هذا المجهول حكم ظاهر.

و قد اتضح ذلك في أكثر الأبحاث في المثال المشهور عندهم بين صلاة الجمعة و الظهر؛ إذ لا ندري في زمن غيبة الامام صاحب العصر «روحي لتراب مقدمه الفداء» أن صلاة الجمعة أ هي واجبة أم لا؟ و ذلك لعدم وصول دليل علي وجوبها أو عدم وجوبها، حتي نحكم من من خلاله علي الوجوب أو العدم، ففي هذه الحالة لا بد من النظر إلي الحكم الظاهري لكي نري هل يمكن الجمع بينه و بين الحكم الواقعي او لا؟

الجواب: ليس مقامنا هو كيفية الجمع بين كلا الحكمين؛ و ذلك لدخول هذا البحث في بحث أصول الفقه، و لكن ما نريد أن ننبه عليه

هو أنه إذا كان الحكم الواقعي معلوما لدينا فلا مجال لأن نقول بأن الحكم ظاهر، أو شركة ظاهرية، و إليك توضيح المدعي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 231

______________________________

توضيح المدعي:

إذا امتزج أحد المالين بالآخر فتارة يكون الامتزاج موجبا لصيرورة الخليطين شيئا واحدا مباينا لكلا الخليطين، و اخري لا يكون كذلك، و مثال ذلك فيما إذا اختلط أو امتزج السكر بالخل فينتج من مزجهما شي ء ثالث مباين لكلا الخليطين تماما، و بهذا يطلق عليه السكنجبين، و عليه يكون السكنجبين مشتركا بين الشخصين- المالك للخل و المالك للسكر- و لا إشكال في ذلك.

و لرب قائل يقول: لو فرضنا أن الشي ء الثالث قد انحل إلي ما كان عليه سابقا- أي رجع إلي الحالة السابقة- بحيث أصبح السكر علي حده، و الخل أيضا، بأي سبب كان، سواء كان بدعاء ولي من أولياء الله، أو غيره من الأسباب الأخري، لا غرو في ذلك، فعلي هذا فما هو الحكم حينئذ بعد أن حكمتم بالشركة الواقعية؟

الجواب: تارة نتحدث علي ضوء الحكم العقلائي و الدخول في سوق العقلاء، و اخري نغض الطرف عن الحكم العقلائي و لا نلحظه في المقام.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 232

______________________________

فعلي هذا نقول: بناء علي الجهة الثانية لا ضير و لا إشكال في بقاء الاشتراك علي حاله في كل جزء من الأجزاء؛ إذ المفروض أن الامتزاج صار سببا في تكوّن هذا الشي ء و جعله شيئا ثالثا، و بعد ذلك صدر الحكم بكونه مشتركا، و من الواضح أن العين المشتركة إذا انفك منها أحد الجزءين عن الآخر لا يزول الاشتراك، بل يبقي علي حاله.

و أمّا بناء علي الجهة الأولي- و هي ملاحظة سوق العقلاء- فلا يبعد

أن يقال- كما في كلام سيدنا الأستاذ «1» أن العقلاء يحكمون بأن هذا الشي ء كان ملكا ممتازا عن الآخر، و بعد ذلك صار مشتركا، و في النهاية يرجع إلي ما كان حاله في الرتبة الاولي لا الثانية، فعلي هذا إذا كان حكم العرف كما قلنا فلا مانع من الالتزام به.

و الوجه فيه: أن الشارع الأقدس ليست له روية خاصة في الأمور العقلائية، و عليه ففي كل مورد يكون من العقلاء حكم في الأمور الاجتماعية و الماليه و غيرها و لم يرد من الشارع ردع بالخصوص، و كذلك لا يوجد دليل علي تغيره فعلي هذا لا مانع من الالتزام به، و بناء علي هذا الأساس يترتب الحكم علي حجية الظواهر كما حققناه في

______________________________

(1) لاحظ مباني العروة: 234.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 233

______________________________

محله، و هكذا، و هكذا … و إلّا لاختلّت جميع القوانين كالظواهر

و غيرها، فإنه لم يرد دليل علي حجيتها، و إنما نلتزم بالحجية لكون ذلك محكوما بالحجية عند العقلاء، و الشارع لم يردع عنه، هذا من ناحية، و من ناحية أخري، كما قلنا إن الشارع الأقدس ليست له روية خاصة في قبال روية العقلاء.

نعم: إذا ورد دليل رادع من قبل الشارع فلا بد من الالتزام به و العمل علي ضوئه و هجران ما حكم به العرف، و إلّا فلا، و علي أية حال إذا كان العرف يري كما قلناه فبها، و أمّا إذا لم يكن كذلك كما إذا فرضنا أن الامتزاج لم يوجب و لم يكن سبا لصيرورة الخليطين شيئا ثالثا فلا يمكن التفوه بهذه المقالة، و هي (أن الاشتراك لم يتحقق في الواقع و مع ذلك يكون متحققا في الظاهر)؛ و

ذلك لا وجه لهذا القول أصلا، هذا كله مع قطع النظر عن الدليل الخاص.

و الوجه فيه: أن المفروض بأن هذا المال لزيد، و المال الآخر لعمرو، و إنما لم يحصل لنا التمييز بين هذا المملوك و بين ذاك الآخر، فالاشتباه عند الحقيقة إنما نشأ في تميز أحدهما دون الآخر، لا أن هذا المال و ذاك المال اختلطا أم لا، فعلي ذلك إذا لم يحصل لنا التمييز فلا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 234

______________________________

يمكننا الحكم بجعل هذا المال لهذا و ذاك المال لذاك، لا أنه نحكم بالاشتراك الظاهري و نحن نعلم بعدم الاشتراك، و مع العلم فلا مجال للحكم بالاشتراك.

نعم: إذا فرضنا أن الحنطة الكربلائية اختلطت مع الحنطة النجفية بلا فرق في أوصاف الحنطة من أي جهة كانت، فعلي الظاهر مما نري من كلمات الأصحاب أن هذا المورد (يدخل في موارد الاشتراك الواقعي و ليس الظاهري، و هذا أمر لا يمكن إنكاره.

و صفوة القول: إذا اختلط احدهما بالآخر و لا يمكن التمييز يكون الحكم في هذه الصورة بالشركة الواقعية.

فتحصّل مما قلناه عدم مساعدة الماتن (قدّس سرّه) فيما إذا كان مراده ما هو ظاهر كلامه، و كأنه اتبع في هذه الجهة صاحب الجواهر في بعض كلماته، و بهذا يتم الكلام حول الصورة الاولي و هي صيرورة الخليطين شيئا ثالثا.

و أمّا إذا اختلط كلاهما مع الآخر و لم يتولد شي ء ثالث مغاير و مباين لكلا الخليطين، كما إذا اختلط دهن اللوز مع دهن الجوز و بقي الجوز مميزا، و لكن الاختلاف في الوجود لا غير.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، در يك جلد، المقرر - چاپخانه امير، قم - ايران، اول،

1419 ه ق مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم؛ ص: 235

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 235

______________________________

فالظاهر في هذه الصورة أن العقلاء و الشارع الأقدس يحكمان بتحقق الشركة، مضافا إلي ذلك كله أنه يظهر من بعض الكلمات وجود الإجماع في المقام، و كذلك الاتفاق، و أيضا يكون الحكم مماثلا فيما إذا افرض عدم تميز أحدهما عن الآخر بعد عملية الامتزاج و الاختلاط.

و لا إشكال في أن الشركة في المقام هي شركة واقعية لا ظاهرية، بل لا يمكن التفوّه بالظاهرية علي الإطلاق.

و لرب تسأل ما هو الحكم في المقام عند حالة الشك؟

الجواب: مقتضي الاستصحاب عدم الحكم بالشركة الواقعية في حالة الشك. و إليك بيان ذلك: عند ما نواجه هذه الحالة ننظر إلي عالم الشرع لكي نري هل حكم الشارع الأقدس في هذه الصورة بالشركة الواقعية بين المالكين أم لا؟

بطبيعة الحال نجري الأصل العملي في مثل هذه الحالات، و الأصل المحكّم هنا هو الاستصحاب، و مقتضاه عدم الحكم بالشركة الواقعية؛ و لا يخفي علي الخبير المتأمل أن الاستصحاب إذا جري في الأمر العدمي لا مجال لأن يقال بمعارضته مع استصحاب عدم الجعل الزائد، إذ المراد و المقصود من الاستصحاب ضمن هذه الدائرة هو استصحاب

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 236

______________________________

عدم الجعل، و بهذا التوضيح الجلي لا يبقي مجال للتفوّه بالمعارضة.

فإذا عرفت كل ذلك، فيسهل عليك أن تفهم ما يدور في مقام إجراء الأصل العملي في حالة الشك، فعليه نقول: لا يخلو المقام من طرح صور ثلاث و هي كما يلي:

1- أن يحصل لنا الاطمئنان و العلم بحكم العرف بالشركة الواقعية، كما تبين ذلك من الأمثلة المتقدمة، ففي هذه الصوره لا غرو و

لا إشكال في تحقق الشركة.

2- أن نعلم بعدم الحكم من قبل العقلاء، ففي هذه الحالة لا إشكال في الحكم بعدم الشركة، و هذا واضح ظاهر.

3- أن يحصل لنا الشك بذلك، و في هذه الصورة يكون الحكم كما في الصورة الثانية؛ و ذلك بمقتضي الاستصحاب.

توضيح ذلك: إذا قامت شبهة في البين قد نشئت من كثرة الخليطين، كما إذا اختلط كل من الشعير و الحنطة، و لا يمكننا تميز احدهما عن الآخر، ففي هذه الصورة ما هو الحكم؟ هل نحكم بالشركة الحكمية كما هو الظاهر من عبارة سيد المستمسك «1» أم لا؟

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة الوثقي: 13/ 7.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 237

______________________________

الجواب: إذا فرضنا في المقام أن الشركة الواقعية غير متحققة، و الظاهرية لا واقع لها، كما يسلّم هو بذلك أيضا، فعلي هذا كيف يحكم بأن الشركة في هذه الصورة شركة حكمية؟! حيث قال: لا يجوز لأحدهما التصرف بدون إذن الآخر؛ و ذلك لعدم التميز، و هذا بطبيعة الأمر غير تام، بل لا نري وجها لتسمية هذه الشركه بالشركة الحكميه، و انما نقول:

ان هذه الصورة من موارد خلط أحد المالين بالآخر، و أمّا قولنا لا شركة واقعية و لا ظاهرية و مع ذلك عندنا قسم ثالث- و هي الشركة الحكمية- فالظاهر لا وجه له؛ إذ مجرد عدم جواز التصرف لا يقتضي إطلاق اسم جديد، ألا و هو الشركة الحكمية، بل هو مطلب آخر لا ربط له بالمقام.

فتمخض مما بيّناه و وضحناه أن الميزان الكلي يكون بهذه الكيفية، و هي: إذا صار الامتزاج سببا لصيرورة الخليطين شيئا ثالثا و ماهية اخري- و لو بالنظر العرفي- فيتحقق الاشتراك من دون كلام.

و أمّا إذا صار الشيئان

المختلطان و الممتزجان شيئا واحدا، و الاتصال مساوق مع الوحدة، ففي هذه الحالة تتحقق الشركة الواقعية، و يكون الأمر أمرا حقيقيا موافقا مع البرهان الفلسفي.

و أمّا إذا فرضنا لا هذا و لا ذاك، بل لم يكن شيئا واحدا، فالظاهر أن

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 238

(و إمّا ظاهرية اختيارية) كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة، فإن مال كل منهما في الواقع ممتاز عن الآخر، و لذا لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله (1)، و أمّا الاختلاط مع التمييز فلا يوجب الشركة (2) و لو ظاهرا؛ إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري (3) أو القرعة.

______________________________

العرف يحكم بالشركة الواقعية كامتزاج الحنطة بمثلها.

[الشركة الظاهرية الاختيارية]

(1) قد ظهر الاشكال في طي البحث المتقدم.

(2) علي ما هو الظاهر؛ إذ لا مقتضي للشركة.

(3) المراد من الصلح القهري هو ما يقابل الصلح الاختياري، و سوف يتضح ذلك في طي كلامه الآتي، و الصلح القهري هنا هو ما اجبر عليه الطرفان، لا أن المراد منه حصول الصلح قهرا من دون اي سبب يذكر من الأسباب، و لا ما أفاده سيد المستمسك، من كون المراد من الصلح القهري هو الشركة الحكمية «1»، و عليه يلاحظ علي هذا البيان أمران:

الأمر الأول: قد تقدم في مطاوي البحث أنه ليس للشركة الحكمية

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقي: 13/ 10.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 239

______________________________

وجه معتبر.

الأمر الثاني: كيف يمكن أن نفسر الصلح القهري بالشركة الحكمية مع تصريح الماتن (قدّس سرّه) بدوران الأمر بين الصلح القهري و القرعة، إذ في ضوء ما أفاده الحكيم ((طاب ثراه)) لا يبقي مجال لذكر القرعة بعد ذلك، و لا الترديد أيضا، و انما الصحيح هو ما بيّناه هذا

كله ما يرجع إلي ما أفاده سيد المستمسك (قدّس سرّه).

و أمّا ما أفاده الماتن ((طاب ثراه))، فلرب قائل يقول لا وجه للترديد في مثل هذا الكتاب، حيث انه كتاب قد اعدّ للفتوي.

الظاهر أن هذا التساؤل قد يدور في خلد البعض لأول وهلة، و لكن بعد التمعن لا يبقي لهذا السؤال أرضية علي بساط البحث، و يتضح لك ذلك بهذا البيان: و هو أن المفتي إذا صدّر الفتوي في حق المقلّد بأنه يجب عليه أن يصلي صلاة الظهر إمّا قصرا أو تماما، و كان غرضه من هذا الترديد هو حالة المكلف، فإذا كان مسافرا يجب عليه القصر و إن كان حاضرا يجب عليه التمام، فإذا كان الترديد بهذه المثابة فالظاهر لا إشكال فيه و لا ريب يعتريه، و المقام من قبيل هذا النحو؛ إذ ربما يكون الخليط مع الاخر مميزا و كل واحد مشخصا عن الآخر فلا وجه حينئذ للإشاعة،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 240

______________________________

هذا مع كون المالك مجهولا بحيث لا يعلم من هو، و في هذه الحالة تكون المحكّمة هي القرعة، علي ما رامه (رحمه اللّه)، و بها يحصل التعيّن لكل واحد منهما.

و اخري يختلط مقدار من الشعير و لا يمكن إفراز أحد الخليطين عن الآخر، بحيث يكون الأمر متعسرا، أو لا يكون كذلك، بل يمكننا إفرازه، و لكن التكاليف التي تصرف في افرازه اكثر من أصل القيمة، ففي هذه الصورة لا بد من المصالحة بين الطرفين، حتي يرتفع النزاع، هذا كله إذا كان المالك مجهولا.

و ثالثة: قد يجتمع الأمران بحيث تكون كلفة الإفراز من حيث القيمة أكثر، و كون المالك مجهولا، ففي هذه الصورة نحتاج الي أمرين:

الأول: تمييز المالك بالقرعة.

الثاني: الصلح.

و

الذي يجول في الذهن أن المصالحة بين المالكين لا تتوقف علي معرفة المال، بل افرض أن المال غير معلوم من حيث المالك، فأيّ موجب لتخصيص المالك حتي يقال: نحتاج إلي القرعة. نعم، في بعض الفروض نحتاج إليها، كما إذا فرضنا أن أحد الخليطين اغلي قيمة من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 241

(و إما واقعية) مستندة إلي عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء أو الهبة أو نحوها (1).

______________________________

الآخر، و كل من الشخصين يتنازع عليه، ففي هذا الفرض لا يمكننا جريان التصالح؛ و ذلك للزوم الضرر علي من كان له حقيقة، و بهذا يكون المتعين هو القرعة، علي فرض جريانها و الالتزام بها.

و بهذا البيان و الإيضاح يكون ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) هو الصحيح، و لا غبار عليه.

[الشركة الواقعية مستندة إلي عقد غير عقد الشركة]

(1) الذي يتصور في حصول الشركة بالشراء، أو الصلح، أو الهبة، أو نحوها، أن يشتري كل منهما كسرا مشاعا.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 242

[الشركة بنحو التشريك]

(و إما واقعية) منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله، كما إذا اشتري شيئا فطلب منه شخص أن يشركه فيه، و يسمي عندهم بالتشريك، و هو صحيح لجملة من الاخبار (1).

______________________________

(1) منها ما رواه هشام بن سالم و محمد بن مسلم:

1- هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: سألته عن الرجل يشارك في السلعة؟

قال: إن ربح فله، و إن وضع فعليه «1».

2- محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها، فأتي رجل من أصحابه، فقال:

يا فلان، انقد عني ثمن هذه الدابة و الربح بيني و بينك، فنقد عنه فنفقت الدابة.

قال: ثمنها عليهما؛ لأنه لو كان ربح فيها لكان بينهما «2».

إلي غير ذلك من النصوص الواردة في هذا الباب و غيره، و هذا هو المعروف بين القوم، و لا يحتاج إلي القيل و القال و النقض و الابرام.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 5/ ب 1 من أبواب الشركة، ح 1.

(2) المصدر نفسه: ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 243

(و إما واقعية) منشأة بتشريك كل منهما الآخر في ماله، و يسمي هذا بالشركة العقدية و معدود من العقود، ثم إن الشركة قد تكون في عين، و قد تكون في منفعة، و قد تكون في حق، و بحسب الكيفية إما بنحو الإشاعة و إما بنحو الكلي في المعين (1).

______________________________

و لرب متوهم يتوهم أن الشركة في المقام في قبال الشركة العقدية، و لكن هذا التوهم خلاف التقسيم؛ إذ الشركة

تتحقق علي نحوين:

أ- الشركة بنحو التشريك، التي هي مفاد الرويات.

ب- الشركة العقدية، و التي سوف نتعرض لها عند تعرض الماتن (قدّس سرّه) لذلك.

[الشركة العقدية]

(1) عن (الجواهر) عدم الإشكال في صدق الشركة معه، و لا إشاعة، اللهم إلّا أن يراد منها عدم التعيين.

و أورد عليه السيد الحكيم في مستمسكه، بقوله: و ما ذكره غير ظاهر، فإن معني الشركة في المملوك هو كون الملك علي نحو الجزء المشاع، كما ذكره الأصحاب، و حمل الإشاعة علي معني عدم التعيين خلاف المقطوع به من كلامهم، فحملها علي ذلك لا مقتضي له.

و عليه فلا شركة في المقام، و لا وجه لنفي الإشكال في صدقها، إلّا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 244

______________________________

أن يراد بها الاشتراك في عنوان من العناوين، و المماثلة فيه كما في البيت الواحد، الذي يملك حجارته شخص و خشبه آخر، و طينه ثالث، فإن هؤلاء اشتركوا في وصف من الأوصاف، و هو تملك شي ء من هذا البيت، و الشركة في ملك الصاع من الصبرة من هذا القبيل لاشتراك المالكين في صفة المالكية في الصبرة، و إن اختلف المملوك، و هذا خلاف معني الشركة في المملوك التي هي محل الكلام «1». انتهي كلامه زيد في علو مقامه.

و أورد عليه سيدنا الأستاذ من دون ذكر اسمه، بل عبر عنه كما في تقريره الشريف بهذه العبارة (و قد أورد عليه في بعض الكلمات «2») و إليك تقريب الإبراد: و هو أن قياس المقام علي مثال الدار قياس مع الفارق. و توضيح ذلك: أن الشركة في الشي ء الواحد تتوقف علي وحدة الوجود في الخارج بنظر العرف حتي يقال: ان هذا الوجود الواحد لهذا أو لذاك بنحو الاشتراك، و أمّا إذا

كان في الخارج موجودان أو ثلاثة أو أربعة …، بحيث يكون كل واحد لشخص ما فلا موضوع في المقام، و هذا

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة الوثقي: 14/ 13.

(2) انظر مباني العروة الوثقي: 238.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 245

______________________________

خارج تخصصا. و عليه فلا معني لأن يقال: بأن هذه الدار إذا كان خشبها لزيد و طابوقها لعمرو فهما مشتركان، بل الخشب مملوك لزيد و الطابوق لعمرو، و لكن عند الكلي في المعين ليس الأمر كذلك؛ إذا لكلي وجوده بوجود أفراده، و من هنا فالموجود الواحد في الخارج بالفعل مضاف إلي مالكين، و لكن بنحوين من الإضافة، فإنه و بلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك، و بلحاظ الكلي- الذي هو الثاني- موجود بوجود الأفراد، مضاف و مملوك للمشتري. و الحاصل: أن الوجود الواحد، لما كان مضافا إلي شخصين، تحققت الشركة بينهما فيه و إن اختلفت نحو الإضافة اليهما.

هذا تمام الإيراد الذي أورده سيدنا الأستاذ (قدّس سرّه) علي سيد المستمسك.

و الذي يجول في الذهن، أن هذا البحث خلاف القاعدة، و صرف الوقت فيه يدخل في دائرة التطويل بلا طائل، و خلاصة القول: أنه لا يخلو الكلام من أصعدة ثلاثة: إما أن نتكلم حول ما هو المراد من الشركة في المقام، و إمّا أن يقع الكلام بأن الشركة هل تصدق علي هذا بالمعني الواسع الشامل أم لا.

و إمّا أن يقع البحث حول أحكام الشركة التي تترتب علي الموضوع؛

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 246

و قد تكون علي وجه يكون كل من الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرف، كما في شركة الفقراء في الزكاة، و السادة في الخمس، و الموقوف عليهم في الأوقاف العامة، و نحوها (1).

______________________________

فأمّا علي

الصعيد الأول فما أفاده الحكيم ((طاب ثراه)) هو الصحيح؛ إذ لا إشكال في أن مقصود الفقهاء و الأصحاب (قدّس سرّه) من الملك المشاع هو ما أفاده (قدّس سرّه)، و بناء عليه فما أفاده صاحب الجواهر لا وجه له، و إيراد الحكيم عليه وارد. و أمّا علي الصعيد الثاني فالكلام هو الكلام- اي الحق مع سيد المستمسك- إذ لا اشكال في أن الدار إذا كان مجموعها من الخشب و الطابق و غيره مملوكا لعدة أشخاص، فلا ريب أن العرف يري بحسب رؤيته أن الدار مشتركة لهؤلاء الأشخاص، و لا دليل علي أن هذا الإطلاق يلزم فيه وحدة الوجود في الخارج، لا من طريق القرآن و لا السنة و لا العقل.

و الكلام أيضا كذلك علي الصعيد الثالث، فتحصّل مما قلناه: أن الحق في المقام مع السيد الحكيم.

[شركة الفقراء و السادة و الموقوف عليهم]

(1) لعل المصنف نظر الي ما ورد في رواية أبي المعزاء عن ابي عبد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 247

______________________________

الله (عليه السّلام)، قال: إن الله تبارك و تعالي أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلي غير شركائهم «1».

و لكن في باب الزكاة اختلاف الحكم باختلاف الموارد، و أمّا الموارد التي تعرض لها الماتن (قدّس سرّه)، من الزكاة، و الخمس، و الوقف، فنتعرض أولا لما يتعلق بالزكاة ثم نعطف البحث إلي الخمس، و نعقّبه بالوقف؛ و عليه نقول: أمّا بالنسبة إلي الزكاة فيختلف الامر علي ما نري في بعض الأقسام دون الاخري؛ فتارة يكون علي نحو الإشاعة، و اخري علي نحو الكلي في المعين، و ثالثة علي نحو الشركة في المالية، كما في بعض الروايات «2»، و تحقيق هذا موكول إلي محله، و قد

استوفينا البحث في بعض كتاباتنا، هذا كله ما يرجع إلي الزكاة.

و أمّا ما يرجع إلي الخمس فقد ذكرنا في بحث الخمس علي متن العروة أن ما يستفاد من الأدلة و الآية الكريمة: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ

______________________________

(1) الوسائل: 9/ 215/ ب 2 من ابواب المستحقين للزكاة/ ح 4.

(2) لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: في خمس قلائص شاة، و ليس فيما دون الخمس شي ء، و في عشر شاتان، و في خمس عشرة ثلاث شياه، و في عشرين أربع، و في خمس و عشرين خمس، و في ست و عشرين بنت مخاض إلي خمس و ثلاثين. الوسائل: 9/ 110، ب 2 من ابواب زكاة الأنعام، ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 248

______________________________

شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ.. الآية «1» هو الإشاعة، و بهذا يختلف الخمس عن الزكاة من هذه الجهة.

و أمّا بالنسبة إلي الأوقاف فكل بحسبه؛ فتارة يكون صرف الوقف المجعول من طرف الواقف في أقسام خاصة، و علي هذا لا موضوع للشركة فيه،- حيث لا ملك في المقام.

و اخري يكون الموقوف عليه مالكا للانتفاع، و هذا أيضا كسابقه خارج عن محل الكلام.

و ثالثة يكون علي نحو التمليك لطائفة خاصة، سواء كان وقفا عاما أو خاصا لا فرق في ذلك، و هذا أيضا لا مجال لشركة الأفراد فيه؛ و ذلك أن الأفراد كما في الزكاة و الخمس لا يكونون مالكين، بل المالك هو الجامع، و لذا لو مات أحد الأفراد لا ينتقل سهمه إلي وارثه، و لا مجال للقول بالشركة إلا علي القول بالأفراد.

و توضيح ذلك: أن الشركة لا تتصور إلّا علي نحو الإشاعة أو

الكلي في المعين، أو الشركة في المالية، و لا رابع في البين.

و لا تحقق لواحد من هذه الأقسام في المقام. نعم في المشاع يكون

______________________________

(1) الأنفال: 41.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 249

[مسألة] (1): لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال (1).

______________________________

كل من الشريكين مستقلا في التصرف الاعتباري بأن يبيع- مثلا- حصته من العين و يترتب عليه خيار الشفعه، و امّا التصرف الخارجي فلا يجوز إلّا بأذن الشريك.

[فصل في أحكام الشركة]

[مسألة 1: عدم صحة الشركة في المنافع]

اشارة

(1) قبل الخوض فيما أفاده (قدّس سرّه) لا بد من الإشارة إلي ضابط كلي، ألا و هو الميزان الكلي في باب الوضعيات عند عدم الدليل الخاص، و نتيجة هذا الضابط هي ضيق الدائرة، و هذا بخلاف الأمور التكليفية فإن النتيجة فيها التوسعة. و إليك توضيح ذلك: أن في كل أمر وضعي كالملكية، و الزوجية، و نحوهما، تكون النتيجة التضييق؛ إذ لو شككنا في تحقق الملكية بسبب ما و عدمه يكون مقتضي الأصل عدمها، و الحال كذلك فيما إذا شككنا في الشركة الفلانية هل تصبح أيضا بلا رعاية الشرط الذي يحتمل وقوعه أم لا؟

الأصل عدم الصحة؛ إذ معني الصحة عبارة عن جعل الشارع الأقدس هذا الأمر مطلقا.

و من الظاهر الواضح أن مقتضي الاستصحاب عدم جعله بنحو الإطلاق، و عدم رفع اليد عن الشرطية.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 250

______________________________

و لا تتوهم بأن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم جعل التقييد؛ و ذلك أن المفروض في مثل هذه المعارضة لا توجب نفعا و نتيجة في المدّعي؛ إذ عدم جعل المقيد يكون مقتضيا لجعل الإطلاق، إلا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به، مضافا إلي وجود المعارضة من هذا الطرف أيضا؛ و ذلك أن عدم لحاظ الإطلاق يوجب

وجود التقييد.

ففي ضوء ما وضحناه تكون النتيجة هكذا: أن في كل مورد شككنا في الأمور الوضعية تكون الدائرة مضيقة، و هذا عكس باب التكاليف، فالنتيجة هي التوسعة؛ و ذلك بمقتضي البراءة و الاستصحاب فيكون الأمر عدم التكليف- أي لا يكون المكلف مكلفا بالزائد- فافهم و اغتنم.

إذا عرفت كل ذلك فنرجع إلي ما أفاده الماتن (قدّس سرّه)، مستعرضين قبل ذلك ما أفاده سيدنا الأستاذ (قدّس سرّه) في المقام، و إليك نص كلامه، حيث قال: أمّا بناء علي اعتبار الامتزاج في عقد الشركة فالأمر واضح، نظرا لعدم امكانه؛ إذ لا معني لامتزاج دين كل منهما بدين الآخر، فإن كلا منهما مستقل في الوجود و منحاز عن الآخر.

و أمّا بناء علي عدم اعتباره، كما لم يستبعده الماتن (قدّس سرّه)، نظرا لعدم الدليل عليه غير الإجماع المدعي في كلمات البعض علي ما سيأتي في

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 251

______________________________

المسألة الرابعة، فلأن حقيقة الشركة هذه ترجع إلي تمليك كل من المتعاقدين حصة مما له في ذمة مدينه للآخر، بإزاء تمليكه له حصة مما له ذمة مدينه، فهي في الحقيقة معاوضة بلفظ الشركة و هي ممنوعة، لنهي النبي (صلّي اللّه عليه و آله) عن ببيع الدين بالدين، فإن المنصرف منه هو النهي عن المعاوضة بالدين مطلقا، و من غير اختصاص بعنوان البيع كما يشهد له ما ورد في جملة من النصوص من النهي عن قسمة الدين، بان يجعل تمام ما في ذمة المدين الأول لأحد الورثة في قبال كون تمام ما في ذمة المدين الثاني للوارث الآخر، فإنها تؤكد منع الشارع المقدس عن تعويض الدين بالدين، و مبادلته، تحت اي عنوان من بالعناوين. انتهي «1».

و يرد عليه: أن

هذا العنوان- و هو النهي عن معاوضة الدين بالدين- إنما يختص بالبيع فقط، و أمّا سريانه و الالتزام بعدم الجواز في مطلق المعاوضة فلا يمكن القول به، و لا وجه يد عمه، بل لا بد من الالتزام بمقدار ما دل عليه الدليل، و هو بيع الدين بالدين، و أمّا الزائد علي هذا المقدار فلا يمكن الالتزام به. و بناء علي هذا إذا قلنا بأن الامتزاج ليس شرطا، و قلنا ان المقتضي للجواز موجود، فعليه نلتزم بالجواز، و لا يكون

______________________________

(1) مباني العروة الوثقي: 242.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 252

بل الأعيان، فلا تصح في الديون، فلو كان لكل منهما دين علي شخص فأوقعا العقد علي كون كل منهما بينهما لم يصح، و كذا لا تصح في المنافع (1).

______________________________

النهي الوارد عن بيع الدين بالدين مانعا، في المقام؛ إذ البيع خارج عن نطاق البحث.

(1) أمّا علي فرض الاشتراط الامتزاجي فعدم الصحة واضح ظاهر، و أمّا إذا قلنا: بأنه لا يشترط الامتزاج في صحة الشركة العقدية فما هو مقتضي القاعدة؟!

الظاهر لا يمكن الالتزام بالصحة،

و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجوه أربعة:
الوجه الأول: الإجماع:

و هذا الدليل متداع من جميع أطرافه، و مخدوش من جميع جوانبه، و الخدشة فيه ليس عدم حجيته فقط، و إنما لا يمكن الاعتماد و التعويل عليه من جهة اخري؛ و ذلك لكونه دليلا لبيا و لا يتضمن الإطلاق أو العموم، حتي يشمل جميع الموارد، بحيث يقال: ان الإجماع قائم علي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 253

______________________________

الصحة، و لم يقيد فيه هذا الشرط.

أضف الي ذلك كله أن هذه الجهة مورد الخلاف و النزاع؛ إذ وقع البحث علي شرطية الامتزاج و عدمها. فالحاصل: أن الإجماع لا يمكن القول به.

الوجه الثاني: النصوص:

و هي كما يلي:

1- هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يشارك في السلعة؟

قال: إن ربح فله، و إن وضع فعليه. «1»

2- محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها، فأتي رجل من أصحابه، فقال يا فلان، انقد عني ثمن هذه الدابة و الربح بيني و بينك، فنقد عنه فنفقت الدابة.

قال: ثمنهما عليهما لأنه لو كان ربح فيها لكان بينهما «2».

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 5/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 1.

(2) الوسائل: 19/ 5/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 254

______________________________

3- داود الأبزاري، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل اشتري بيعا و لم يكن عنده نقد، فأتي صاحبا له و قال: انقد عني و الربح بيني و بينك فقال: إن كان ربحا فهو بينهما، و إن كان نقصا فعليهما «1».

4- إسحاق بن عمار، قال: قلت للعبد الصالح: الرجل يدل الرجل علي السلعة فيقول: اشترها ولي نصفها، فيشتريها

الرجل و ينقد من ماله، قال: له نصف الربح.

قلت: فإن وضع يلحقه من الوضيعة شي ء؟

قال: عليه من الوضيعة كما أخذ الربح «2».

5- أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، في الرجل يشاركه الرجل في السلعة يدل عليها.

قال: إن ربح فله، و إن وضع فعليه «3».

6- وهيب بن حفص، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يشارك الرجل علي السلعة و يولّيه عليها.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 6/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 3.

(2) الوسائل: 19/ 6/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 4.

(3) الوسائل: 19/ 6/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 5.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 255

______________________________

قال: إن ربح فله، و إن وضع فعليه «1».

7- الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، في الرجل يأتي الرجل فيقول له: انقد عني في سلعة فتموت أو يصيبها شي ء.

قال: له الربح و عليه الوضيعة «2».

8- رفاعة، قال: سألت أبا الحسن موسي عن رجل شارك رجلا في جارية له، و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ء.

فقال: لا أري بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية «3».

هذه جميع النصوص التي يمكن أن يستدل بها علي المدعي، و لا يخفي علي المتأمل عند ملاحظتها يري أن الرواية الاولي ناظرة إلي التشريك و ليس إلي الشركة العقدية، و كذلك الثانية إذ هي أظهر من سابقتها في التشريك، و أمّا باقي الروايات فلا ترتبط بالمقام اصلا، و لا يمكن الاستدلال بها علي الشركة العقدية، فكيف يمكن القول بإطلاقها؟!

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 7/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 6.

(2) الوسائل: 19/ 7/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 7.

(3) الوسائل:

19/ 7/ ب 1 من أبواب الشركة/ ح 8.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 256

الوجه الثالث: قوله تعالي: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ …

«1»

______________________________

و تقريب الاستدلال بالآية الشريفة علي المدعي: أن المراد من التجارة هو مطلق الاكتساب، و النهي الوارد فيها قد سلّط علي الأكل بالباطل. و علي هذا فإنّ مقتضي اطلاقها عدم القيد، فعلي هذا نلتزم بالشركة العقدية، فتصبح النتيجة: عدم الفرق بين العين، و الدين، و المنفعة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بالآية الكريمة.

و يلاحظ علي هذا التقريب أمران:

أ- أن الجزم بصدق عنوان التجارة في غير البيع في غاية الإشكال، و قد ذكرنا في بعض أبحاثنا أننا لا يمكننا الجزم بما تفوه به أهل اللغة من كون التجارة مرادفة للبيع، بل من المحتمل اختصاص اللفظ بخصوص البيع، و من الظاهر توقف الإطلاق علي انطباق عنوان الموضوع، و مع عدم الانطباق أو الشك فيه لا مجال للأخذ بالإطلاق كما هو ظاهر عند الخبير بالصناعة، بل مقتضي الأصل- كما بنينا عليه- عدم الانطباق، فإن

______________________________

(1) النساء: 29.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 257

______________________________

مقتضي الاستصحاب عدم كونه موضوعا للأعم.

ب- لا دليل علي أن المراد من التجارة مطلق الاكتساب، فعليه لا مجال للالتزام بالجواز.

فتحصّل: أن هذا الوجه كسابقه أيضا في البطلان.

الوجه الرابع: قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

«1» بتقريب أن الشارع الأقدس حكم بصحة العقود علي نحو العموم الاستغراقي، و في ضوء هذا الاستدلال نحكم بالصحة في كل مورد تحقق العقد في الخارج؛ و ذلك بمقتضي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و بناء عليه لا حاجة لنا بالإجماع و النصوص؛ إذ الآية مقدمة علي جميع هذه الوجوه.

و فيه: قد تقدم منا في أكثر من موضع في مطاوي بعض الأبحاث بأن الآية غير ناظرة إلي الصحة و إنما ناظرة إلي اللزوم.

و توضيح ذلك: أن المستفاد من الآية الشريفة هو ارشاد إلي عدم تأثير فسخ العقد من

قبل المكلف، و إنما فسخه كالعدم و لا أثر له، و يبقي العقد صحيحا و لا إشكال فيه، لا أن الآية ناظرة إلي الحكم التكليفي

______________________________

(1) المائدة: 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 258

______________________________

بحيث إذا فسخ المكلف يكون بهذا قد ارتكب محرما- و العياذ بالله-، و هذا بطبيعة الحال لا يلتزم به فقيه علي الإطلاق، هذا من ناحية.

و من ناحية اخري أن اللزوم يترتب علي الصحة؛ إذ الصحة عارضة علي العقد، و ليس العقد في حدّ نفسه صحيح، بل لا بد من فرضه في الخارج موضوعا ثم يحمل عليه المحمول، و بناء عليه نقول: إن العقد في عالم اللحاظ لا يخلو من جهات أربع، و هي: إما مهمل، أو فاسد، أو صحيح، أو أعم من ذلك، و لا خامس في البين؛ فأمّا الإهمال فهو غير معقول، مضافا الي هذا أنه لا أثر له، و قد ثبت في المنطق أن المهمل في قوة الجزئية.

و أمّا خصوص الفاسد فهو أوضح من أن يخفي، و كذلك الأعم إذ يلحق به في الفساد أيضا؛ و ذلك لا مجال للقول بالأعم مع الالتزام باللزوم، فيبقي الأمر منحصرا بكون العقد الموضوع للحكم هو الصحيح.

فتحصّل: من خلال ما أوضحناه أنه يلزم علينا في الدرجة الأولي أن نحرز الصحيح ثم نحكم بلزومه، و أمّا إذا وصلت النوبة إلي الشك فمقتضي القاعدة الأولية الفساد.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 259

______________________________

إن قلت: يمكننا إثبات المدعي بوجه آخر، ألا و هو الدليل الالتزامي- أي دليل الاقتضاء- و بيان ذلك: أن الشارع الأقدس إذا أشار الي عقد من العقود و قال هذا لازم، ففي هذه الحالة نستكشف من ذلك الصحة؛ إذ كيف يحكم باللزوم

و مع ذلك لا يكون صحيحا، و في المقام كذلك.

قلت: إنما يتم هذا التقريب في القضية الخارجية، حيث ان المولي يشير الي فرد خارجي و يحكم بلزومه، و في هذا المورد مما لا شبة في أن المولي يراه صحيحا؛ إذ كيف يمكن أن يكون العقد فاسدا و في نفس الوقت صحيحا.

و أمّا في القضايا الحقيقية فلا مجال لهذا التقريب؛ إذ القضية الحقيقية شرطية، و الشرطية تتوقف علي صدق المقدم، و هذا بخلاف القضية الخارجية؛ إذ ثبوت شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له، فلاحظ.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 260

بأن يكون لكل منهما دار- مثلا- و أوقعا العقد علي أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف- مثلا- و لو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر، أو صالح نصف منفعة داره (بدينار)- مثلا- و صالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك (الدينار).

و كذا لا تصح شركة الأعمال (1)، و تسمي شركة الأبدان أيضا، و هي أن يوقعا العقد علي أن يكون أجرة عمل كل منهما مشتركا بينهما، سواء اتفق عملهما كالخياطة- مثلا- أو كان عمل أحدهما الخياطة و الآخر النساجة، و سواء كان ذلك في عمل معين أو في كل ما يعمل كل منهما.

[عدم صحة الشركة الأعمال]

______________________________

(1) أفاد (قدّس سرّه) بعدم صحة شركة الأعمال المسماة بالأبدان، و قبل بيان الحق في المقام، لا بد لنا من وقفة قصيرة مع ما أفاده سيدنا الأستاذ «طاب ثراه»، حيث قال: - كما في تقريره الشريف- بالتفصيل، فإن كان المراد من شركة الأبدان عقد الشركة في الاجرتين اللتين تحصل لهما من عملهما- كما هو غير بعيد من ظاهر كلماتهم- فلا ينبغي الإشكال في بطلانها؛ و ذلك

لما تقدم غير مرة من عدم الدليل علي صحة تمليك المعدوم، فإنه ليس للإنسان ان يملّك غيره ما لا يملكه بالفعل.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 261

______________________________

و إن كان المراد بها الشركة في نفس المنفعة بأن يملّك كل منهما نصف خياطته- مثلا- في ذلك اليوم لصاحبه في قبال تمليك صاحب نصف خياطته في ذلك اليوم له، فلا نعلم وجها لبطلانها؛ فإنها من شركة المنافع، و قد عرفت صحتها بناء علي عدم اعتبار الامتزاج «1». انتهي كلامه زيد في علو مقامه.

و يلاحظ عليه أمران:

الأمر الأول: أمّا قوله كيف لا يعقل تمليك ما لا يملكه الآن و يملكه بعد فلا يمكن الإذعان به علي الاطلاق، بل لا بد من التفصيل، فنقول: تارة يحكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء، ففي هذه الحالة لا مجال للتخصيص؛ و ذلك لكونه حكما عقليا، و أمّا في الأحكام الشرعية فلا مانع من التخصيص، و في المقام كذلك، و بناء عليه فلا نري مانعا من أن يملكه فيما بعد في مقام الثبوت؛ و ذلك علي صعيد التعليق، بأن تكون الصيغة هكذا: علي فرض أن يكون ذلك الشي ء ملكا لي أملّكك إياه بنحو الواجب المشروط. فعلي هذا يكون الأمر في دائرة الثبوت ممكنا، غاية ما في المقام أنه قد قام إجماع بعدم جواز التعليق في المقام، و لا غرو في

______________________________

(1) مباني العروة الوثقي: 244.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 262

______________________________

ذلك؛ إذ الإجماع دليل لبّي و لا يعوّل عليه، هذا من ناحية.

و من ناحية اخري لا نري مانعا من تمليك المعدوم بعد وجوده أيضا، و يتضح ذلك من خلال هذا المثال: العنقاء في زماننا المعاصر لا وجود لها، بل هي

من الحيوانات المنقرضة، و بهذا نستطيع أن نقول هكذا: إذا وجدت العنقاء فهي ملك لزيد؛ إذ الاعتبار خفيف المؤونه، و لا إشكال في ذلك، و إنما الإشكال في المقام هو التعليق لا غير.

الأمر الثاني: أنه قد تقدم منّا عدم الدليل علي صحة الشركة بنحو الإطلاق حتي يؤخذ به في كل مورد، بل لا بد من الاقتصار فيه علي المورد الذي علم من الشرع مصداقيته للشركة الصحيحة.

و صفوة القول: أن ما أفاده الماتن (قدّس سرّه) هو الصحيح.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 263

و لو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة، أو منافعه إلي مدة كذا، بنصف منفعة أو منافع الآخر، أو صالحه نصف منفعته بعوض معين، و صالحه الآخر أيضا نصف منفعته بذلك العوض. و لا تصح شركة الوجوه (1).

و هي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة علي أن يبتاع كل منهما في ذمته إلي أجل، و يكون ما يبتاعه بينهما، فيبيعانه و يؤديان الثمن، و يكون ما حصل من الربح بينهما، و إذا أرادا ذلك علي الوجه الصحيح و وكّل كل منهما الآخر في الشراء فاشتري لهما في ذمتهما.

[عدم صحة الشركة الوجوه]
اشارة

______________________________

(1) يقع البحث في ثلاث جهات:

الجهة الأولي: في ضوء القاعدة الأولية مع قطع النظر عن أدلة الشركة العقدية.

الجهة الثانية: في ضوء ما يستفاد من أدلة الشركة العقدية مع فرض الإطلاق فيها.

الجهة الثالثة: بحسب ما يستفاد من أدلة الشركة العقدية مع فرض عدم الإطلاق في أدلتها.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 264

[الجهة الأولي: في ضوء القاعدة الأولية مع قطع النظر عن أدلة الشركة العقدية.]
اشارة

______________________________

فأمّا بالنسبة إلي الجهة الأولي فينبغي التفصيل؛ فتارة نشترط في باب البيع- علي ما هو المشهور بين القوم- بأن يخرج الثمن من كيس المشتري إلي كيس البائع، و يدخل المثمن في كيس المشتري. و اخري نقول بعدم الاشتراط، لا في البيع و لا في المعاوضة.

و قد أنكرنا ذلك في بحث البيع علي متن المكاسب للشيخ الأعظم (قدّس سرّه)، و مثّلنا بهذا المثال و هو: إذا قال أحد للخباز أعط لهذا المسكين الواقف رغيفا. و قام الخباز بإعطاء ذلك الرغيف للمسكين، ففي هذه الحالة خرج الثمن من كيس الرجل الآمر بالإعطاء و دخل الخبز في كيس المسكين، و هذا أمر لا ضير فيه، بل متعارف عليه بين سائر المجتمعات، و ليس من المتعارف أن يتملك الرجل الخبز ثم يهبه بعد ذلك إلي المسكين، و في المقام عقد واحد لا عقدان.

فعلي هذا البيان لا يشترط في البيع التبادل بين المالين حتي يدخل كل منهما مكان الآخر، و بناء علي هذا تصبح النتيجة: أن ما أفاده المصنف «طاب ثراه» هو الصحيح و لا مانع من الحكم بالصحة.

و أمّا إذا قلنا إنه خلاف قانون المعاوضة، بل قد أشرب ذلك في ماهية المعاوضة، فلا يمكننا القول بالصحة بدليل البيع؛ إذ المفروض أن

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 265

______________________________

القضية بشرط المحمول ضرورية، و علي هذا لا

يقال له بيع، و ذلك لتقوّم البيع بخروج أحد الأمرين من البائع إلي المشتري، و العكس كذلك.

«بقي شي ء»

و هو لا يمكن لأي شخص من الأشخاص أن يشتري شيئا لغيره من دون رضاه؛ و ذلك يعد تصرفا في استقلال الغير، و هذا غير جائز. و أمّا إذا حصل منه الرضا، و كان ذلك بإجازته، فلا مانع من ذلك.

و كذلك الحكم في مسألة الشركة؛ إذ هما يشتركان و يجعلان هذا الشي ء موجودا علي هذا التقدير.

هذا كله بحسب ما يستفاد من الأدلة الأولية، بغض النظر عن أدلة الشركة العقدية و ما تقتضيه.

[الجهة الثانية: في ضوء ما يستفاد من أدلة الشركة العقدية مع فرض الإطلاق فيها.]

و أمّا بالنسبة إلي الجهة الثانية، فإذا فرضنا أن أدلة الشركة العقدية متضمنة للإطلاق و شاملة للمقام، فمن الواضح الظاهر أن نحكم بالصحة، و لا إشكال في البين، و لا حاجة إلي إطالة البحث الذي لا طائل تحته.

[الجهة الثالثة: بحسب ما يستفاد من أدلة الشركة العقدية مع فرض عدم الإطلاق في أدلتها.]

و أمّا ما يرجع إلي الجهة الثالثة، حيث لا إطلاق في أدلة الشركة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 266

و شركة المفاوضة أيضا باطلة (1)، و هي أن يشترك اثنان أو أزيد علي أن يكون كل ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة، أو زراعة، أو كسب آخر، أو إرث، أو وصية، أو نحو ذلك، مشتركا بينهما.

و كذا كل غرامة ترد علي أحدهما تكون عليهما.

فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلا، و تسمي شركة العنان.

______________________________

العقدية و لا دليل في المقام سوي الإجماع المدعي، أو التمسك بأدلة العقود، ففي هذه الصورة تصبح النتيجة: عدم الجواز، سواء قطعنا النظر عن مسألة البيع أم لم نقطع، لا فرق في ذلك، بل الحكم عدم الصحة، و ذلك لاشتراط المعاوضة بذلك النحو و حيث لا دليل في المقام، فيبقي الحكم بالفساد متوجه.

[بطلان شركة المفاوضة]

(1) حكم الكثير بالبطلان، معتمدين علي الإجماع، كما في (الجواهر) بكلا قسميه، و كذلك (السرائر)، و (جامع المقاصد)، و غيره من كتب الأصحاب.

و أفاد سيدنا الأستاذ بأن الوجه فيه أوضح من سابقه، فإنه تمليك ما

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 267

______________________________

قد يملكه في المستقبل، و هو باطل جزما «1»

أقول: تارة لا يوجد دليل في باب الشركة شاملا لهذا القسم، و اخري قد وجد الدليل الشامل لهذا النحو من الشركة؛ فعلي الأول لا نحتاج إلي هذه التفاصيل، و مجرد عدم الدليل يكفي للحكم بالبطلان؛ و ذلك لما ذكرناه في مطاوي الأبحاث السابقه من أن الميزان الكلي في دائرة الشك في الامور الوضعية هو الضيق.

و أمّا علي الثاني- من كون الدليل شاملا لمثل هذه الشركة- ففي ضوئه لا يبقي لما أفاده سيدنا الأستاذ (قدّس سرّه) وجه

قابل للذكر؛ و ذلك ايّ دليل دلّ علي أنه لا يمكن تمليك ما يملكه في المستقبل، هل دلّ عليه دليل عقلي أو شرعي؟!!

الظاهر أنه لا دليل عليه، بل مجرد دعوي لا غير.

و علي أية حال، يدور الأمر بين الإطلاق الشامل لمثل هذا النحو و عدمه؛ فعلي الأول لا بد من الالتزام بالصحة، و علي الثاني بعدم الصحة، لا من جهة ما أفاده سيدنا الأستاذ، بل من عدم المقتضي.

و في نهاية المطاف حيث لا دليل عليه و لا إطلاق يشمله، فتكون

______________________________

(1) مباني العروة الوثقي: 246.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 268

[مسألة] (2): لو أستأجر اثنين لعمل واحد بأجرة معلومة صح (1).

______________________________

النتيجة عدم الصحة لمثل هذه الشركة، أضف إلي ذلك كله أن هذه الشركة غير منطوية تحت معاملة من المعاملات- كالبيع مثلا- حتي يمكننا أن نتحدث عبر جهة اخري، فتحصّل: أن ما أفاده الماتن تام و لا خدشة فيه؛ و ذلك بحسب ما بيناه.

[مسألة 2: استئجار اثنين لعمل واحد]

اشارة

(1) تقريب ما أفاده يتضح بهذا البيان، و هو أن المقتضي للصحة موجود و المانع مفقود، فأمّا المقتضي للصحة فهو دليل الإجارة، و أمّا عدم المانع فلأن ما يمكن أن يكون مانعا في المقام هو عبارة عن الغرر، و هو منتف هنا، إذ إن الاجرة معلومة كما عبّر في المتن بذلك، و العلم بالخصوصيات غير لازم كما في بعض الكلمات- كالبيع-، و كما أن بيع عين واحدة من شخصين بثمن معين لا إشكال فيه فكذلك المقام يقاس عليه.

و علي هذا الأساس ينبغي أن يقع الكلام علي المقاس، ثم نعود إلي المقام مرة اخري لنري بأن القياس المزبور في موضعه أم لا؟

فنقول: إن بيع عين واحدة من شخصين يمكن تصويره بنحوين:

مباحث فقهية

- الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 269

______________________________

النحو الأول: أن يقوم البائع ببيع العين من شخصين ببيع واحد، و تكون الوحدة في دائرة الإثبات لا الإنشاء.

و بعبارة أجلي لا يوجد عند الحقيقة بيع واحد، بل بيعان، كأن يبيع داره من شخصين؛ النصف الأول لزيد و النصف الآخر لعمرو، و لكن في مقام الإثبات و الإنشاء ينشئ الأمرين بواحد و لا مانع من ذلك في كل عقد.

و لكن هل يمكن أن يقال بأن العلم بثمن هذين العينين كاف في المقام أو لا؟

الظاهر عدم الكفاية؛ إذ المفروض أنه يبيع العين ببيعين، فكل واحد من هذين البيعين و العقدين يشترط فيه الشرائط اللازمة، فعلي ذلك إذا توفرت الشرائط اللازمه بالنسبة إلي كليهما يكون كل منهما صحيحا، و أمّا إذا توفرت في واحد دون الآخر، فعليه يكون أحدهما صحيحا و الآخر فاسدا، و بناء عليه نلتزم بالصحة في هذا و نقيس عليه ذلك، و حكم الأمثال فيما يجوز و لا يجوز واحد.

و في ضوء هذا البيان تكون الإجارة صحيحة، و لكن ليست إجارة واحدة بل اثنتين، احداهما لهذا الشخص و الأخري للشخص الثاني.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 270

______________________________

و الظاهر أن الماتن لم ينظر إلي هذه الجهة، بل صرح كما في المتن بكون الاجرة لا بد أن تكون معلومة.

و أمّا العلم بالأجرة من حيث المجموع فغير كاف في المقام.

النحو الثاني: يمكن تصويره في باب البيع، بأن يبيع البائع عينا معينة من شخصين في بيع واحد بما هما شخصان، هذا كله في دائرة الثبوت و التصور، و من هنا ينبثق السؤال؛ و هو هل يمكن الالتزام بصحة مثل هذا البيع أو لا؟

الجواب: بالطبع كلا؛ و ذلك لوجهين:

1- لا دليل

علي صحة مثل هذا البيع الذي يكون فيه المشتري عنوان المجموع لا كل واحد من الأشخاص، لا من ناحية العرف و سوق العقلاء، و لا من ناحية الأدلة الشرعية المعتبرة.

2- لعروض اللوازم الفاسدة في حالة الالتزام بصحة مثل هذا؛ إذ يلزم من ذلك أنه لو مات أحد الشخصين لا ينتقل شي ء إلي وارثه أصلا؛ إذ المفروض أنه لم يكن مالكا، بل هو جزء المالك، و انما المالك عند

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 271

______________________________

الحقيقة كل من زيد و عمرو من حيث المجموع لهذه العين. و بناء عليه فهذا بنفسه لا يملك شيئا، و كذلك الشخص الآخر بنفسه لا يملك شيئا أيضا.

و يلزم من هذا القول أيضا أن نلتزم في ضوء «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» ان يكون الخيار للمجموع بما هو مجموع لا كل واحد منهما.

و عليه إذا أسقط أحدهما الخيار لا يترتب عليه اي أثر في البين؛ إذ ليس هذا موضوعا للحكم، و إنما طرف المعاملة هو المجموع، و بهذا البيان تصبح النتيجة: أن الصحة منحصرة في الصورة الأولي- و هي فيما إذا باع العين من زيد و عمرو و عند الحقيقة بيعان لا بيع واحد-، و بهذا لا يمكن تمامية الأمر في هذا القسم فما بالك بالمقيس.

و قياس باب الإجارة علي باب البيع كما في كلام سيد المستمسك «طاب ثراه» ليستدعي وقفة قصيرة معه، لطرح بعض التساؤلات علي هذه المقالة، و هي كالتالي:

ما هو مرادك منه؟ و ما هو غرضك؟ و اي قسم قد نظرت إليه؟!

فإن كان نظرك للمجموع فلا يصح ذلك، لا في المقيس و لا في المقاس عليه؛ و إن كان نظرك إلي ذلك القسم فليس البيع بيعا واحدا،

و لا

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 272

______________________________

إجارة واحدة، و إنما علي بساط الواقع و الحقيقة بيعان و إجارتان، فيلزم من ذلك أن تكون الشرائط موجودة في كل واحد، فلو قلنا بأن الجهل مضر و يلزم منه الغرر، فعليه تكون الإجارة باطلة؛ و ذلك تارة نقول: بأن الغرر ملزم للفساد، و كل جهل يلزم منه الغرر، إذا: يلزم الحكم ببطلان الإجارة، كما في كلام الماتن (قدّس سرّه).

و اخري لا نقول بذلك، كما أننا لانتفوه به؛ إذ لا دليل علي كون الغرر مفسدا للعقد سوي رواية نبوية و إجماع متداع من جميع أطرافه؛ و ذلك أن الرواية ساقطة عن الاعتبار لضعف سندها، و الإجماع الحال فيه ظاهر؛ حيث المتكي علي مدرك لا يخلو من وجهين:

أ- إما أن يكون المتكي عليه معتبرا، ففي هذه الحالة لا حاجة الي المشي وراء الإجماع، بل الكفاية في المتكي عليه بوحده.

ب- و إمّا إذا لم يكن معتبرا في نفسه فلا مجال إذا للاستناد إليه و الاتكاء عليه.

هذا كله من جهة، و من جهة اخري أن كل جهل لا يستلزم الغرر؛ و ذلك أن الغرر قد فسر بالخطر، و الجهل لا يستلزم ذلك، و بهذا يصبح الدليل أخص من المدعي.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 273

و كانت الأجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما (1).

______________________________

و في نهاية المطاف أن حصاد ما قلناه يصبح الحقّ بهذا التقريب: و هو إذا كان هناك إجارتان و في كل إجارة لا نعلم مقدار الأجرة و لكن كان من حيث المجموع معلوما، فبناء عليه نحكم بالصحة؛ إذ المفروض أن كل واحد له إجارة خاصة، و من ناحية اخري ليس الغرر موجبا للفساد، مضافا إلي أن

كل جهل لا يكون موجبا للغرر.

[الفرق بين الجعالة و الإجارة]

(1) ما أفاده (قدّس سرّه) لا يمكننا القول بتماميته؛ و ذلك أن الإجارة عبارة عن تمليك المؤجر المستأجر المنفعة الكذائية، و هو أعم من أن تكون المنفعة من عوارض العين الخارجية أو عملا لشخص ما، لا فرق في ذلك، فعلي هذا الصعيد لا بد أن نلاحظ الفرق بين الجعالة و الإجارة؛ ففي الجعالة إذا لم يتحقق العمل من العامل فلا يستحق الجعل، و إليك مثالا يتضح من خلاله المراد: و هو إذا قال زيد من ردّ عليّ عبدي فله عشرة دراهم. ففي هذه الحالة إذا تحقق العمل- و هو رد العبد في المثال- يعطي من رده عشرة دراهم، و أمّا إذا لم يتحقق منه العمل فلا موجب إذا للاستحقاق، فإن الجعل لا يستحقه إلّا بعد تحقق العمل منه. هذا كله ما يرجع إلي الجعالة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 274

و لا يضر الجهل بمقدار حصة كل منهما حين العقد، لكفاية معلومية المجموع، و لا يكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة، بل من شركة الأموال، فهو كما لو استأجر كلا منهما لعمل و أعطاهما شيئا واحدا بإزاء أجرتهما.

______________________________

و أمّا علي صعيد الإجارة، فالعمل مترتب علي عقدها، لا أن الأجرة مترتبة علي العمل. مثال ذلك: إذا استأجر شخص شخصا آخر لخياطة ثوب أو كنس بيت، ففي هذه الحالة عند ما تتحقق الإجارة يستحق أحدهما العمل و الأخر الأجرة، و هو أعم من أن يتحقق العمل في الخارج أم لا، غاية ما في الباب إذا لم يعمل علي طبق الإجارة بأن لم يقم بالعمل أو قام به و لكن لم يتمّه، ففي هذه الصورة لا يمكنه الاستدعاء إلي أخذ

الأجرة، و بمقتض الشرط الارتكازي العقلائي ما دام لم يوجد العمل في الخارج لم يستحق الأخذ؛ لأنه غير مستحق لأخذها، و كم فرق بين الأمرين؛ إذ تارة يكون الاستحقاق مترتبا علي العمل و اخري مترتبا علي الأخذ، و لكن بمجرد تحقق الإجارة يتحقق الاستحقاق، ففي ضوء هذا الإيضاح نقول: إذا عمل و تم العمل في الخارج استحق بذلك الأخذ، و أمّا إذا لم يقم بالعمل حتي فات الوقت المحدد له فحينئذ

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 275

و لو اشتبه (1) مقدار عمل كل منهما، فإن احتمل التساوي حمل عليه؛ لأصالة عدم زيادة أحدهما علي الآخر، و إن علم زيادة أحدهما علي الآخر، فيحتمل القرعة في المقدار الزائد، و يحتمل الصلح القهري.

______________________________

يتحقق للمستأجر الخيار بين إمضاء العقد و إبقائه و أخذ أجرة المثل بالنسبة إلي العمل، و بين أن يفسخ الإجارة.

[اشتباه مقدار العمل]

(1) ففي هذا الفرض تارة نسلك مسلك المشهور من كون العلم الإجمالي منجّزا بالجملة، و اخري يكون مقتض القاعدة التفصيل في الجملة، فحينئذ يكون بالنسبة إلي أحدهما الاحتياط و الآخر الأصل.

و مع غض النظر عما سلكناه يجب عليه علي صعيد العلم الإجمالي بأن يدفع إلي كل منهما المقدار الزائد؛ إذ ما دام لم يدفع الزائد لا يمكنه حصول العلم، لا بالطريق الوجداني، و لا بالتعبدي بفراغ الذمة.

فأمّا الوجداني فواضح، و أمّا العلم التعبدي فلا يمكن جريان الأصل؛ حيث أن الأصل علي مسلك المشهور يعارض هذا الطرف مع الطرف الآخر، و عند حصول المعارضة يكون الامر بطبيعة الحال عدم جريان الأصل، و العلم يوجب التنجّز علي الإطلاق.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 276

[مسألة] (3): لو اقتلعا شجرة، أو اغترفا ماء بآنية واحدة،

أو نصبا معا شبكة للصيد، أو أحييا أرضا معا؛ فإن ملك كل منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي، و إلّا فلكل منهما بنسبة عمله، و لو بحسب القوة و الضعف.

و لو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة (1).

______________________________

و أمّا علي مسلكنا المنصور فيلزم جريان الاحتياط في طرف، و الأصل في الطرف الآخر، و علي جميع التقادير لا وجه لجريان الصلح القهري و لا القرعة اللتين ذكرهما (قدّس سرّه)، مضافا إلي عدم تمامية قاعدة القرعة بالجملة كما تقدم بيانه.

[مسألة 3: حكم الاشتراك في حيازة شي ء]

(1) أمّا علي الاحتمال فيحمل علي التساوي؛ و ذلك لأصالة العدم الجارية في كلا الطرفين، و أمّا مع العلم بالزيادة فأمّا القرعة، أو الصلح القهري.

و يلاحظ عليه: أن الأصل لا مجال لجريانه في الزيادة و التساوي، و لا فرق في ذلك بين كلتا الصورتين.

و أمّا بالنسبة إلي القرعة، فإنما يتوجه كلامه (قدّس سرّه) فيما إذا قلنا بشمولية دليل القرعة علي نحو الإطلاق لجميع موارد الشك و الشبهة،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 277

و ربما يحتمل التساوي مطلقا (1) لصدق اتحاد فعلهما في السببية و اندراجهما في قوله: «من حاز ملك». و هو كما تري.

______________________________

ففي ضوئه يصح الالتزام بجريانها.

و لكن نحن لا نلتزم بذلك، بل نري ضيق دائرة دليل القرعة ضمن إطار خاص في بعض الموارد دون غيرها، و بناء عليه ينحصر الأمر بالصلح الاختياري في الدرجة الأولي، و القهري في الدرجة الثانية.

هذا كله فيما إذا حصل العصيان منهما و لم يتصالحا.

(1) الاحتمال المذكور قد ذكره صاحب الجواهر «طاب ثراه»، و قد علق سيدنا الأستاذ علي ما ذكره بالتفصيل، قائلا: ان ما أفاده صحيح في الجملة لا مطلقا، ثم فصّل بين ما إذا كان الأمر

بسيطا و بين كونه مركبا، فأمّا بالنسبة إلي البسيط فما أفاده صاحب الجواهر في محله و لا مانع من الالتزام به، و أمّا في المركب- كالكتابة، و الخياطة، و البناء- فلا محيص عن الالتزام بملكية كل منهما بنسبة عمله و لا وجه للتنصيف بعد فرض اختلاف مقدار عمل أحدهما عن الآخر «1».

هذا ملخص ما أفاده سيدنا الأستاذ (قدّس سرّه).

أقول: المسألة مطرح الخلاف بين الاعلام و كثر النقض فيها

______________________________

(1) انظر مباني العروة الوثقي: 252.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 278

______________________________

و الإبرام، و قد أجاد سيدنا الأستاذ في المقام، و ما أفاده متين جدا و لا خدشة فيه؛ إذ علي كون الامر بسيطا فلا مدخلية حينئذ للقوة و الضعف، و بهذا تكون النتيجة التساوي، و أمّا إذا كان مركبا فمن كان عمله أزيد تكون أجرته أكثر.

و توضيح ذلك: تارة يشتركان في خياطة ثوب واحد، ففي هذه الصورة من كانت خياطته أكثر تصبح أجرته أزيد من شريكه؛ و ذلك بالارتكاز العرفي، إذ ميزان الأجرة بكثرة العمل، كما إذا خاط أحدهما ساعة و الأخر نصف ساعة، فمن الواضح البديهي تكون أجرة الأول أكثر من الثاني، و لا فرق بين الاستقلال و الامتزاج.

و اخري يكون السبب واحدا كالاقتلاع أو الاغتراف، كاغتراف الماء بآنية واحدة، ففي هذه الحالة يغترفان الماء بدلو واحد، و كذلك

الحال في اقتلاع الشجرة، و هذا أمر بسيط لا أثر للأكثرية فيه و عدمها، بل النتيجة واحدة، و هي القلع، أو الاغتراف، و كلاهما أمر بسيط غير قابل للتجزئة، و الأمر البسيط إذا كان سببا فلا معني لأن يقال بزيادة أجرة أحدهما علي الآخر. و في نهاية المطاف فما أفاده سيدنا الأستاذ من التفصيل في محله

و موقعه.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 279

[مسألة 4: اشتراط الامتزاج في الشركة العقدية]

اشارة

[مسألة] (4): يشترط- علي ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية، مضافا إلي الإيجاب و القبول، و البلوغ، و العقل، و الاختيار، و عدم الحجر لفلس أو سفه- امتزاج المالين سابقا علي العقد أو لاحقا، بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر، من النقود كانا أو من العروض، بل اشترط جماعة اتحادهما في الجنس و الوصف.

و الأظهر عدم اعتباره، بل يكفي الامتزاج علي وجه لا يتميز أحدهما من الآخر، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير و نحوه، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر، بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير؛ و ذلك للعمومات العامة، كقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1»، و قوله (عليه السّلام): «المؤمنون عند شروطهم» «2» و غيرهما، بل لو لا ظهور الإجماع علي اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقا، عملا بالعمومات.

و دعوي عدم كفايتها لإثبات ذلك كما تري، لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما حصة مما هو له بحصة مما للآخر، أو يهبها كل منهما للآخر، أو نحو ذلك، في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن.

هذا و يكفي في الايجاب و القبول كل ما دل علي الشركة من قول،

______________________________

(1) المائدة: 1.

(2) الوسائل: 21/ 276/ ب 20 من أبواب المهور ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 280

أو فعل (1).

______________________________

(1) قد تعرض (قدّس سرّه) في هذه المسألة إلي أمور ينبغي التعرض لها علي بساط البحث بنحو الشمولية و التفصيل، و هي كما يلي:

الأمر الأول: يلزم في الشركة العقدية الإيجاب و القبول؛

لأنه قد فرض كون عقد الشركة من العقود، و قوام العقد بالإيجاب و القبول، فمن الواضح أن يكون الايجاب و القبول مشترطين.

الأمر الثاني: البلوغ:

و هذا كسابقه في الوضوح؛ إذ غير البالغ لا يجري عليه القلم، و لا فرق في ذلك بين قلم التكليف و الوضع، و كذلك لا أثر لفعله؛ و ذلك من خلال قوله (عليه السّلام) «عمده و خطأه واحد»، و من الظاهر أنه لا يترتب علي الخطأ أثر، فتصبح النتيجة لا يترتب علي فعله أثر.

الأمر الثالث: العقل:

و هذا أيضا في كمال الوضوح و لا يحتاج إلي البحث، و ذلك لا يخفي علي من كان له أدني تأمل، بأن كل شخص إذا أراد أن يتصدي لعقد من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 281

______________________________

العقود، أو إيقاع من الايقاعات، لا بد أن يكون عاقلا، و إلّا يكون عقده أو إيقاعه لغوا و لا أثر له، بل وجوده و عدمه واحد، هذا ما تعرفه العقلاء و يقره العرف.

إذا: اشتراط العقل يعد من الواضحات الأولية عند الأصحاب، أضف إلي ذلك كله أن مثل هذه الموارد أصبحت ضمن دائرة إمضاء الشارع الأقدس، و قد أشرنا في طي الأبحاث المتقدمة إلي أن في غير الأمور العبادية، و في غير الموارد التي علمنا من خلال الشرع الأقدس دخالته في خصوصية من الخصوصيات، أنه لا إشكال في أن الشارع ممض علي ما يفعله العقلاء؛ إذ ليس للشارع طريق خاص في قبال الطريقة العقلائيه، بل هو سيد العقلاء.

الأمر الرابع: الاختيار.

و هذا أيضا ممّا لا إشكال فيه، و ذلك بمقتضي قوله (صلّي اللّه عليه و آله): «رفع عن أمّتي تسع خصال: إلي أن يقول: و ما استكرهوا عليه» «1»، و علي ضوء ما

______________________________

(1) لاحظ الوسائل: 15/ 369/ ب 56 من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه/ ح 1- 2 و ج 23/ 237 ب 16 من أبواب الأيمان ح 3- 5.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 282

______________________________

قاله النبي (صلّي اللّه عليه و آله) تصبح النتيجة عدم ترتب الأثر علي الفعل الصادر من المكره، و من هنا كان بناء الأصحاب علي أن العقد الإكراهي لا أثر له.

الأمر الخامس: الحجر.

و لا فرق في السبب الموجب له، سواء كان الفلس أو غيره، و الوجه فيه: عند ما يكون محجورا عن التصرف لا يكون مختارا في تصرفه، فعلي هذا لا يصح له أن يعقد لأي أحد.

الأمر السادس: السفه.
اشارة

بحيث لا يكون العاقد سفيها، و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدّعي وجوه، و هي كما يلي:

1- الإجماع:

و الإشكال فيه ظاهر؛ إذ علي فرض حصوله يحتمل بأن يكون استناد المجمعين إلي أحد الوجوه الآتية في مطاوي البحث، و عند ذلك لا يكون الإجماع المزبور إجماعا تعبديا كاشفا عن راي المعصوم (عليه السّلام)، فعلي هذا لا يمكن التعويل عليه.

2- الآية الكريمة:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 283

______________________________

وَ ابْتَلُوا الْيَتٰاميٰ حَتّٰي إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ … الآية «1» و تقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة أن البلوغ بحد ذاته غير كاف في مقام التصرف، بل يلزم في ذلك إضافة إلي البلوغ أن يكون المتصرف رشيدا، و أمّا إذا كان بالغا سفيها فلا يترتب علي فعله الأثر المطلوب؛ و ذلك بمقتضي قوله تعالي فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً.

و هذا الاستدلال لا يتمشي مع القاعدة و الصناعة؛ حيث ان المستفاد من الآية الكريمة عدم جواز دفع المال إلي السفيه فيما إذا كان بعد بلوغه سفيها، و بتعبير آخر أن غاية ما يستفاد منها ممنوعية دفع مال السفيه إليه، و الجمود علي ظاهر الآية الشريفة يقتضي أن نقول: أنه لا يدفع إليه ماله في هذه الحالة، و لا يستفاد منها عدم جواز تصرفاته الجامعة للشرائط، و يترتب علي ما ذكرناه أنه إذا تصرف السفيه تصرفا عقلائيا، كما إذا باع متاعا له بأغلي ثمن، فأيّ دلالة في الآية الكريمة علي أن هذا التصرف يعدّ باطلا.

3- النصوص:

______________________________

(1) النساء: 6.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 284

______________________________

و هي كما يلي:

أ- هشام، عن ابي عبد الله (عليه السّلام)، قال: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، و هو اشدّه، و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله «1».

و الكلام هو الكلام، و الإشكال عين الإشكال المتقدم في الآية الشريفة من حيث الدلالة.

ب- الأصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أنه قضي أن يحجر علي الغلام المفسد حتي يعقل «2»

و هذه الرواية لا اشكال و لا خدشة فيها من حيث

الدلالة علي المدعي؛ إذ السفيه مفسد بلا إشكال، و هذا لا كلام فيه و إنما الكلام في السند فإنه ضعيف لضعف اسناد الشيخ الي الأصبغ و كذلك اسناد الصدوق إليه.

ج- أبو الحسين الخادم بياع اللؤلؤ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال:

سأله أبي- و أنا حاضر- عن اليتيم متي يجوز أمره؟

______________________________

(1) الوسائل: 17/ 360/ ب 14 من ابواب عقد البيع و شروطه، ح 2 و ج 18/ 409/ ب 1 من ابواب الحجر، ح 1.

(2) الوسائل: 18/ 410/ ب 1 من أبواب الحجر، ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 285

______________________________

قال: حَتّٰي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ*.

قال: و ما أشدّه؟

قال: احتلامه.

قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة، أو أقل، أو أكثر و لم يحتلم

قال: إذا بلغ و كتب عليه الشي ء جاز أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا «1».

فتارة نتحدث حول دلالتها، و اخري حول سندها، فأمّا من حيث الدلالة فهي تامة علي المدّعي؛ إذ المستفاد منها هو كون السفه مانعا عن جواز الأمر، و أمّا من حيث السند فلا يمكننا القول بتماميته؛ إذ الموثق عند النجاشي ليس ابو الحسين الخادم، و المذكور في الرواية هو ابي الحسين بياع اللؤلؤ و هو لم يوثق.

د- عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله عز و جل: حَتّٰي إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ «2»، قال:

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 412/ ب 2 من أبواب الحجر، ح 5.

(2) الأحقاف: 15.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 286

______________________________

الاحتلام.

قال: فقال: يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها.

فقال: لا، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و

كتبت عليه السيئات، و جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا.

فقال: و ما السفيه؟

فقال: الذي يشتري الدرهم بأضعافه

قال: و ما الضعيف؟

قال: الأبله «1».

و هذا الحديث ضعيف باسناد الشيخ إلي ابن فضال، و عليه فلا تصل النوبة إلي الدلالة.

ه- عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب علي المحتلمين احتلم أو لم يحتلم و كتب عليه السيئات، و كتبت له الحسنات، و جاز له كل شي، إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها «2».

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 363/ ب 44 من أبواب الوصايا، ح 8.

(2) الوسائل: 19/ 364/ ب 44 من أبواب الوصايا، ح 11.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 287

______________________________

و هذا الحديث أيضا كسابقه في الضعف من حيث السند؛ و ذلك لوجود الوشاء في طريقه.

ز- العيص بن القاسم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال: سألته عن اليتيمة متي يدفع إليها مالها؟

قال: إذا علمت أنّها لا تفسد و لا تضيع، فسألته إن كانت قد زوّجت، فقال: إذا زوّجت فقد انقطع ملك الوصي عنها «1».

و الإشكال هو الإشكال المتقدم في الاستدلال بالآية الشريفة.

فتحصّل في نهاية المشوار: عدم تمامية جميع الوجوه المستدل بها علي المدّعي، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه؛ لشهرته بين الأصحاب، و أمّا الصناعة فتقتضي ما قلناه.

الأمر السابع: هل يشترط الامتزاج أو لا؟
اشارة

يقع البحث في جهتين:

الأولي: في دائرة الثبوت.

الثانية: في دائرة الإثبات.

______________________________

(1) الوسائل: 18/ 410/ ب 1 من أبواب الحجر، ح 3.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 288

[الجهة الأولي: في دائرة الثبوت.]

______________________________

فأمّا بالنسبة إلي الجهة الأولي فيمكننا أن نصور الامتزاج المزبور علي ثلاثة أوجه:

1- أن يكون سابقا علي عقد الشركة.

2- أن يكون مقارنا علي عقد الشركة.

3- أن يكون لاحقا.

فأمّا إذا فرضنا سابقية الامتزاج و تحققه في الخارج علي عقد الشركة ففي هذه الحالة الظاهر لا يمكن القول بالشرطية؛ إذ المفروض أن الامتزاج بنفسه يوجب الشركة، و عليه قد حصل، و بما أن تحصيل الحاصل محال فكيف يمكن أن يقال: بأن عقد الشركة يؤثر في الاشتراك!! و ذلك أن نفس الامتزاج صار سببا في تحقق الشركة.

و أمّا بالنسبة إلي الفرض الثاني- و هو المقارنه- فالكلام هو الكلام؛ و ذلك إذا فرضنا أن الامتزاج بنفسه يوجب الشركة فيصبح الأمر من ضم عقد الشركة إليه كضم الحجر إلي جنب الإنسان.

و أمّا بالنسبة إلي الفرض الثالث فالإشكال أيضا باق علي حاله، و هو كما تري؛ إذ المفروض أن الامتزاج بنفسه يوجب الاشتراك فلا أثر للعقد، إلّا أن يقال: إن العقد يؤثر بشرط الامتزاج الحاصل علي نحو

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 289

______________________________

الشرط المتأخر، و بالامتزاج ينكشف كون العقد مؤثرا في الشركة من زمان تحقق العقد، لكن هذا المدّعي لا دليل عليه، و هو بعيد عن أذهان أهل العرف؛ إذ يري العرف و العقلاء أن الشركة تحصل بالامتزاج بنحو الشرط المقارن لا المتأخر، هذا تمام الكلام في الجهة الأولي.

[الجهة الثانية: في دائرة الإثبات.]

و أمّا الجهة الثانية فقد أفاد الماتن «رحمه الله» بأن العمومات تكفي لإثبات الصحة و لو مع عدم الامتزاج، غاية الأمر أن الإجماع علي الاشتراط يمنعنا عن الأخذ بالعمومات و يلزم علينا القول بالاشتراط، و بيّن العمومات و فسّرها بقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1»

و بالحديث المشهور «المؤمنون عند شروطهم» «2».

و

يلاحظ عليه أمران:

الأمر الأول: أنه لا عموم و لا خصوص في المقام من خلال قوله سبحانه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ؛ إذ دليل وجوب الوفاء بالعقود- قد تقدم منا علي نحو التفصيل- هو دليل اللزوم، و لا يمكن أن يكون دليلا للصحة،

______________________________

(1) المائدة: 1.

(2) الوسائل: 21/ 276/ ب 20 من أبواب المهور ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 290

______________________________

و أمّا دليل وجوب الوفاء بالشرط فقد ذكرنا في محله أنه لا يكون مشرّعا، و إلّا لزم من ذلك جواز كل منكر بالشرط، و هو كما تري، فلا بد إذا من فرض الجواز في الرتبة السابقة لكي يشمله دليل الشرط و يوجب لازم ذلك الجواز.

و إن شئت فقل: الإشكال الذي ذكرناه بالنسبة الي الآية الشريفة بعينه جار و سار في الحديث المذكور؛ و ذلك أن الآية كالرواية في كونها دليلا علي اللزوم لا الصحة، هذا مضافا الي عدم تعقل إمكان صدق الشرط بنفسه علي العقد؛ إذ الاشتراط ارتباط أحد الأمرين بالآخر، كارتباط وجوب الصلاة بالزوال و الفجر، و كارتباط لزوم العقد بتفرق المتعاقدين عن مجلس البيع، و أمّا تحقق عنوان الاشتراط بنفس العقد فلا مجال له، هذا كله بالنسبة الي الأدلة العامة.

و أمّا الدليل الخاص فالظاهر لا دليل علي صحة عقد الشرط، و لذا لم يتعرض له الماتن «طاب ثراه» فلا مقتضي حينئذ للصحة، و علي هذا الأساس لا بد من الالتزام بالاشتراط؛ إذ مقتضي الأصل العملي في باب الوضعيات التضييق لا التوسعة.

الأمر الثاني: أنه لو أغمضنا النظر عمّا ذكرناه، و قلنا بكفاية

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 291

______________________________

العمومات لإثبات الصحة، فلا يكون الإجماع المزبور عندئذ مانعا عن الالتزام بعدم الاشتراط؛ و ذلك أن الإجماع

المنقول لا يكون حجة، و كذلك المحصّل منه، و لا إجماع يكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) في البين؛ إذ هو علي فرض تحققه يكون محتمل المدرك فحينئذ لا يكون تعبديا.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 292

[مسألة 5: حكم اشتراط الزيادة لأحد الشركين]

اشارة

[مسألة] (5): يتساوي الشريكان في الربح و الخسران مع تساوي المالين، و مع زيادة فنسبة الزيادة ربحا أو خسرانا سواء كان العمل من أحدهما أو منهما، مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرع أو من اجير هذا مع الإطلاق (1)، و لو شرطا في العقد (2) زيادة لأحدهما فإن كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال و لا خلاف عندهم في صحته، أما لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ففي صحة الشرط و العقد و بطلانهما و في صحة العقد و بطلان الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال، أقواها الأول، و كذا لو شرطا كون الخسارة علي أحدهما أزيد و ذلك لعموم «المؤمنون عند شروطهم» «1».

______________________________

(1) هذا علي طبق القاعدة الأولية؛ فإن الربح و الخسران تابعان للمال، و من هنا يكون ما أفاده «رحمه الله» موافقا للعرف و السيرة العقلائية.

(2) فصّل (قدّس سرّه) فيما إذا شرطا الزيادة لأحدهما بين صورة كون الزيادة للعامل، أو لمن يكون عمله أزيد، و بين كون الاشتراط لغير

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 276/ ب 20 من أبواب المهور ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 293

و دعوي: أنه مخالف لمقتضي العقد، كما تري.

نعم هو مخالف لمقتضي إطلاقه، و القول بأن جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة بل هو أكل الباطل، كما تري باطل.

و دعوي: أن العمل بالشرط

غير لازم لأنه في عقد جائز، مدفوعة.

أولا: بأنه مشترك الورود إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادة.

و ثانيا: بأن غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط، و المفروض في صورة عدم الفسخ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به، و ليس معني الفسخ حل العقد من الأول، بل من حينه، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلي ذلك الحين، هذا و لو شرط تمام الربح لأحدهما بطل العقد، لأنه خلاف مقتضاه.

نعم لو شرطا كون تمام الخسارة علي أحدهما، فالظاهر صحته لعدم كونه منافيا.

______________________________

العامل، أو لمن لا يكون عمله أزيد، ففي الصورة الأولي جزم بالصحة و ادعي علي ذلك الإجماع، و في الصورة الثانية نقل اختلافا في المسألة،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 294

______________________________

و قوّي الصحة، فعلي هذا يقع البحث في كلتا الصورتين:

فأقول: أمّا في الصورة الأولي. فما يمكن أن يذكر في تقريب الصحة وجوه، و هي كالآتي:

الوجه الأول: حديث «المؤمنون عند شروطهم» «1»

و هذا الاستدلال لا يمكننا الاعتماد عليه؛ و ذلك أن دليل نفوذ الشرط لا يكون مشرّعا، بل ناظر إلي لزوم ما يكون جائزا و صحيحا في حد نفسه، فعلي هذا لا مجال للاستدلال بدليل الشرط علي الصحة.

الوجه الثاني: أن الاشتراط المذكور شرط للمضاربة في ضمن عقد الشركة، و من الظاهر الواضح أن المضاربة من العقود الصحيحة، فلا مانع من اشتراطها في ضمن عقد الشركة.

و لا يمكننا مساعدة هذا الاستدلال أيضا؛ و ذلك لعدم خلوه من الإشكال، لا من باب أن المتعاقدين لا يقصدان القراض، فإن قصد العنوان بما هو غير دخيل في صحة العقد، و بعبارة اخري يكفي قصد ما هو في الواقع.

بل الإشكال من ناحية اخري،

و هي أن المضاربة عبارة عن المعاقدة

______________________________

(1) نفس المصدر.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 295

______________________________

بين الموجب و القابل، بأن يكون المال لأحدهما و العمل للآخر، بشرط كسر من الربح للعامل و الخسارة بتمامها علي المالك، و كيف يمكن قصد هذا المعني في ضمن عقد الشركة، و الحال أن المال مشترك بين الشريكين!! و كذلك كيف يمكن أن يكون المال مشتركا بين الشريكين و مع ذلك تختص المعاملة بحصة أحدهما!! أ ليس هذا جمعا بين المتنافيين؟!!

الوجه الثالث: عدم الخلاف، بل المسألة مورد الإجماع.

و فيه: أن الإجماع المدعي في المقام امّا منقول أو محصّل، و علي كلا التقديرين فقد ثبت في محله عدم اعتباره، مضافا إلي أنه محتمل المدرك، فلا مجال إذا للاستدلال به علي المدّعي، بتقريب أن إجماع المرؤوسين يكشف عن موافقة الرئيس، و لو تم هذا البيان إنما يتم فيما لا يكون احتمال استناد المجمعين إلي المدرك الفلاني، فتحصّل: عدم تمامية هذا الوجه أيضا.

إلّا أن يكون الجواز بمثابة من الوضوح، بحيث لا يكون قابلا للإنكار و الترديد، فلاحظ.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 296

______________________________

هذا تمام الكلام في الصورة الأولي.

و أمّا بالنسبة إلي الصورة الثانية فقد وقع البحث بأن مقتضي القاعدة صحة العقد و الشرط، أو بطلانهما معا، أو صحة العقد و بطلان الشرط.

و الماتن (رحمه اللّه) اختار القول الأول، و علي ضوئه حكم بالصحة في العقد و الشرط، و استند في دعواه إلي دليل نفوذ الشرط «المؤمنون عند شروطهم» «1».

و الحق فساد الشرط المذكور؛ و لكن لا لكون الشرط المشار إليه مخالفا لمقتضي العقد؛ إذ عقد الشركة لا يقتضي شيئا إلا الاشتراك، و لا تعرض فيه لكون الربح لمن و الخسارة

علي من. و بعبارة أجلي إن عقد الشركة يقتضي الاشتراك، و لا ينفي الزيادة في طرف و النقيصة في الطرف الآخر، و لا لأنه من الأكل بالباطل، بتقريب أنه أكل للمال بلا غرض، فإن الجار في الآية الشريفة لا يكون للمقابلة بل للسببية، و لا لأن الشرط في ضمن العقد الجائز جائز و غير لازم، و إن كان هذا الكلام مشهورا و لكن لا أساس له؛ و ذلك أن الشرط ملزم و لو كان في ضمن العقد الفاسد، فكيف بوقوعه تلو العقد الجائز، بل يكون لازما حتي لو وقع ضمن وعد من

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 276/ ب 20 من أبواب المهور ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 297

______________________________

الوعود، و عهدة إثبات هذا المعني عليّ.

فأقول: المستفاد من دليل الشرط أنه لو صدق عنوان الاشتراط، و كان متعلق الشرط أمرا جائزا في الشريعة المقدسة، لكان لازمه الوفاء، و مقتضي إطلاق دليل نفوذ الشرط عدم الفرق بين أفراده و مصاديقه؛ إذ الإطلاق معناه رفض القيود، و لازمه سريان الحكم إلي جميع الأفراد، فعلي هذا لا تنافي بين جواز العقد و لزوم الشرط، و أيضا لا تنافي بين فساد العقد و لزوم الشرط، بل لا يتوقف لزومه علي كونه خلال العقد، بل قوام الشرط بصدق الارتباط، فلو قال زيد لصديقه: «إن شوفي ولدي من المرض الفلاني أعطيتك دينارا» ففي هذه الحالة يجب عليه الإعطاء لنفوذ الشرط، إلّا أن تقوم ضرورة علي خلافه، و أنّي لنا بذلك.

و انما الإشكال في الشرط المذكور من ناحية أخري؛ إذ هو لا يخلو إمّا ان يكون شرطا للفعل أو شرطا للنتيجة، فأمّا علي الأول فلا إشكال فيه، و لكن هذا ليس محل

الكلام.

و أمّا علي الثاني فيكون الشرط خلاف المقرر الشرعي؛ إذا لا وجه لصيرورة مال شخص لغيره بلا وجه، و بتعبير آخر أن مقتضي القاعدة التساوي في الربح، و الزيادة تحتاج إلي سبب شرعي، و المفروض

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 298

______________________________

عدمه، فالشرط شرط مخالف مع المقرر الشرعي.

فالنتيجة: أن الشرط المذكور فاسد و لكن لا يوجب فساد العقد؛ إذ لا وجه لكونه مفسدا للعقد بعد تمامية أركانه كما هو المفروض.

و قد استدل سيّدنا الأستاذ (قدّس سرّه) علي عدم كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد مضافا إلي القاعدة الأولية بحديث رفاعة قال: سألت أبا الحسن موسي (عليه السّلام) عن رجل شارك رجلا في جارية له، و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ء؟

فقال: لا أري بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية «1».

بتقريب أن عدم البأس في كلام الإمام (عليه السّلام) قد علّق علي طيب نفس مالك الجارية، و لا يمكن أن يكون طيب النفس شرطا لأصل صحة العقد- أي عقد الشركة-؛ إذ المفروض أن طيب نفسه قد حقق كما هو ظاهر، فالتعليق لغو، فيكون التعليق راجعا و مرتبطا بالشرط، و حيث ان الشرط إذا كان صحيحا لم يكن وجه للتعليق، بل مقتضي صحة الشرط عدم الفرق بين الطيب و عدمه، فينكشف أن الشرط فاسد، و الحال أن العقد صحيح، غاية الأمر أن مالك الجارية إذا طابت نفسه يتحمّل الخسارة،

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 7/ ب 1 من أبواب الشركة ح 8.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 299

______________________________

و لا يحسب علي الشريك شيئا منها «1».

و يرد عليه: أن ما أفاده (قدّس سرّه) خلاف الظاهر؛ إذ الظاهر من الحديث أن

التشريك المذكور علي النحو المفروض في السؤال صحيح و لا بأس به، و لا مانع من التعليق، و كذلك لا يكون لغوا؛ إذ الحكم الصادر عن الإمام (صلوات اللّه و سلامه عليه) علي نحو القضية الحقيقية، و الحكم حكم كلّي، و حيث ان عدم البأس مقيد بخصوص صورة طيب النفس علّق (عليه السّلام) الجواز بهذه الصورة.

و بمقتضي مفهوم الشرط يستفاد من الحديث أنه لا يصح مع عدم الطيب، و هذا التعبير سار و جار في جميع المحاورات العرفية،- مثلا- يسأل السائل المجتهد بأن زوجة زيد تعلم برضا زوجها في حالة خروجها من البيت، و المجتهد يجيب (إذا كان الأمر كذلك فلا بأس بخروجها)، فتصبح النتيجة حينئذ: أن الشرط المزبور و إن كان فاسدا في حدّ نفسه و لكن لا مانع من الالتزام بصحته بالخصوص؛ و ذلك للحديث المذكور في المقام.

فإذا عرفت ما أوضحناه

ففي المقام جهات ينبغي التعرض لها
اشارة

______________________________

(1) انظر مباني العروة الوثقي: 260- 261.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 300

______________________________

و هي كما يلي:

الجهة الأولي: إن الماتن «رحمه الله» أفاد بأنه لا تنافي بين وجوب الوفاء و كون العقد جائزا،

فما دام لم يفسخ من له الخيار يجب عليه أن يفي بالعقد.

و الحق أنه لا يمكن تصور اجتماع الأمرين، اي لا يتصور كون العقد جائزا و مع ذلك يكون الوفاء واجبا؛ و ذلك لما تقدم منّا في طيّ الابحاث المتقدمة من أن وجوب الوفاء إرشاد إلي اللزوم، فعلي هذا فإنّ العقد إمّا يجب الوفاء به فلا يكون فيه الخيار، و إمّا يجوز فسخه فلا يجب الوفاء به.

نعم هذا إنما يتم علي مسلك من يري وجوب الوفاء بالعقد وجوبا تكليفيا فلاحظ.

الجهة الثانية: إن الماتن «رحمه الله» فرّق بين جعل بعض الربح لأحدهما و بين جعل تمام الربح له، و اختار الجواز في الأول، و منع عنه في الثاني؛

بدعوي أن جعل تمام الربح لأحدهما مناف مع مقتضي العقد.

و يلاحظ عليه أمران:

الأول: أنه لا اقتضاء لعقد الشركة بالنسبة إلي النفع و الخسارة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 301

______________________________

الثاني: أنه لا وجه للتفريق بين الصورتين؛ فإن عقد الشركة إن كان متعرضا للربح و الخسران فعلي كلا التقديرين يكون الاشتراط المذكور منافيا لمقتضاه، و إن لم يكن متعرضا- كما قلناه- فلا تنافي بين الاشتراط، و مقتضي العقد كذلك، فلا وجه إذا للتفصيل و التفريق.

الجهة الثالثة: في أن الماتن (قدّس سرّه) أفاد بأنه لو جعلت الخسارة بتمامها علي أحدهما صح؛

لعدم كونه منافيا مع العقد.

و الحق أن الاشتراط المذكور صحيح لا لما ذكره (قدّس سرّه)، بل للنص الخاص الوارد في المقام، و هو حديث رفاعة المتقدم ذكره فلاحظ.

الجهة الرابعة: أنه ربما يفصل في جعل الربح لأحدهما بين أن ينتقل الربح أولا إلي المالك ثم إلي الغير، و بين الانتقال مباشرة إلي الغير،

بأن يقال: يصح في الصورة الأولي و لا يصح في الصورة الثانية.

بتقريب أن الانتقال في الصورة الثانية مخالف للشرع الأقدس، فعليه يكون الاشتراط فاسدا، و أمّا في الصورة الأولي فلا إشكال؛ إذ الانتقال من المالك، و مالك المال يتصرف في مملوكه كيف يشاء.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 302

______________________________

و أورد سيّدنا الأستاذ «طاب ثراه» علي التفصيل المذكور بأن التمليك متوقف علي وجود متعلقه في الخارج، و إلّا فلا يمكن تعلّق التمليك بالمعدوم.

و بعبارة أوضح يمكن تمليك الموجود، و أمّا المعدوم فلا مجال لتمليكه.

هذا ملخص ما أفاده (قدّس سرّه) «1».

و فيه: أنه ما المانع من تمليك المعدوم معلقا علي وجوده؟!! و إن شئت قلت: مع التعليق لا يكون مملّكا للمعدوم، بل تمليك للموجود، غاية الأمر علي نحو التعليق و الاشتراط.

إن قلت: إن التعليق مبطل.

قلت: إن بطلان التعليق ليس بحكم العقل كي يقال: إن الحكم العقلي غير قابل للتخصيص، بل بطلانه بالإجماع، و الإجماع غير شامل لصورة التعليق علي ما يتوقف عليه صحة العقد، و لذا لو قال أحد: إن كانت

هذه العين مملوكة لي بعتك إيّاها، يصح هذا البيع بلا إشكال و لا ريب؛ لأن صحة البيع تتوقف علي الملكية، فلاحظ و اغتنم، فحينئذ لا

______________________________

(1) لاحظ مباني العروة الوثقي: 262- 263.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 303

[مسألة] (6): إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما، أو منهما مع استقلال كل منهما، أو مع انضمامهما فهو المتّبع، و لا يجوز التعدي، و إن أطلقا

لم يجز لواحد منهما التصرف، إلا بأذن الآخر.

و مع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه، فإن كان مقيدا بنوع خاص من التجارة لم يجز التعدي عنه، و كذا مع تعيين كيفية خاصة، و إن كان مطلقا فاللازم الاقتصار علي المتعارف (1) من حيث النوع و الكيفية.

______________________________

إشكال من هذه الناحية.

بل الإشكال- كما ذكر- ناشئ من ناحية أن الشرط لا يكون مشرّعا، بل يلزم فرض مشروعيته في الرتبة السابقة، و حيث لا دليل عليها فلا يجوز الاشتراط المذكور.

[مسألة 6: حكم التصرف في المال المشترك]

(1) ما أفاده (قدّس سرّه) علي طبق القاعدة الأولية، و صفوة القول: أن التصرف في مال الغير غير جائز، و لا فرق بين أن يكون التصرف تصرفا خارجيا، أو اعتباريا.

و علي ضوء هذا، فيما لو فرضنا أن كل واحد من الشريكين، أو أحدهما، قد عيّن إلي شريكه أن يتصرف ضمن دائرة محددة، و في إطار

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 304

______________________________

خاص، فعليه لا يجوز التعدي إلي غير هذا لنطاق المحدد، إلا بإذن من الآخر.

و أمّا إذا فرضنا انفتاح الدائرة و إطلاق عنان التصرف، فيا هل تري كيف يكون التصرف؟

بطبيعة الحال يلزم أن يكون التصرف علي ما هو المتعارف، و لا يتعدي عن ذلك.

و الوجه فيه: أن جواز التصرف موقوف علي الإذن كما تقدم، فإذا قلنا: أن المطلق ينصرف بحسب المتعارف إلي نوع خاص، أو حصة محددة، فبالطبع لا يجوز التصرف في غير هذه الدائرة أو الحصة المعينة.

و بعبارة أجلي، أن جواز التصرف يتوقف علي إحراز الإطلاق، هذا كله في هذه الصورة، و أمّا إذا وصلت النوبة إلي الشك فما هو مقتضي الأصل؟

الجواب:

ان مقتضي الأصل الأولي و القاعدة الأولية عدم الجواز؛ و ذلك أن الجواز يحتاج إلي إحراز

المجوّز، ففي حالة إحراز المجوّز من قبل العامل أو المتصرف في المال- بأي نحو من الأنحاء- يجوز له التصرف.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 305

و يكون حال المأذون حال العامل في المضاربة، فلا يجوز البيع بالنسيئة، بل و لا الشراء بها، و لا يجوز السفر بالمال، و إن تعدي عمّا عيّن له، أو عن المتعارف ضمن الخسارة و التلف (1)، و لكن يبقي الأذن بعد التعدي أيضا، إذ لا ينافي الضمان بقاءه.

______________________________

و أمّا مع عدم الإحراز- كأن يشك فيما هو المتعارف عند الإطلاق، هل المتعارف التصرف في ضمن هذه الدائرة أو أوسع منها و هكذا …

ففي هذه الحالة لا يجوز له التصرف، و هذا طبيعي جدا؛ إذ الشك في الإطلاق كاف في عدم التصرف.

و لعلك تسأل ما هو غرضك من هذا البيان؟

غرضي من هذا البيان أنه لا يلزم لعدم جواز التصرف إحراز الانصراف، بل اللازم في جواز التصرف إحراز الإطلاق، ففي عدم إحراز الإطلاق تكون النتيجة: هي عدم الجواز، و هذا واضح ظاهر و لا يحتاج إلي إطالة الكلام؛ إذ التصرف في مال الغير علي صعيد الوضع، أو التكليف، يتوقف علي إذن المالك، و عند عدم إحراز الإذن فلا يحق له التصرف.

(1) حكم (قدّس سرّه) بالضمان في صورة التعدي علي نحو الإطلاق،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 306

______________________________

و ينبغي لنا أن نفصّل في المقام و ذلك ضمن صورتين:

الصورة الأولي: أنه يتحقق تلف المال في الخارج و يكون ناتجا عن التعدي، و لا فرق في ذلك بين أن يكون تلفا حقيقيا أو حكميا.

ففي هذه الصورة لا إشكال في كون المتعدي ضامنا؛ و ذلك لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» و

علي ضوئها يكون الشخص المتعدي ضامنا؛ إذ بالتعدي يتحقق الإتلاف، و هذا من مصاديق القاعدة المزبورة، و انطباقها عليه من دون شك و لا ريب.

هذا كله في صورة تحقق التلف.

الصورة الثانية: أنه لم يتحقق التلف في الخارج، و إنما المتحقق من التعدي هي الخسارة لا غير، و لتوضيح المطلب نذكر هذ المثال: إذا قام بكر بتجارة ما، كأن يتاجر بالسيارات، و كان المال الذي تاجر به ملكا لزيد، فهو في الحقيقة لا يتاجر بماله و إنما يتاجر بمال غيره، و في هذه التجارة حصلت له الخسارة، ففي هذه الحالة يكون الأمر بيد المالك؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال: في ضوء هذه الصورة، ان هذه التجارة هي من مصاديق الفضولي؛ و ذلك أن المفروض لا إذن في المقام، فالتصرف الذي لا يندرج تحت إذن المالك لا إشكال في دخوله ضمن دائرة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 307

و الأحوط مع اطلاق الإذن ملاحظة المصلحة، و إن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة (1).

______________________________

الفضولي، و يصبح في النهاية من مصاديقها، و علي هذا يكون قابلا للإجازة، فإن أجاز المالك فلا كلام، و أمّا في حالة عدم صدور الإجازة

من المالك فعليه أن يستردّ العين منه، و لا يمكن أن يقال: بأن مجرد التعدي علي مال الغير و الخروج عن دائرة الإذن يوجب الضمان، بل الضمان يتوقف علي تحقق التلف في الخارج، سواء كان حقيقيا أو حكميا.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، در يك جلد، المقرر - چاپخانه امير، قم - ايران، اول، 1419 ه ق مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم؛ ص: 307

و من خلال هذا البيان ينبثق سؤال، و

هو: لو فرضنا أنه تعدي و صار ضامنا، فهل يسقط الإذن السابق بالنسبة إلي غير المتعدي أم لا؟

الجواب:

كما أفاده الماتن «طاب ثراه»؛ إذ أنه لا وجه للسقوط، حيث لا ملازمة بين التعدي و تمامية الإذن.

(1) في عبارة الجواهر (لا يخلو من قوة)، و في المتن الأحوط، و الظاهر لا الأقوي، و لا الأحوط، بل الأظهر؛ إذ إن دائرة التصرف مخصوصة بمورد إذن المالك، هذا من ناحية، و من ناحية أخري؛ إذا قام

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 308

[مسألة] (7): العامل أمين، فلا يضمن التلف ما لم يفرّط أو يتعدي (1).

______________________________

المالك أو الموكّل في معاملة ما فتقع المعاملة في نطاق الدائرة العقلائية، و أمّا إذا لم تكن كذلك فلا تكون الوكالة شاملة له؛ و ذلك أن المالك إذا أقدم علي معاملة بالنسبة إلي ماله فلا بد أن يراعي ذلك، فكيف إذا بما إذا وكّل غيره، فمن طريق أولي لا بد أن يكون مراعيا إلي جعل المعاملة علي الوجه الصحيح.

و ينبغي أن يعبّر في المقام بهذا التعبير، و هو لا بد أن تكون المعاملة في سوق العقلاء عقلائية، لا أن يعبّر بالمصلحة او المفسدة، و بناء عليه إذا كانت المعاملة عقلائية يصبح الحكم الجواز و العكس عدم الجواز.

و أمّا في صورة الشك فلا مجال للتمسك بإطلاق الإذن؛ إذ المفروض أنه قد تأطّر الإذن ضمن إطار خاص، و عليه فلا مجال إذا للتمسك بالإطلاق؛ لما تعلم أن التمسك بالإطلاق و العموم في الشبهات المصداقية غير جائز، و إنما البساط في المقام قد فرّش للاستصحاب.

و توضيح ذلك: أن هذه المعاملة قبل وجودها لم تكن عقلائية، و بعد وجودها، يكون الأمر كما كان سابقا، و مقتضاه عدم الجواز.

[مسألة 7: الأمين لا يضمن إلّا مع التعدي أو التفريط]

(1) علي طبق القاعدة؛ و ذلك أن الضمان إنما يتحقق باليد أو

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 309

______________________________

الإتلاف، فأمّا اليد فلا ضمان؛ إذ المفروض أن المالك- في الفرض- قد دفع ماله إلي الأمين بطيب نفسه و رضاه، و حينئذ فلا تكون هذه اليد يد عدوان و تعد.

و أمّا الإتلاف فأوضح من سابقه؛ إذ المفروض عدمه، فحينئذ لا تعدي و لا تقصير في البين، و خلاصة الكلام أن الحكم متسالم عليه عند جميع الأصحاب و لا حاجة إلي الإطناب.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 310

[مسألة 8: عقد الشركة جائز]

اشارة

[مسألة] (8): عقد الشركة من العقود الجائزة (1)، فيجوز لكل من الشريكين فسخه، لا بمعني أن يكون الفسخ موجبا للانفساخ من الأول، أو من حينه، بحيث تبطل الشركة؛ إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة، بل بمعني جواز رجوع كل منهما عن الإذن في التصرف الذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة، أو بمعني مطالبة القسمة.

و إذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر- فيما لو كان كل منهما مأذونا- لم يجز التصرف للآخر، و يبقي الجواز بالنسبة إلي الأول، و إذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما.

و بمطالبة القسمة يجب القبول علي الآخر، و إذا أوقعا الشركة علي وجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصان في الخسارة يمكن الفسخ، بمعني إبطال هذا القرار، بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين علي ما هو مقتضي إطلاق الشركة.

______________________________

(1) قد ذكر الماتن «رحمه الله» ضمن هذه المسألة فروعا، ينبغي التعرض لها كل علي حده.

الفرع الأول: أن عقد الشركة من العقود الجائزة.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 311

______________________________

و قبل أن أبدي نظري في المقام لا بد من إطلالة قصيرة علي بعض كلامات الأصحاب «قدس الله أسرارهم»، لكي نري من خلالها ما هو المشهور بينهم.

قال (المحقق الحلي) في (الشرائع): «و لكل واحد من الشركاء الرجوع في الإذن، و المطالبة بالقسمة؛ إذ الشركة من العقود الجائزة من الطرفين»، و كذلك عبّر بنفس هذا التعبير (العلامة) في (القواعد)، و نحوه (المحقق الكركي) في (جامع المقاصد)، و (الشهيد الثاني) في (المسالك)، و غيرهم من الأصحاب، و في بعض الكلمات ادّعي الإجماع عليه، كما في (الغنية) و (التذكرة)، فمن خلال هذه الكلمات اتضح أن هذا التعبير أصبح مشهورا بينهم.

و لمعرفة الحق في

المقام لا بد من التحقيق، فنقول: إنه لا إشكال و لا كلام في أن الاشتراك بعد تحققه في الخارج لا وجه لإزالته إلّا بالقسمة، فإذا كان الأمر كذلك فما هي الفائدة في كون العقد جائزا أو لازما؟

الظاهر أنه لا يترتب عليه أي أثر قابل للذكر، و لتوضيح المقام نذكر هذا المثال: و هو لو فرضنا أن مال زيد و عمرو قد امتزجا و صارت الشركة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 312

______________________________

متحققة في الخارج، و لنفرض أن عقد الشركة من العقود الجائزة، فالظاهر أن في هذه الحالة لا مدخلية لكون العقد جائزا أو لازما، و لا أثر في البين.

نعم، لو قلنا: بعدم امتزاج كل من مال زيد و عمرو مع تحقق عقد الشركة بين المالين ففي هذا الفرض يمكننا فرض اللزوم و عدمه، بحيث نقول: إذا كان الامر كذلك فلا يكون هذا العقد لازما، بل جائز؛ لأنه بالفسخ يصير الأمر منفسخا، و يصبح المال مختصا لمالكه، و المال الآخر يختص لشخص آخر، هذا كله بحسب مقام الثبوت، و لكن قد يلاحظ علي هذا التقريب عدة أمور:

1- قد تقدم منا أنه لا دليل علي صحة عقد الشركة من خلال النصوص؛ إذ لا يستفاد منها كون عقد الشركة من العقود، بل الموجود فيها عنوان التشريك لا عقد الشركة، و بهذا يكون أصل المطلب منتفيا من جذوره و أساسه، فكيف بفروعه؟! و قد ذكرنا في مطاوي الأبحاث المتقدمة مما يؤيد و يدعم ما أفدناه؛ و ذلك مع علو مكانة الماتن و قوة باعه في هذا الفن نراه لم يتمسك بدليل عقد الشركة، و إنما تمسك لإثبات

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 313

______________________________

مدّعاه بقوله (صلّي اللّه

عليه و آله): «المؤمنون عند شروطهم» «1».

و خلاصة القول أنه لا دليل علي صحة عقد الشركة.

2- إذا تنازلنا و أغمضنا النظر عما قلناه، و سلّمنا بأن عقد الشركة من العقود، فلا يمكننا أيضا أن نسلّم بذلك؛ و ذلك أنه يلزم فيه الامتزاج بين كلا المالين، و بعد الامتزاج تتحقق الشركة، و عند تحققها فلا وجه للانتفاء بالفسخ.

3- أنه لو فرضنا أن عقد الشركة من العقود، و كذلك يوجب تحقق الشركة بين كلا المالين بلا امتزاج، فعلي هذا الفرض يرد التساؤل أيضا و هو أيّ دليل قد دلّ علي أن هذا العقد من العقود الجائزة؟ بل مقتضي قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يكون العقد لازما لا جائزا.

فتحصّل من خلال هذ البيان عدم الركون لما أفاده الماتن (قدّس سرّه) من كون عقد الشركة من العقود الجائزة.

الفرع الثاني: يتوقف تصرف كل من الشريكين في المال علي إجازة الآخر

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 276/ ب 20 من أبواب المهور ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 314

______________________________

و هذ طبيعي جدا، و في كمال الوضوح، و قد تقدم الوجه فيه ضمن الأبحاث المتقدمة، و لا حاجة للإعادة.

الفرع الثالث: إذا أراد أو استدعي أحدهما القسمة وجب علي الآخر القبول.

و هذا أيضا أوضح من سابقة، لما تعلم أنه قد ثبت بالضرورة الفقهية أن كل مالك مسلّط علي ماله، فعلي ضوئه لا يحق لأي شخص من الأشخاص أن يمنعه عن حقه؛ فإذا فرضنا أنه طالب بالقسمة فلا يسمح الطرف الآخر أن يمتنع، بل يجب عليه تسليم ذلك، و عند امتناعه يرجع ما حصل إلي الحاكم الشرعي، و يتصدي كما هو وظيفته بالنسبة إلي الأمور الحسبية.

الفرع الرابع: إذا أوقعا الشركة علي أن يكون لأحدهما زيادة في ربح، أو نقصان في الخسارة، يمكن الفسخ.

قد حكم «طاب ثراه» في هذا الفرع بالتساوي بينهما بعد الفسخ،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 315

______________________________

و يلاحظ علي هذا الحكم أمران:

أ- قد تقدم منا سابقا القول بعدم صحة هذا الشرط- و هو شرط الربح و الخسارة-، بل هو مخالف للمقرر الشرعي، و بناء علي هذا فلا يجوز اشتراطه، و عند عدم الجواز فلا إصغاء للقول بجواز الفسخ و عدمه؛ و ذلك أن أصل الاشتراط فاسد من أساسه، و مقتلع من جذوره.

ب- لو أغمضنا النظر عما قلناه، و سلّمنا بصحة هذا الاشتراط، فأيضا لا يمكن القول بما أفاده. و يمكن تقريب ذلك بهذا البيان: بأن نقول:

إن ما اشترطه أحدهما يعتبر حقا له، فعلي هذا يمكنه أن يقوم بإسقاط حقه، إذ لا مانع من ذلك؛ حيث إنه حق من حقوقه فله أن يسقطه إذا شاء.

و من خلال هذا البيان ينبثق سؤال، و قبل عرضه لا بد أن نلفت نظرك إلي ما هو المراد من الحق هنا، فنقول: إن الحق في المقام ينقسم إلي قسمين: فتارة يكون قابلا للإسقاط، و اخري عكس ذلك تماما؛ فعلي الأول من له الحق يمكنه إسقاطه، و أمّا علي الثاني فلا يستطيع صاحب الحق أن يسقط حقه، كما في مسألة الهبة، فإذا اتضح ذلك نرجع

إلي السؤال الذي تقدمت الإشارة إليه لكي نطرحه، فنقول: ما هو الدليل الذي يمكن التمسك به علي جواز إسقاط هذا الحق؟

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 316

[مسألة] (9): لو ذكر في عقد الشركة أجلا لا يلزم فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه (1)، إلا أن يكون مشروطا في ضمن عقد لازم فيكون لازما.

______________________________

الجواب:

لا نري دليلا علي جواز إسقاط الحق، و عند ذلك تصل النوبة إلي بساط الشك، و علي مائدته يكون مقتضي الأصل عدم الجواز؛ إذ نشك في أن الشارع الأقدس هل جعل لمن يكون له مثل هذا الحق حق الإسقاط أو لا؟

بطبيعة الحال يكون مقتضي الاستصحاب العدم، و علي ضوئه نحكم بلزوم الحق و عدم كونه جائزا للإسقاط، فتحصّل أنه لا يمكننا القول بما أفاده (قدّس سرّه).

نعم يمكن للآذن رفع اليد عن إذنه في التصرف، و بعد زوال الإذن لا يبقي موضوع للزيادة و النقصان.

[مسألة 9: ذكر الأجل في عقد الشركة]

(1) قد فصل (قدّس سرّه) في اشتراط الأجل بالنسبة إلي الإذن بين أن

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 317

______________________________

يكون- هذا الشرط- في ضمن عقد الشركة و بين أن يكون في ضمن عقد لازم، غير عقد الشركة، فحكم بلزوم الشرط في الثاني دون الأول.

و توضيح ذلك: إذا اشترطنا الأجل في ضمن عقد الشركة فلا مقتضي للزومه؛ إذ الفرع لا يكون زائدا علي الأصل، و حيث إن عقد الشركة من العقود الجائزة فالشرط الواقع في ضمنه لا يكون لازما، بل يكون جائزا أيضا.

و أمّا إذا فرضنا أنهما اشترطا في ضمن عقد لازم، فبتبع لزوم العقد يكون لازما هذا ما يمكن ذكره في تقريب التفصيل.

و عند الحقيقة أن هذا التفصيل لا يرجع إلي محصّل صحيح؛ و الوجه في

ذلك ما ذكرناه مررا و تكرارا في طي الابحاث المتقدمة، بأنه إذا تحقق الشرط بما له من المفهوم لا بد أن يكون لازما، و لا فرق في ذلك بين أن يقع الشرط ضمن عقد جائز، أو لازم، أو فاسد، أو ضمن اخبار من الأخبار؛ فإنه إذا تحقق هذا المفهوم و صدق في الخارج يرتكز علي قوله (صلّي اللّه عليه و آله):

«المؤمنون عند شروطهم»، فمن خلاله يكون الشرط لازما.

و بعبارة جلية، تارة نلتزم بلزوم الشرط الواقع في ضمن العقد، و ذلك علي ضوء قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث إنه يدل علي اللزوم،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 318

______________________________

و مقتضاه يكون العقد و ما يتعلق به لازما. فعلي هذا البيان يكون للتفصيل المزبور مجال؛ إذ لا يصبح العقد الجائز مصداقا لقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و اخري لم نقل بهذه المقالة، و انما نلتزم بلزوم الشرط من خلال قوله: (صلّي اللّه عليه و آله) «المؤمنون عند شروطهم»، فعلي ضوئه لا يوجد فرق بين وقوع الشرط في ضمن العقد الفاسد أو الصحيح، و كذلك الصحيح لا فرق فيه بين أن يكون لازما أو جائزا، بل لا يلزم وقوعه في ضمن العقد، بل يكفي تحققه و لو في ضمن الإخبار لإثبات المدّعي.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 319

[مسألة] (10): لو ادعي أحدهما علي الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر، عليه الحلف مع عدم البينة (1).

[مسألة] (11): إذا ادعي العامل التلف، قبل قوله مع اليمين؛ لأنه أمين (2).

[مسألة 10: دعوي أحدهما الخيانة علي الآخر]

______________________________

(1) هذا ما تقتضيه موازين الدعاي، المستفادة من خلال كتاب القضاء؛ إذ المستفاد منها أن البينية علي المدعي و اليمين علي من أنكر.

فإذا فرضنا أن مورد الادعاء كان مخالفا

للأصل الأولي، ففي هذه الحالة لو لا قيام الدليل الخاص لكان الميزان الكلي هو القول قول المنكر، و بهذا لو أقام المدعي البينة علي مدعاه يكون الحق معه، و إلا فالقول قول المنكر مع الحلف.

[مسألة 11: إذا ادعي العامل التلف]

(2) يقع البحث في هذه المسألة من خلال زاويتين:

الزاوية الاولي: القاعدة الأولية.

الزاوية الثانية: النصوص الواردة في باب الإجارة.

فمن خلال القاعدة الأولية نستطيع أن نقول: بأن الحق مع الماتن (قدّس سرّه)، و الأمر عند الحقيقة كما أفاده، إذ مقتضي الأصل في حالة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 320

______________________________

الشك هو عدم التفريط، و ليس عليه في هذه الحالة إلا اليمين عند ما يترافعان إلي الحاكم الشرعي، هذا كله بحسب ما تقتضيه القاعدة الأولية.

و أمّا من خلال النصوص الواردة في باب الإجارة، فربما يقال: كما عليه سيّدنا الأستاذ (قدّس سرّه) من جعل الروايات الواردة في مورد التلف عند دعوي تلف مال الإجارة إلي ثلاث طوائف، و هي كما يلي:

أ- تدل علي عدم الضمان علي الإطلاق.

ب- تدل علي الضمان علي الإطلاق.

ج- تدل علي التفصيل بين أن يكون المدعي متهما أو غير ذلك، فإذا كان متهما يلزمه إقامة البينة علي مدعاه و لا ضمان عليه، و عند عدم إقامة البينة يلزمه الضمان.

و أمّا إذا لم يكن متهما، فالقول قوله مع اليمين، و بناء علي هذا التقسيم تصبح النتيجة بين الطوائف الثلاث: تخصيص أو تقييد الطائفة الأولي و الثانية من قبل الطائفة الثالثة؛ و ذلك لما تعلم من أنه في بحث الأصول عند التعرض للعام و الخاص من رد العام إلي الخاص و تقييد المطلق بالمقيد.

و خلاصة القول: إذا لم يكن متهما ليس عليه شي ء سوي اليمين،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص:

321

______________________________

و أمّا إذا كان متهما يلزم عليه إقامة البينة، و كذلك الحال في المقام أيضا، هذا كله ما يريد أن يقوله سيدنا الأستاذ «طاب ثراه» «1»، و كذلك غيره ممن يري هذا المسلك.

أقول: إن هذا التقريب المزبور و إن كان علي ضوء الصناعة، و لكن لا يجري في المقام، و إنما يختص في مورده فقط، و هي الإجارة، و أمّا تسرية الحكم إلي ما نحن بصدده فيعتبر تخرّصا بالغيب؛ لما تعلم من أن ملاكات الأحكام الشرعية بيد الشارع الأقدس، و أمّا عقولنا القاصرة فلا تنالها؛ إذ يمكن أن يكون للشارع الأقدس غرض و ملاك في باب الإجارة دون غيره من الموارد.

و دعوي عدم الفرق بين الإجارة و الشركة، مردودة، علي مدّعيها، و خالية من الدليل.

و الحاصل من خلال ما بيّناه: أنه إذا لم يرد دليل معتبر يمكن من خلاله استفادة سريان الحكم لمثل المقام فلا بدلنا من العمل علي ضوء القاعدة الأولية، و عليه يصبح الحق مع الماتن (قدّس سرّه) من أنه ليس علي المنكر إلا اليمين.

______________________________

(1) انظر مباني العروة الوثقي: 269.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 322

[مسألة 12: بطلان الشركة بالموت و نحوه]

[مسألة] (12): تبطل الشركة بالموت (1)، و الجنون (2) و الإغماء (3).

______________________________

(1) المعروف و المستفاد من كلامه (قدّس سرّه) أنه لا يجوز للشريك أن يتصرف بعد موت شريكه، و أمّا أصل الشركة فهي باقية علي حالها، و هذا من الواضحات الأولية.

و علي هذا الصعيد إذا فرضنا أن الشريك قد مات، ففي هذه الصورة ينتقل ما تركه إلي وارثه، و لا مجال للتصرف في ماله؛ إذ التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام، و من البديهي سقوط الإذن عن الاعتبار في حالة موت الشريك.

(2) الكلام

هو الكلام بعد ما بيّناه آنفا من كون المجنون لا شأن له، و ليس له حق التصرف في أيّ شي ء، بل إذنه كالعدم.

(3) لو لا الإجماع المدعي في المقام لدخلت هذه الجهة في ميدان النقاش علي شكل واسع؛ حيث إنه لا فرق بين المغمي عليه و النائم، فكما أن الشركة لا تبطل بالنوم كذلك لا تبطل بالإغماء.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 323

و الحجر، بالفلس (1) أو السفه (2)، بمعني: أنه لا يجوز للآخر التصرف، و أما أصل الشركة فهي باقية، نعم: يبطل أيضا ما قرراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلي ماله أو نقصان الخسارة كذلك (3)، و إذا تبيّن (4) بطلان الشركة فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحة، و يكون الربح علي نسبة المالين؛ لكفاية الإذن المفروض حصوله، نعم لو كان مقيّدا بالصحة تكون كلها فضوليا،

______________________________

(1) إذ لا شأن للمفلس، و لا يمكنه التصرف في ماله، و إذنه ساقط عن الاعتبار.

(2) قد تقدم البحث حوله مستوفي في طي المسألة الرابعة، فراجع.

(3) قد مر الإشكال في صحة هذا الشرط- و هو شرط الزيادة-، نعم بالنسبة إلي خصوص الخسارة قد التزمنا بالجواز؛ و ذلك بواسطة حديث رفاعة.

(4) لا دخل للتبين و عدمه؛ إذ العلم بالموضوع إنما هو طريق فقط،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 324

بالنسبة إلي من يكون إذنه مقيدا، و لكل منهما أجرة مثل عمله (1) بالنسبة إلي حصة الآخر، إذا كان العمل منهما، و إن كان من أحدهما فله أجرة مثل عمله.

______________________________

و لا أثر له في الواقعيات، و بناء عليه إذا فرضنا سقوطه عن الاعتبار تكون المعاملات الواقعة منه- أعم من أن يكون متبينا أو قبل العلم- كلها فضولية،

و لا أثر لها، و بهذا يكون الجمع بين سقوط الزيادة عن الاعتبار و الحكم بالصحة قبل التبين جمعا بين الضدين، و النقيضين، و هو باطل.

و الصحيح أن يقال: إذا سقط إذنه بأيّ سبب من الأسباب، فحينئذ لا مجال لاعتبار التصرفات الواقعة بعده، حتي مع عدم التبين، بل كلها فضولية تفتقر إلي الإجازة و لا أثر لها.

(1) لا خصوصية للعلم و عدمه، بل المدار بقاء الشركة و بطلانها، و بعد فرض بطلان الشركة فلا مجال لصحة المعاملات الواقعة بعد البطلان، بل كلها فضولية، و عليه فلا وجه لثبوت أجرة المثل للعامل.

ثم أنه لا نري وجها لاستحقاق العامل اجرة المثل، و لو مع عدم كون التصرف فضوليا؛ إذ لا مقتضي لثبوت الأجرة لعمل العامل من الشريكين؛ لأن العامل إنما يعمل و يتصرف في العين المشتركة بإذن شريكه، و مجرد

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 325

[مسألة] (13): إذا اشتري أحدهما متاعا و ادعي أنه اشتراه لنفسه و ادعي الآخر أنه اشتراه بالشركة، فمع عدم البينة القول قوله مع اليمين؛ لأنه أعرف بنيته (1).

______________________________

الإذن في التصرف في المال لا يوجب الأجرة، و لا يوجب ضمان الآذن فلاحظ.

[مسألة 13: النزاع في أنه اشتري لنفسه أو بالشركة]

(1) أمّا ما يرجع إلي أصل المدعي فلا مانع من الموافقة مع ما أفاده المصنف (رحمه اللّه)، و ما أبداه لا غبار عليه، و إنما الكلام معه من ناحية اخري، ألا و هي استدلاله علي المدعي فإنه لا يرجع إلي محصّل صحيح؛ إذ لا دليل علي كل من كان أعرف بنيته يكون المقدم قوله، و إذا وصلت النوبة إلي الشك في وجود الدليل و عدمه يكون مقتضي الأصل في هذه الحالة عدم الاعتبار.

و قد وافق سيدنا الأستاذ (قدّس سرّه)

ما أفاده الماتن «طاب ثراه» و لكن بيان آخر، و ملخصه: أن الشخص القائم بالتجارة إذا كانت تجارته بعنوان الشركة يحتاج إلي مؤنة زائدة، و أمّا إذا لم تكن تجارته بهذا العنوان كأن يبيع لنفسه، ففي هذه الصورة لا يحتاج إلي مؤنة زائدة، و عند الشك في

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 326

كما أنه كذلك لو ادعي أنه اشتراه بالشركة و قال الآخر: أنه اشتراه لنفسه، فإنه يقدم قوله أيضا؛ لأنه أعرف؛ و لأنه أمين (1).

______________________________

المئونة يكون مقتضي الأصل العدم، و بهذا لا يكون مشتركا مع غيره «1».

و الحق أن يقال: بأن المدعي كما أفاده المصنف (قدّس سرّه)، و لكن لا بد أن يكون الوجه بهذا البيان: أن الأصل عدم قصده الاشتراك.

إن قلت: ان مقتضي الأصل أيضا عدم قصده الانفراد.

قلت: لا يتمشي هذا الإشكال إلا علي القول بالأصل المثبت، و حيث إننا لا نقول به فحينئذ لا مجال لهذا الإيراد.

و الحاصل من خلال هذا البيان: عدم قصد الاشتراك من قبل الشريك؛ و ذلك لجريان الأصل في البين، و مقتضاه نفي الاشتراك، فعلي ضوئه تكون النتيجة صحة ما أفاده الماتن من خلال ما بيناه، لا من خلال ما بيّنه سيدنا الأستاذ و كذلك الماتن.

(1) بل بالسيرة العقلائية و تؤيده قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به» و حيث ان الشريك مالكا و له حق التصرف ففي حالة دعواه يقدم قوله.

______________________________

(1) انظر مباني العروة الوثقي: 274.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 327

______________________________

و بهذا قد تم البحث حول الشركة شرحا و تعليقا علي متن العروة الوثقي لسيد الطائفة اليزدي (قدّس سرّه) من محاضرات سيّدنا الأستاذ فقيه أهل البيت «عليهم السلام» آية الله العظمي الحاج

السيّد تقي الطباطبائي القمي «دام عزه»، و كان البدء في البحث يوم الاثنين المصادف 3/ شوال لعام 1417 ه الساعة 10 و 5 دقائق صباحا، و الانتهاء في 5 ذي القعدة الحرام لعام 1417 ه في الساعة 10 و 40 دقيقة، و حرّره العبد الراجي شفاعة مولاه زهير بن الحاج يوسف الدرورة السنابسي عفي عنه و عن والديه.

و ذلك بجوار مرقد الطاهرة المعصومة كريمة الامام موسي بن جعفر (عليه السّلام). راجيا منها الشفاعة يوم الحساب، و اخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و صلّي الله علي محمد بن عبد الله و آله الطّاهرين، و اللعن الدائم المؤبد علي أعدائهم من الآن إلي قيام يوم الدين.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 329

المبحث الثّالث صلة الرّحم

اشارة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 331

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* صلة الرحم ينقسم البحث في صلة الرحم إلي ثمانية أقسام، و هي كالآتي:

القسم الأول [في معني الرحم و المراد من وصل الرحم و قطعه]

اشارة

1- الرحم

2- الوصل

3- القطع

و يقع البحث في هذا القسم من خلال جهتين:

الجهة الاولي: المراد من الرحم و بيان الموضوع

اشارة

قال الراغب في مفرداته: استعير الرحم للقرابة؛ لكونهم خارجين من

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 332

______________________________

رحم واحدة «1».

فمن خلال هذا التعريف يتضح ان كل البشرية جمعاء هم أرحام؛ و ذلك لأنهم بأجمعهم قد خرجوا من رحم واحدة، ألا و هو رحم حواء، فمن الواضح البديهي أن هذا التعريف لا يمكننا الاعتماد عليه؛ و ذلك لما له من السعة و الشمولية؛ إذ لا يبقي- بناء علي هذا- شخص إلا و هو رحم لشخص آخر، و هكذا …

و لذا نري أن الرحم قد فسّر بالقريب، و الأرحام «2» قد فسرت بالقرابة، و هو الصحيح، و التقسيم قاطع للشركة، و من واقعه يبرز قسمان، قسم من الناس قريب و الآخر بعيد، و كذلك قسم منه داخل في دائرة الرحم و قسم خارج عنه، و في الحقيقة أن تشخيص الموضوعات بما لها من المفاهيم موكول إلي العرف، إلّا إذا تصرف الشارع الأقدس في موضوع من المواضيع علي نحو الشرطية و القيدية.

فعلي هذا الأساس نقول: لا إشكال في أن العرف يشخص الرحم عن غيره،

فيبرز من تشخيص العرف حالات ثلاث:
اشارة

______________________________

(1) لاحظ مفردات الراغب: 191.

(2) لاحظ مجمع البحرين حيث قال في (صلوا أرحامكم): جمع رحم، و هم القرابة …

مجمع البحرين: مادة رحم. و قال أيضا في لسان العرب: ذو و الرّحم، هم الأقارب. لسان العرب: مادة رحم.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 333

الأولي: القطع بعدم صدق الرحم.

______________________________

مثال ذلك: إذا فرضنا ان زيدا ينتسب مع عمرو و لكن بواسطة بعيدة جدا، اي بينه و بين عمرو بون شاسع في النسب، كما إذا التقي معه في جد من الأجداد بمراحل كثيرة، فعندئذ يقطع العرف بعدم صدق عنوان الرحم عليه.

الثانية: القطع بصدق الرحم.

كما يكون ذلك بين الأخ و الأخت، و بين ابن الأخ و عمه، و ابن الأخت و خاله، و هكذا …

الثالثة: الشك في صدق الرحم و عدمه.

و قبل بيان هذه الصورة لا بد لنا من إشارة خاطفة لبيان ما هو المراد في قوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ* «1» فإنه راجع إلي مسألة الإرث؛ إذ هو مترتب علي الرحمية، فلو كنا نحن و هذا مع قطع النظر عن الدليل الدّال في باب الإرث لقلنا: ان المرجع في تشخيص ذلك هو العرف، و بناء عليه لا تتسع دائرته بهذه المساحة الواسعة، حتي تصل إلي الولاء أو الإمام عليه السلام، و لكن لقيام الدليل الخاص أدي إلي توسعة الحكم إلي غير الأرحام، فعلي هذا أن مطلق الرحمية لا يكون

______________________________

(1) الأنفال: 75.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 334

______________________________

موضوعا للإرث، و بعد هذا البيان نرجع إلي توضيح حالة الشك فنقول:

تارة يكون الشك في المصداق و اخري في المفهوم- اي عنوان الرحم-، كما إذا شككنا في صدق أخويه زيد لعمرو، فحينئذ يكون مقتضي الأصل عدم كونه أخا له؛ و ذلك بالأصل الأزلي؛ إذ هذا الفرد الخارجي قبل وجوده لم يكن مصداقا للرحم، و بعد وجوده يكون الأمر كما كان.

إن قلت: ان الأصل الأزلي محل الكلام.

قلت: نأخذ بالأصل الحكمي؛ إذ نشك في هذا الموضوع، هل هو موضوع لهذا العنوان لكي ينطبق عليه، بحيث كلما انطبق عليه يجب علينا صلته، و يحرم قطعه أو لا؟ فبمقتضي رفع ما لا يعلمون «البراءة» ننفي الوجوب و الحرمة.

و أمّا إذا كانت الشبهة شبهة مفهومية، فقد تقدم منا في محله بأنه لا اشكال في جريان الأصل، و يتضح ذلك بهذا المثال و هو: إذا شككنا في عنوان

المغرب، هل هو استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية، فحينئذ لا مجال لأن يقال: أن الأمر دائر بين متيقن الحدوث و متيقن العدم؛ فإنه لا يرجع إلي محصّل صحيح؛ إذ الكيفية تكون هكذا: قبل ربع ساعة- علي سبيل المثال- كنا قاطعين بعدم تحقق المغرب بما له من المفهوم، و الآن كذلك بعد استتار القرص.

فإذا اتضح ذلك نقول: في المقام نشك في مفهوم الرحم من حيث

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 335

______________________________

السعة و الضيق، مثال ذلك: إذا كان شخص حفيدا للعمة، ففي هذه الصورة نشك في صدق الرحم عليه و عدمه، فيكون مقتضي الأصل العدم.

توضيح ذلك: ان هذا الشخص الخارجي قبل ان يوجد علي ساحة الوجود لم يكن مصداقا لهذا المفهوم، و بعد وجوده يكون الأمر كذلك، فعلي هذا لا يصدق عليه المفهوم؛ و ذلك لعدم وجوده، و بعد الوجود الأصل العدم.

و بتقريب آخر: لا شك و لا ريب ان لفظ الرحم من الموضوعات، و علي هذا الأساس لا بد له من المرور علي مراحل ثلاث:

1- الوضع

2- الواضع

3- الموضوع له

فنقول: قبل ان يجعل هذا اللفظ لهذا المفهوم من قبل الواضع لم يكن صادقا عليه؛ إذ الصدق يحتاج إلي الوضع، و بعد وضعه نشك في صدقه و عدمه، فعليه نحكم بالعدم.

و إن أبيت عن هذا و قلت: بأن الأصل لا يجري في المفاهيم، و علي هذا الأساس لا يتم المطلوب.

قلت: بعد سقوط الأصل الموضوعي عن الاعتبار تصل النوبة إلي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 336

______________________________

الأصل الحكمي، و علي ضوئه يتم المراد؛ إذ نشك في وجوب الصلة و عدمه لهذا الشخص، و نشك أيضا في حرمة القطع و عدمها، فعليه أصالة الاباحة جارية، هذا

تمام الكلام في هذه الجهة.

الجهة الثانية: الوصل و القطع.

هل هما متلازمان أو يمكن التفكيك بينهما؟

الظاهر أنهما متلازمان، و يتضح ذلك من خلال هذا المثال و هو: إذا فرضنا جسما في الخارج كان متصلا بجسم آخر، فعلي هذا يكون الاتصال بينهما متحققا، و لا يكون بينهما انقطاع، إذن: الصلة بين الجسمين و عدم القطع بينهما متلازمة، فإذا فرضنا انقطع أحد الجسمين عن الآخر فلا شك و لا ريب في عدم تحقق الصلة بينهما، و بعد ان أحرزنا الموضوع بهذا النحو فلا بد لنا من ملاحظة الأدلة لكي نري ما هو المستفاد منها في المقام، هل هو وجوب الوصل و حرمة القطع أو لا؟

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 337

القسم الثاني الوجوه المستدل بها علي وجوب صلة الرحم.

اشارة

______________________________

ما يمكن أن يستدل به علي وجوب صلة الرحم عدة أمور، و هي كما يلي:

1- الإجماع.

و هذا الاستدلال متداع من جميع أطرافه، و الحال فيه ظاهر، أضف إلي ذلك كله أنه يحتمل كون المجمعين قد استندوا إلي الآيات الكريمة، و الروايات الشريفة، و عليه فلا يكون الإجماع- بهذه المثابة- كاشفا عن راي المعصوم (عليه السّلام)، و مجرد الاحتمال كاف في عدم التمسك به.

2- الآيات الكريمة.

اشارة

و هي كالآتي:

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 338

______________________________

أ- يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالًا كَثِيراً وَ نِسٰاءً وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً «1».

و هذه الآية الشريفة لا يمكننا الاستدلال بها في ضوء متنها فقط؛ و ذلك لعدم وضوحها، و لكن يمكن الاستدلال بها من خلال الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السّلام) و إليك هذه النصوص:

1- ما رواه جميل بن درّاج

قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن قول اللّه جل ذكره: وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً

قال: فقال: هي أرحام الناس، إن اللّه عز و جلّ أمر بصلتها و عظمها، ألا تري أنّه جعلها منه «2»

فمن خلال هذا النص يتضح المراد من الآية الكريمة علي وجوب صلة الرحم؛ و ذلك لتمامية سندها و وضوح دلالتها.

2- ما رواه محمد بن الفضيل الصيرفي عن الرضا (عليه السّلام) قال: إن رحم آل محمد الائمة (عليهم السّلام) لمعلقة بالعرش تقول: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني، ثمّ هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين، ثم تلا هذه

______________________________

(1) النساء: 1

(2) الكافي: 2/ 150، ح 1، و البحار: 74/ 97/ ح 35 و 97/ ح 36 و 116/ 769.

مباحث فقهية -

الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 339

______________________________

الآية:

وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ «1»

و هذا الحديث يستفاد منه كما يستفاد من سابقه، و بضعف سنده يكون مؤيدا للأول.

3- ما رواه الأصبغ بن نباته

قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول: إن أحدكم ليغض فيما يرض حتي يدخل به النار، فأيما رجل منكم غضب علي ذي رحمه فليدن منه، فإن الرحم إذا مسها الرحم إذا مسها الرحم استقرت و أنها متعلقة بالعرش ينقضنه انتقاض الحديد، فينادي اللّهم صل من وصلني و اقطع من قطعني؛ و ذلك قول اللّه في كتابه وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً

و أيّما رجل غضب و هو قائم فليلزم الأرض من فوره؛ فإنه يذهب رجز الشيطان «2».

و الكلام في هذا الحديث كسابقه من دون فرق.

4- ما رواه عمر بن حنظلة

______________________________

(1) الكافي: 2/ 156/ ح 26.

(2) البرهان: 1/ 338/ ح 5.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 340

______________________________

عنه «1» (عليه السّلام) عن قول اللّه: اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ، قال: هي ارحام الناس، إن اللّه امر بصلتها و عظمها، الا تري أنه جعلها معه «2».

5- ما رواه ابو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: أمير المؤمنين (عليه السّلام): صلوا أرحامكم و لو بالتسليم، يقول الله تبارك و تعالي: وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً «3»

فتحصل من خلال هذه الآية الكريمة مع الروايات المفسرة لها- من قبل الائمة (عليهم السّلام)- وجوب الصلة.

ب- الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ لٰا يَنْقُضُونَ الْمِيثٰاقَ وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ

«4»

فيستفاد من خلال الآية الكريمة أن الصلة مورد أمر الله سبحانه و تعالي؛ حيث قال: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ،

______________________________

(1) المراد من الإمام عليه السلام هو أمّا الباقر او الصادق (عليهم السّلام)؛ و ذلك لكون الراوي و هو (عمر بن حنظلة) العجلي الكوفي و هو من أصحاب الباقر و الصادق.

(2) البرهان: 1/ 338/ ح 6.

(3) الكافي: 2/ 155/ ح 22.

(4) الرعد: 20

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 341

______________________________

فينطلق من واقع الاستدلال سؤال، ألّا و هو ما هو المراد من هذه الصلة؟

فهذه الروايات الشريفة هي التي تجيب عن هذا التساؤل و إليك ذيها.

1- ما رواه ابو بصير

عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: إن الرحم معلقة بالعرش تقول: اللهم صل من وصلني، و اقطع من قطعني، و هي رحم آل محمد، و هو قول اللّه عزّ و جل: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ و رحم كل ذي رحم «1».

فهذا الرواية من خلال متنها تدل علي المدعي، و لكن لا يمكن الاعتماد عليها؛ و ذلك لضعف سندها بمعلي بن محمد، و علي بن أبي حمزة البطائني.

2- ما رواه صفوان الجمال:

قال: قال: وقع بين ابي عبد اللّه (عليه السّلام) و بين عبد اللّه بن الحسن كلام، قال: وقعت الضوضاء بينهم و اجتمع الناس فافترقا عشيتهما بذلك، و غدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد اللّه (عليه السّلام) علي باب عبد الله بن الحسن، و هو يقول: يا جارية قولي: لأبي محمد يخرج فخرج، فقال: يا أبا عبد الله ما بكر بك؟

______________________________

(1) البرهان: 2/ 287/ ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 342

______________________________

فقال: إني تلوت

آية في كتاب اللّه عزّ و جل البارحة فاقلقتني، قال: و ما هي؟

قال: قول الله عزّ و جل ذكره: الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ

فقال: صدقت، لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللّه قط، فاعتنقا و بكيا «1».

3- ما رواه عمر بن يزيد

قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن قوله الله عزّ و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ

فقال: قرابتك «2».

4- ما رواه عمر بن يزيد أيضا قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السّلام) الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ

قال: نزلت في رحم آل محمد، و قد يكون في قرابتك، ثم قال: فلا تكونن ممن يقول: للشي ء أنه في شي ء واحد «3».

______________________________

(1) البرهان: 2/ 288/ ح 2.

(2) البرهان: 2/ 288/ ح 3.

(3) البرهان: 2/ 288/ ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 343

______________________________

5- ما رواه محمد بن الفضيل

عن أبي الحسن (عليه السّلام)، قال: إن رحم آل محمد معلقة بالعرش، تقول: اللهم صل من وصلني، و اقطع من قطعني، و هي تجري في كل رحم، و نزلت هذه الآية في آل محمد، و ما عاهدهم عليه، و ما أخذ عليهم من الميثاق في الذر، من ولاية أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و الأئمة من بعده، و هو قوله: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ لٰا يَنْقُضُونَ الْمِيثٰاقَ … الآية ثم ذكر أعدائهم

فقال: وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ، يعني في أمير المؤمنين [(عليه السّلام)]، و هو الذي أخذ اللّه عليهم في الذر، لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «1».

فاتضح من خلال هذه الأحاديث أن الصلة التي أمر الله

سبحانه بها هي صلة الرحم علي نحو الإطلاق.

ج- وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «2»

______________________________

(1) البرهان: 2/ 228/ ح 6.

(2) الرعد: 25

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 344

______________________________

و هذه الآية الشريفة لا يمكننا الاستدلال بها علي المدعي؛ و ذلك لعدم وضوحها من خلال المتن، و لرب قائل يقول: إن رواية محمد بن فضيل قد أوضحت ما كان غامضا في هذه الآية الكريمة.

قلت: إن الرواية المتقدمة قد ذكرت في تفسير الآية السابقة، و لم تنظر إلي هذه الآية، و بهذا لا يمكن الاستدلال بها.

د- الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ هُمُ الْخٰاسِرُونَ «1»

و تقريب الاستدلال بها علي المدّعي، انه يستفاد منها وجوب الصلة؛ و ذلك من خلال قوله سبحانه: وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ إذ الأمر ظاهر في الوجوب، فعليه تجب الصلة.

و فيه: ان الآية بنفسها لا تدل علي أن المراد من صلة هو صلتها الرحم علي نحو الإطلاق، و لم نجد في ذيلها ما يدل علي المعني المذكور، بل يمكن أن يكون المراد منها صلة الامام أمير المؤمنين و الأئمة الطاهرين (عليهم السّلام)، كما في رواية معلي بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه السّلام) أن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)

______________________________

(1) البقرة: 27

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 345

______________________________

فالبعوضة أمير المؤمنين (عليه السّلام) و ما فوقها رسول الله (صلّي اللّه عليه و آله) و الدليل علي

ذلك قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ «1»

يعني أمير المؤمنين، كما أخذ رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) الميثاق عليهم له، وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مٰا ذٰا أَرٰادَ اللّٰهُ بِهٰذٰا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً «2»

فردّ اللّه عليهم فقال: وَ مٰا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفٰاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ «3» في علي وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يعني من صلة أمير المؤمنين و الائمة (عليهم السّلام) وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ هُمُ الْخٰاسِرُونَ «4»

ه- وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ لٰا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللّٰهَ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً وَ ذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلّٰا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ «5».

______________________________

(1) البقرة: 26.

(2) البقرة: 26.

(3) البقرة: 27.

(4) أنظر البرهان: 1/ 70.

(5) البقرة: 83

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 346

______________________________

بتقريب أن المستفاد من خلال الآية الشريفة وجوب الإحسان لعدة أفراد، و من جملتهم ذي القربي، و هم الرحم، فعلي ذلك تكون الصلة واجبة.

و يلاحظ علي هذا التقريب أمران:

1- إن هذا الحكم المذكور في الآية الكريمة وارد في بني إسرائيل و ليس له اي ارتباط بالأمة الإسلامية، و لا مجال لجريان الاستصحاب في المقام، حتي علي القول بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية؛ و ذلك إنما يجري الاستصحاب في ضمن حدود خاصة، و اطار مقيد، و هو فيما يكون الموضوع مقطوع الحكم بالنسبة إلي الزمان السابق بقاء، و يحصل الشك في بقاء ذلك الحكم، فعند ذلك يرد التساؤل علي مائدة الاستصحاب، بأن نقول: هل يجري الأصل أو يوجد له معارض؟

و

أما إذا كان الحكم ثابت لموضوع ما، فحينئذ لا معني لإسراء ذلك الحكم إلي موضوع آخر، و ما نحن بصدده قد ثبت الحكم إلي بني إسرائيل، و لا يرتبط بالمقام علي الإطلاق.

2- إن الصلة عبارة عن اتصال أحد الأمرين بالآخر، و الحال أن الإحسان إلي اي شخص من الأشخاص لا يستلزم اتصال المحسن بالمحسن إليه؛ إذ يمكن الإحسان إلي الآخرين من دون معرفة من هو

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 347

______________________________

المحسن، و هذا ما عرفناه من خلال سيرة الائمة صلوات اللّه و سلامه عليهم، و يتضح ذلك بوضح لمن تتبع سيرة الامام زين العابدين (عليه السّلام)، يجد أن الامام كان أبرّ الناس بجيرانه و أهل نحلته، فكان يرعاهم كما يرعي أهله، و يعول ضعفائهم و فقرائهم، و لم يترك لونا من ألوان البر و الإحسان إلا أسداه إليهم، و لم يعرف أحد بذلك، إلي أن انقضت حياته صلوات الله و سلامه عليه، يحدثنا عن ذلك العالم الجليل أبو حمزة الثمالي حيث يقول: كان علي بن الحسين (عليه السّلام) ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب فيه الصرر من «الدنانير» و «الدراهم»، حتي يأتي بابا بابا فيقرعه، ثم يناول من يخرج إليه، فلما مات علي بن الحسين (عليه السّلام) فقدوا ذلك، فعلموا أن علي بن الحسين (عليه السّلام) الذي كان يفعل ذلك «1».

فاتضح أنه لا ملازمة بين الإحسان و الاتصال بالمحسن إليه.

و- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلٰائِكَةِ وَ الْكِتٰابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَي الْمٰالَ عَليٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ

______________________________

(1) بكاء الإمام السجاد (عليه السّلام)

«للمؤلف» (مخطوط) الورقة: 15.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 348

______________________________

وَ السّٰائِلِينَ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ أَقٰامَ الصَّلٰاةَ وَ آتَي الزَّكٰاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذٰا عٰاهَدُوا وَ الصّٰابِرِينَ فِي الْبَأْسٰاءِ وَ الضَّرّٰاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «1»

بتقريب أن الآية الكريمة قد انطوت علي وجوب إيتاء المال إلي ذي القربي، فعليه تكون الصلة واجبة.

و يلاحظ علي هذا التقريب امور:

الأول: لا دليل من خلال الآية الشريفة علي وجوب إيتاء المال إلي ذي القربي، بل المستفاد الجامع بين الوجوب و الاستحباب، و مما لا شبهة في أن إيتاء المال إلي ذي القربي أمر حسن موافق للشرع الأقدس، و امّا كونه واجبا فلا دلالة عليه من الآية الكريمة.

الثاني: أن المال المتوهم وجوب إيتائه من الآية هو مال مقيد؛ إذ إمّا كونه محبوبا للشخص، و إمّا مع قصد القربة، و من الظاهر الواضح أن قصد القربة لا يشترك في صلة الرحم؛ و ذلك لكونها من التوصليات، كما أنه لا يكون مقيدا بكونه محبوبا.

الثالث: أن إيتاء المال للقربة لا يستلزم الصلة كما تقدم في طي

______________________________

(1) البقرة: 177

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 349

______________________________

البحث حول الآية السابقة.

الرابع: يمكن أو يحتمل من إعطاء المال في الآية الشريفة الخمس كما ذكر في محله، و عند الاحتمال يبطل الاستدلال.

الخامس: لو سلّمنا بالوجوب، فليس الوجوب علي نحو العام الاستغراقي، بل علي نحو العام المجموعي، اي يجب مجموع هذه الأمور، لا كل واحد علي حده، و عليه إذا ورد الاحتمال بالعام المجموعي فلا ربط لهذا الاستدلال بالمقام.

فالحاصل: أن الآية الشريفة اجنبية عن البحث، و لا علاقة لها بوجوب صلة الرحم.

ز- إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ

ذِي الْقُرْبيٰ وَ يَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «1».

و وجه الاستدلال بها علي المدعي أن المستفاد من خلال الآية وجوب إيتاء ذي القربي، و بما أن الإيتاء يستلزم الصلة فعليه تكون صلة الرحم واجبة.

______________________________

(1) النحل: 90

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 350

______________________________

و فيه:

أولا: أن الإيتاء لا يستلزم الصلة كما تقدم.

ثانيا: يحتمل من أن المراد من الإيتاء هو ما يختص بالخمس.

ثالثا: احتمال كون المراد هو المجموع كما تقدم.

فالحاصل: أنه لا ربط للآية بمقام البحث، بل هي أجنبية عن المقام.

ح- وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ … الآية «1» بتقريب أن المقصود من القربي هم الرحم، و بما أن إيتاء القربي واجب فعليه تجب صلة الرحم.

و يلاحظ علي هذا الاستدلال أربعة أمور:

1- لا بد أن نفرض حقا لذوي الرحم في بادئ الأمر حتي يترتب عليه هذا الحكم، و صلة الرحم من الحقوق التي ترجع إلي الرحم أول الكلام و الإشكال؛ و ذلك أننا لو أحرزنا هذا المعني فحينئذ لا حاجة لنا بالاستدلال المذكور، لأنه ينطوي تحت دائرة تحصيل الحاصل، و هو محال.

و من الواضح أن الحكم لا يكون متعرّضا لموضوع نفسه، بل لا بد أن

______________________________

(1) الإسراء: 26

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 351

______________________________

يكون الموضوع محرزا في الرتبة السابقه؛ و ذلك إمّا بالعلم الوجداني أو التعبدي من الأمارة و الأصل، فعند ذلك يترتب عليه الحكم، و أما في المقام فلم يتحقق إحرازهما، بل محرزين العدم.

فبناء عليه يرد التساؤل من أن الصلة المتعرض لها هل تكون من الحقوق الشرعية و يجب القيام بها أو لا؟

الجواب: عدم تحقق هذا الحق؛ و ذلك بمقتضي الاستصحاب.

2- يحتمل أن يكون

المراد من قوله سبحانه: وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ الخمس.

3- ان إيتاء الحق إلي شخص من الأشخاص لا يستلزم صلته كما تقدم في طي البحث حول الآيتين المتقدمتين.

4- ان الآية الكريمة وردت في بيان قضية فدك و لا ربط لها بالمقام، هذا ما ذكره لنا إمامنا الصادق (عليه السّلام) قال: لما بويع لأبي بكر و استقام له الأمر علي جميع المهاجرين و الأنصار، بعث إلي فدك من اخراج وكيل فاطمة بنت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) منها، فجاءت فاطمة [(عليها السّلام)] إلي أبي بكر فقالت: يا أبا بكر منعتني ميراثي من رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) و اخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها إليّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه و آله) بأمر اللّه.

فقال لها: هاتي علي ذلك شهودا، فجاءت بام أمين فقالت: لا أشهد حتي احتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه و آله)، فقال انشدك اللّه

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 352

______________________________

أ لست تعلم أن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) قال: ان أم أمين امراة من أهل الجنة، قال: بلي، قال: فاشهد ان اللّه أوحي إلي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ فجعل فدك لفاطمة (عليها السّلام) بامر اللّه، و جاء علي (عليه السّلام) فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا برد فدك و دفعه إليها …

الحديث «1».

فتمخض مما أوضحناه: عدم تمامية الاستدلال المزبور بالآية الشريفة علي المدّعي.

ط- فَآتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ … الآية «2»

و التقريب المتقدم في الآية السابقة هو التقريب، و الجواب هو الجواب، فلا وجه للإعادة.

ي- وَ لٰا يَأْتَلِ أُولُوا

الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبيٰ وَ الْمَسٰاكِينَ … الآية «3».

بتقريب أن المستفاد من الآية الشريفة المنع عن امساك المال عن

______________________________

(1) البرهان: 3/ 263.

(2) الروم: 38

(3) النور: 22

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 353

______________________________

القريب، فتجب صلة الرحم.

و لكي نعرف صحة هذا الاستدلال لا بد أن نبحث الآية من جميع جوانبها، فنقول: قد ذكر في سبب نزول الآية ثلاثة أقوال:

الأول: أنها نزلت في أبي بكر

يحدثنا عن ذلك (ابن عباس)، و (عائشة) و (ابن زيد) يقولون: أن الآية نزلت في أبي بكر و مسطح بن أثاثه، و كان ابن خالة أبي بكر، و كان من المهاجرين، و من جملة البدريين، و كان فقيرا، و كان أبو بكر يجري عليه و يقوم بنفقته، فلما خاض في الإفك قطعها، و حلف أن لا ينفعه بنفع أبدا، فلما نزلت الآية عاد أبو بكر إلي ما كان، و قال: و اللّه إني لأحب أن يغفر اللّه لي، و اللّه لا أنزعها عنه أبدا «1».

الثاني: أنها نزلت في يتيم من الأيتام

يحدثنا عن ذلك (الحسن)، و (مجاهد)، قالا: إن الآية نزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر حلف لا ينفق عليه «2».

______________________________

(1) لاحظ مجمع البيان: 7/ 176، و التفسير الكبير: 8/ 348.

(2) مجمع البيان: 7/ 176.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 354

______________________________

الثالث: أنها نزلت في جمع من الصحابة

يروي لنا ذلك حبر الأمة (عبد الله بن عباس)، حيث يقول: إن الآية نزلت في جماعة من الصحابة، أقسموا علي أن لا يتصدقوا علي رجل تكلّم بشي ء من الإفك و لا يواسوهم «1».

فاتضح من خلال عرض هذه الأقوال أن سبب النزول مختلف فيه، و غير مسلّم عندهم، و لكن

لا يمنعنا هذا عن الاستدلال بالآية إذا كانت تامة الدلالة، و لكي نعرف ذلك لا بد لنا من ملاحظة المتن من دون النظر إلي حقل روايات أهل البيت (عليهم السّلام)، فنري ما هو المستفاد؟

فنقول: قد ورد لمعني الإيلاء ثلاثه معان:

1- التقصير

2- الترك

3- الحلف

و عند الحقيقه أن كل هذه المعاني لا تخلو من مناسبة، و لكن المهم عندنا المعني الثاني و هو الترك الذي يمكن أن يكون دخيلا في مقام الاستدلال علي وجوب صلة الرحم؛ حيث يستفاد من قوله عزّ و جل:

وَ لٰا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبيٰ وَ الْمَسٰاكِينَ

______________________________

(1) نفس المصدر.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 355

______________________________

اي لا تتركوا إيتاء قرابتكم بمعني صلوهم، و لكن عند التأمل يظهر من خلال سياق الآية الشريفة أن لايتاء ليس هو الوصل، بل معناه الإعطاء و الإحسان؛ و ذلك من خلال توجيه الخطاب إلي شريحة خاصة من المجتمع و هم الأغنياء، بقوله: أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ و بهذا البيان تصبح الآية الكريمة أجنبية عن البحث، و يبرز من واقع هذا البيان ثلاثة أمور:

الأمر الأول: ان الدليل أخص من المدعي

الأمر الثاني: انه لا إشكال في عدم وجوب الصلة باعطاء المال، و إن شئت قلت: الآية تدل علي وجوب إيتاء المال لكل قريب، و هذا خلاف الضرورة، و بعبارة اخري تصبح الآية مجملة، و غير قابلة للاستدلال.

الأمر الثالث: ان الإيتاء لا يستلزم الصلة كما تقدم.

هذا كله بمعزل عن روايات أهل البيت (عليهم السّلام)، و أمّا إذا نظرنا إلي رواياتهم نجد أن المراد من أولي القربي في الآية الشريفة هم أهل البيت (عليهم السّلام)، هذا ما ذكر في تفسير علي بن إبراهيم القمي، حيث

روي ذلك عن باقر علم النبيين «عليه الصلاة و السلام» قائلا: «أولي القربي هم قرابة رسول اللّه صلي عليه و آله» «1»

______________________________

(1) تفسير القمي: 2/ 100، و البرهان: 3/ 129، و تفسير الصافي: 3/ 426.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 356

«الخلاصة»

______________________________

فتحصّل مما عرضناه من الآيات الشريفة: عدم دلالتها بحد نفسها علي وجوب صلة الرحم؛ و إنما بعضها يدل علي ذلك بواسطة الأحاديث الصادرة من مخزن الوحي عليهم الصلاة و السلام، و البعض الآخر لا دلالة فيه علي وجوب صلة الرحم؛ و ذلك لعدم وجود أخبار تدل علي ذلك.

3- النصوص

الدليل الثالث علي وجوب صلة الرحم الأحاديث الواردة من طريق أهل البيت (عليهم السّلام)، و هي كثيرة جدا، نكتفي في مقام الاستدلال علي المدعي بكوكبة منها، و بها الكفاية و الزيادة لإثبات المدّعي، و هي كما يلي:

أ- قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) لنوفل البكاليّ: يا نوف صل رحمك يزيد اللّه في عمرك «1»

______________________________

(1) البحار: 71/ 89، ح 4.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 357

______________________________

و يناسب ان نتعرض إلي دقيقة انطلاقا من واقع الحديث، ألا و هي إذا ذكرت فائدة مع الأمر هل تصرفه عن الوجوب أو لا؟

الإجابة عن هذا التساؤل تستدعي التفصيل، فنقول: مجرد ذكر الفائدة لا يكون صارفا عن الوجوب؛ إذ تارة يتعرض المولي لفائدة شي ء بلا كونه أمرا به، ففي هذه الحالة لا مجال للقول بالانصراف؛ لأنه لا أمر في البين، و اخري يأمر المولي بشي ء مع ذكر الفائدة، كما إذا قال: (صل ف إِنَّ الصَّلٰاةَ تَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ) فهل يمكن القول في هذه الصورة بعدم دلالة الأمر علي الوجوب؟ بالطبع لا يمكن القول به، بل هو ظاهر في الوجوب من دون شك و لا ريب.

نعم لو وجدت قرينة مقامية و غيرها دالة علي أن المولي ليس في مقام الايجاب يصح ذلك، و إلّا فلا.

ب- قال: أمير المؤمنين (عليه السّلام) صلوا أرحامكم و لو بالسلام، يقول اللّه تبارك و تعالي: وَ

اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً «1»

ج- قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) صلوا أرحامكم و إن قطعوكم «2»

______________________________

(1) البحار: 71/ 91، ح 14.

(2) البحار: 71/ 92، 19.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 358

______________________________

د- عمرو بن جميع، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) مع نفر من أصحابه، فسمعته و هو يقول: إنّ رحم الأئمة (عليهم السّلام) من آل محمد (صلّي اللّه عليه و آله) ليتعلق بالعرش يوم القيامة، و تتعلق بها أرحام المؤمنين، تقول: يا ربّ صل من وصلنا، و أقطع من قطعنا.

قال: فيقول اللّه تبارك و تعالي: أنا الرحمن و أنت الرحم، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، و من قطعك قطعته، و لذلك قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): الرّحم شجنة «1» من اللّه تعالي عزّ و جل «2».

ه- قال: الإمام الصادق (عليه السّلام): أن رجلا من خثعم جاء إلي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، فقال له: أخبرني ما أفضل الإسلام؟

فقال: الإيمان باللّه.

قال: ثمّ ما ذا؟

قال: صلة الرحم.

قال: ثمّ ما ذا؟

فقال: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر «3»

نلاحظ من خلال هذا الحديث أن الأمر بالمعروف و النهي عن

______________________________

(1) القرابة المشتبكة كاشتباك العروق، و لذا يقال: للعضو المشتبك شجن.

(2) البحار: 71/ 96، ح 25.

(3) البحار: 71/ 96، ح 30.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 359

______________________________

المنكر جاء متأخرا، و الحال أنه من الواجبات، فعليه يكون من طريق الاولوية أن تكون الرحم واجبة.

و- الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول: إنّ أحدكم ليغضب فما يرضي حتي يدخل به النار، فأيّما رجل منكم غضب علي ذي رحمه فليدن

منه؛ فإنّ الرحم إذا مستها الرحم استقرت، و إنها متعلّقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد، فينادي اللّهمّ صل من وصلني، و اقطع من قطعني؛ و ذلك قول اللّه في كتابه وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً «1»

و أيّما رجل غضب و هو قائم فليلزم الأرض من فوره؛ فإنه يذهب رجز الشيطان «2»

ز- العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال: سمعته يقول:

الرحم معلّقة بالعرش، تقول: اللّهمّ صل من وصلني، و اقطع من قطعني، و هي رحم آل محمد، و رحم كلّ مؤمن، و هو قول اللّه: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ «3»

______________________________

(1) النساء: 1

(2) البحار: 71/ 97، 34.

(3) البحار: 71/ 98، ح 37.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 360

______________________________

ح- يونس بن عفان، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال: أوّل ناطق يوم القيامة من الجوارح الرحم، يقول: يا ربّ من وصلني في الدّنيا فصل اليوم ما بينك و بينه، و من قطعني في الدّنيا فاقطع اليوم ما بينك و بينه «1»

ط- أبو بصير، عن أبي عبد اللّه، (عليه السّلام) قال: قال: الرحم معلّقة بالعرش ينادي يوم القيامة اللّهمّ صل من وصلني، و اقطع من قطعني.

فقلت: أ هي رحم رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)؟

فقال: بل رحم رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) منها … الحديث «2»

ي- قال رسول: صل رحمك و لو بشربة من ماء، و أفضل ما يوصل به الرحم كف الأذي عنها «3».

ك- أبو بصير، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال: إنّ الرحم معلّقة بالعرش تقول: اللّهمّ صل من وصلني، و اقطع من قطعني، و هي

رحم آل محمد (صلّي اللّه عليه و آله)- إلي أن قال-: و رحم كل ذي رحم «4».

ل- أبو حمزة، قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): صلة الأرحام تزكي الأعمال، و تدفع البلوي، و تنهي الأموال، و تنسئ له في عمره، و توسّع

______________________________

(1) البحار: 71/ 101، ح 51.

(2) البحار: 71/ 101، ح 52.

(3) البحار: 71/ 103، ح 62.

(4) الوسائل: 21/ 534/ ب 17 من أبواب النفقات، ح 6.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 361

______________________________

في رزقه، و تحبّب في أهل بيته، فيتق اللّه و ليصل رحمه «1».

م- أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، في حديث قال: لا تمل من الدعاء؛ فإنه من اللّه بمكان، و عليك بالصبر و طلب الحلال و صلة الرحم، و إيّاك و مكاشفة الناس، فإنّا أهل بيت نصل من قطعنا، و نحسن إلي من أساء إلينا، فنري و اللّه في ذلك العاقبة الحسنة «2».

ن- و في خطبة النبي (صلّي اللّه عليه و آله) في فضل شهر رمضان، قال: و صلوا أرحامكم … «3»

إلي غير ذلك من الروايات، و لا شبهة في استفادة وجوب صلة الرحم من خلال النصوص الوارد في هذا المضمار، مضافا للارتكاز الموجود في أذهان المتشرعة.

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 535/ ب 17 من أبواب النفقات، ح 10.

(2) الوسائل: 7/ 84/ ب 32 من أبواب الدعاء، ح 1.

(3) الوسائل: 10/ 313/ ب 18 من أبواب احكام شهر رمضان، ح 20.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 363

القسم الثالث في حرمة قطع الرحم

اشارة

______________________________

و ما يمكن أن يستدل به علي قطع الرحم أمور و هي كالآتي:

الأمر الأول: الإجماع

و الكلام حوله عين الكلام المتقدم في وجوب صلة الرحم فراجع.

الأمر الثاني: الآية الشريفة:

قال اللّه سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ «1»

بتقريب أن المستفاد من الآية الشريفة حرمة قطع الرحم.

و الانصاف أن المدّعي لا يستفاد من خلال الآية؛ إذ المستفاد من

______________________________

(1) محمد: 22

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 364

______________________________

توليتم هو الهروب من الحرب.

و هذا لا يوجب قطع الفساد، و كذلك لا يوجب أن لا يقطع الرحم، و اما حكم القطع ما هو فلا يستفاد من الآية الشريفة، اضف إلي ذلك كله أن الآية تشير إلي خصوص القتل و الكلام في مطلق القطع.

الأمر الثالث: النصوص.

و هي كما يلي:

1- أبو عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال في كتاب عليّ: (عليه السّلام) ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتي يري وبالهنّ: البغي، و قطيعة الرحم، و اليمين الكاذبة يبارز اللّه بها، و إنّ أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، و إنّ القوم ليكونون فجّارا فيتواصلون فتنمي أموالهم و يثرون، و إنّ اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع «1» من أهلها، و تنقل الرحم، و إنّ نقل الرحم انقطاع النسل «2».

2- حذيفة بن منصور قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): اتّقوا الحالقة

______________________________

(1) اي خالية، و هو كناية عن خرابها و إبادة أهلها، و المراد هنا أن الذي يحلف كذبا و زورا، و كذلك الذي يقطع رحمه يصبه الفقر، و يصبح بيته خاليا، و يصفر من كل شي ء، و لذا يقال للأرض القفراء التي لا شي ء فيها: بلقع.

(2) الوسائل: 21/ 492، ب 95 من أبواب أحكام الأولاد، ح 1.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 365

______________________________

فإنّها تميت الرجال، قلت: و ما الحالقة؟

قال: قطيعة الرحم «1».

3- أبو حمزة الثمالي، قال: أمير المؤمنين (عليه السّلام):

أعوذ باللّه من الذنوب التي تعجّل الفناء، قيل: و ما هي؟

قال: قطيعة الرحم «2».

4- السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السّلام)، قال:

قال رسول الله (صلّي اللّه عليه و آله): إذا ظهر العلم و احترز العمل و ائتلفت الألسن و اختلفت القلوب و تقاطعت الأرحام هنالك لعنهم اللّه فأصمّهم و أعمي أبصارهم «3».

و هذه الأحاديث وافية لإثبات حرمة قطع الرحم.

الأمر الرابع: ضرورة الأمر عند المتشرعة.

حيث انهم يرون قطع الرحم من المحرمات، بل عدّ في بعض النصوص من الكبائر، يحدثنا عن ذلك عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، قال: حدّثني أبو جعفر الثاني (عليه السّلام) قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي

______________________________

(1) الوسائل: 21/ 493، ب 95 من أبواب أحكام الأولاد، ح 4.

(2) الوسائل: 21/ 493، ب 95 من أبواب أحكام الأولاد، ح 5.

(3) الوسائل: 21/ 494، ب 95 من أبواب أحكام الأولاد، ح 7.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 366

______________________________

موسي بن جعفر (عليه السّلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية: وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ «1» ثم أمسك، فقال له أبو عبد اللّه (عليه السّلام) ما أسكتك؟

قال: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزّ و جل، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك باللّه يقول اللّه: مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «2» و بعده الإياس من روح اللّه؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول:

لٰا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ «3» ثم الأمن من مكر اللّه؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: فَلٰا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ «4»، و منها عقوق الوالدين؛ لأن اللّه سبحانه

جعل العاق جَبّٰاراً شَقِيًّا، و قتل النفس الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلّٰا بِالْحَقِّ؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا «5» إلي آخر الآية، و قذف المحصنه؛ لأن اللّه عزّ و جلّ يقول:

لُعِنُوا فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ «6»، و أكل مال اليتيم؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ

______________________________

(1) الشوري: 37

(2) المائدة: 72

(3) يوسف: 87

(4) الأعراف: 99

(5) النساء: 93

(6) النور: 23

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 367

______________________________

سَعِيراً «1»، و الفرار من الزحف؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول:

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِليٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «2» و أكل الربا؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ «3» و السحر؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول:

وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلٰاقٍ «4» و الزنا؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً «5» و اليمين الغموس الفاجرة؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ «6» و الغلول؛ لأن اللّه عزّ و جل يقول: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ «7» و منع الزكاة المفروضة؛ لأنّ اللّه

______________________________

(1) النساء: 1

(2) الأنفال: 16

(3) البقرة: 275

(4) البقرة: 102

(5) الفرقان: 68، 69

(6) آل عمران: 77

(7) آل عمران: 161

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 368

______________________________

عزّ

و جل يقول: فَتُكْويٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ «1» و شهادة الزور و كتمان الشهادة؛ لأنّ اللّه عزّ و جل يقول: وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «2» و شرب الخمر؛ لأن اللّه عزّ و جل نهي عنها كما نهي عن عبادة الأوثان و ترك الصلاة متعمدا، أو شيئا ممّا فرض اللّه عزّ و جل؛ لأن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمّة اللّه و ذمّة رسوله، و نقض العهد و قطيعة الرحم؛ لأنّ اللّه عزّ و جل يقول: لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «3» قال: فخرج عمرو و له صراخ من بكائه و هو يقول: هلك من قال برأيه، و نازعكم في الفضل و العلم «4».

فتدل هذه الرواية بوضوح علي أن قطيعة الرحم من الكبائر، فعلي ضوء هذا الحديث و الأحاديث المتقدمة في القسم الاول تحصّل: أن الصلة واجبة و القطع حرام.

و قد سبق منا أنه يمكن اجتماع كلا الحكمين و لا تنافي بينهما، غاية الأمر أن الدليل قائم علي أن القطع من الكبائر، و أما ترك الصلة- اي ترك الواجب- فلم يدل علي كونه من الكبائر، إلّا ان يقال: إن المستفاد من دليل الحسني أن ترك ما فرضه اللّه من الكبائر فلاحظ.

______________________________

(1) التوبة: 35

(2) البقرة: 283

(3) الرعد: 25

(4) الوسائل: 15/ 318، ب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 2.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 369

القسم الرابع هل يختص وجوب صلة الرحم بمن يكون وصولا، أو يشمل الوصول و غيره؟

اشارة

______________________________

الإجابة عن هذا التساؤل تتضح من خلال جهتين:

الجهة الاولي: القاعدة الأولية

و هي تقتضي عدم التقييد، اي لا تختص الصلة بالواصل فقط، بل تشمل كل رحم، سواء كان وصولا أم قاطعا؛ و ذلك بمقتضي إطلاق وجوب الصلة، حيث ان الإطلاق رفض القيود، و ان كان الذوق و مناسبة الحكم و الموضوع يقتضيان تضييق الدائرة في الواصل فقط، و لكن امثال هذه الامور لا تكون مانعة عن التمسك بالإطلاق.

الجهة الثانية: الأحاديث الشريفة

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 370

______________________________

و هي كما يلي:

1- أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: صلوا أرحامكم و إن قطعوكم «1».

2- هشام بن أحمر، عن سالمة مولاة أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السّلام) حين حضرته الوفاة و اغمي عليه، فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن عليّ بن عليّ بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا، و أعط فلانا كذا، و فلانا كذا، فقلت: أ تعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟!

قال: تريدين أن لا أكون من الّذين قال اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ «2» نعم يا سالمة إنّ اللّه خلق الجنة فطيّبها و طيّب ريحها، و إنّ ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، فلا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم «3».

3- صفوان بن مهران الجمّال قال: وقع بين عبد اللّه بن الحسن و بين أبي عبد اللّه (عليه السّلام) كلام حتّي ارتفعت أصواتهما و اجتمع الناس عليهما حتّي افترقا تلك العشيّة، فلما أصبحت غدوت في حاجة لي فإذا أبو عبد

______________________________

(1) البحار: 71/ 92 ح 19.

(2) الرعد: 21

(3) البحار: 71/ 96 ح 29.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص:

371

______________________________

اللّه [(عليه السّلام)] علي باب عبد اللّه بن الحسن و هو يقول: قولي يا جارية لأبي محمد هذا أبو عبد اللّه بالباب، فخرج عبد اللّه بن الحسن و هو يقول: يا أبا عبد اللّه ما بكّر بك؟

قال: إنه مررت البارحة بآية من كتاب اللّه فأقلقني قال: و ما هي؟

قال: قوله عزّ و جل: الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ قال: فاعتنقا و بكيا جميعا ثمّ قال: عبد اللّه بن الحسن: صدقت و اللّه يا أبا عبد اللّه كأنّي لم أقرأ هذه الآية قط «1»

4- عليّ بن إسماعيل التميمي، عن عبد اللّه بن طلحة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول: إنّ رجلا أتي النبي (صلّي اللّه عليه و آله) فقال: يا رسول اللّه إنّ لي أهلا قد كنت أصلهم و هم يؤذوني، و قد أردت رفضهم، فقال: له رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إذن يرفضكم اللّه جميعا.

قال: و كيف أصنع؟

قال: تعطي من حرمك، و تصل من قطعك، و تعفو عمّن ظلمك، فإذا فعلت ذلك كان اللّه عزّ و جلّ لك عليهم ظهيرا.

قال: ابن طلحة: فقلت له (عليه السّلام) ما الظهير؟

______________________________

(1) البحار: 71/ 98 ح 41.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 372

______________________________

قال: العون «1».

5- إسحاق بن عمّار، قال: قال بلغني عن أبي عبد اللّه أنّ رجلا أتي النبي (صلّي اللّه عليه و آله) فقال: يا رسول اللّه أهل بيتي أبوا إلّا توثبا عليّ و قطيعة لي و شتيمة فأرفضهم؟

قال: إذ يرفضكم اللّه جميعا، قال: فكيف أصنع؟

قال: تصل من قطعك، و تعطي من حرمك و تعفو عمّن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان

لك من اللّه عليهم ظهير «2».

6- عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): إنّ لي ابن عمّ أصله فيقطعني، و أصله فيقطعني حتّي لقد هممت لقطيعته إيّاي أن أقطعه.

قال: إنك إذا وصلته و قطعك، وصلكما اللّه جميعا، و إن قطعته و قطعك قطعكما اللّه «3».

فالنتيجة: أن مضمون هذه الروايات هو اشتراط الصلة، و لا يختص ذلك بالواصل دون غيره، بل يجب علي كل فرد أن يصل كل شخص من أرحامه، سواء وصله أم لم يصله، لا فرق في ذلك.

______________________________

(1) البحار: 71/ 100 ح 50.

(2) البحار: 71/ 113 ح 72.

(3) البحار: 71/ 128 ح 91.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 373

القسم الخامس بما ذا يحصل الوصل؟

اشارة

______________________________

الإجابة عن هذا التساؤل تتضح من خلال زاويتين:

الزاوية الاولي: القاعدة الأولية

الزاوية الثانية: النص الخاص

[الزاوية الأولي: القاعدة الأولية]

فأمّا القاعدة الأولية فمقتضاها الرجوع إلي العرف؛ و ذلك لكونه محكما في تشخيص أو تعيين المفاهيم، و يمكن أن يقال: إن للزمان و المكان مدخلية في تحقق صلة الرحم، ففي بعض الاماكن تتحقق بالاتصال التلفوني كما في زماننا المعاصر، و في بعض الاماكن لا بد من زيارة الرحم إلي بيته و هكذا …

[الزاوية الثانية: النص الخاص]

و أمّا النص الخاص فيظهر من خلاله أن الصلة تتحقق بمجرد كف الأذي عن الأرحام، بل أفضل ما توصل به الرحم، هذا ما رواه لنا ابن أبي

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 374

______________________________

نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قال: أبو عبد اللّه (عليه السّلام):

صل رحمك و لو بشرية من ماء، و أفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذي عنها، و صلة الرحم منسأة في الأجل، مثراة في المال، محببة في الأهل «1»

فعلي ضوء هذا الحديث الشريف نستطيع أن نقول بمجرد كف الأذي يتحقق الوصل، و الالتزام بمفاد الحديث يسهل الامر؛ لما تعلم أنه قد يصل الأمر بالإنسان في بعض الأحيان إلي العسر و الحرج.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، در يك جلد، المقرر - چاپخانه امير، قم - ايران، اول، 1419 ه ق مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم؛ ص: 374

و يؤيد هذا الحديث روايتان:

1- قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): صل رحمك و لو بشربة من ماء، و أفضل ما يوصل به الرحم كفّ الأذي عنها «2».

2- الوصافي، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): عظّموا كباركم و صلوا أرحامكم، و ليس تصلونهم بشي ء أفضل من كفّ الأذي عنهم «3».

فعلي ضوء هذه الأحاديث تحصّل: أنّ الصلة تتحقق بكف

الأذي؛ لأن حديث البزنطي ناظر إلي موضوع تلك الروايات المتقدمة، فيكون حاكما عليها، و علي هذا الأساس لا تعارض بين الأحاديث السالفة الذكر

______________________________

(1) لاحظ الكافي: 2/ 151، ح 9، و البحار: 71/ 88/ ح 1.

(2) البحار: 74/ 103، ح 62.

(3) الكافي: 2/ 165/ ح 3.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 375

______________________________

و حديث البزنطي.

و لرب قائل يقول: لا يمكننا التسليم بما جاء في حديث البزنطي؛ و ذلك لما يراه العرف من عدم تحقق الصلة بكفّ الأذي، و الحال أن الصلة واجبة، فحينئذ لا بد من تحققها بطريق آخر غير كفّ الأذي.

و جوابه: بناء علي هذه المقالة يبرز التعارض من واقع هذا الإشكال بين خبر البزنطي القائل بتحقق الصلة بكفّ الأذي و بين الروايات المتقدمة، فتصبح النتيجة أن خبر البزنطي يدل علي عدم وجوب الصلة، و الأحاديث الآنفة الذكر تدل علي وجوب الصلة، و بما أن المتأخر من هذه الروايات هو خبر البزنطي فيكون حق الترجيح معه، فنأخذ به و نطرح تلك الأحاديث القائلة بوجوب الصلة؛ لما حققناه في مباحثنا الأصولية من كون المرجح الوحيد منحصرا في الأحدثية.

إن قلت: كيف يمكن الالتزام بهذه المقالة، و الحال أن المرتكز في أذهان المتشرعة وجوب الصلة و حرمة قطعها، فلا بد إذا من إرجاع حديث البزنطي إلي أهله.

قلت: المستفاد من حديث ابن مسلم أن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن، فيمكن أن يكون الحكم مسلّما و غير قابل للخدش فيه و مع ذلك ينسخ، و علي ضوء هذه الرواية قلنا: بأن المتعارض من الحديثين أو الأحاديث يقدم و يرجح علي غيره، و بعبارة أوضح يكون الترجيح مع الأحدث.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 377

القسم السادس بناء علي وجوب الصلة هل يحصل الامتثال في الجملة أو دائما؟

______________________________

بادئ ذي بدء

أشير في الإجابة علي السؤال المطروح، إلي أنه قد حقق في الاصول في بحث الأوامر عند التعرض لمادة الامر و هيئة من طرح سؤال علي مائدة البحث، ألا و هو هل يدل الأمر علي التكرار أو المرة الواحدة؟

الجواب: لا تعرض من خلال الأمر علي المرة و التكرار، و انما يتحقق الامتثال بالمرة الواحدة؛ لأن الأمر يتعلق بالطبيعة متي ما وجدت في الخارج حصل الامتثال، و هو اعم من ايجادها بفرد واحد أو أفراد متعددة، و لكي يتضح المراد نطرح مثالا و هو: إذا قال المولي لعبده: اكرم العالم و في زمن واحد اكرم عدة من العلماء، فلا إشكال أنه يحصل الامتثال باكرام واحد من العلماء؛ و الوجه في ذلك ان انطباق المأمور به

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 378

______________________________

علي المأتي به طبيعي، و الإجزاء حكم عقلي، و لكن هذا البيان لا يتمشي في المقام.

بل المقام داخل في دائرة تحكيم العرف، نظير العشرة الزوجية، فإنه إذا ورد الدليل بوجوب مباشرة المعروف مع الزوجه، كأن يقال: يجب علي الزوج مباشرة زوجته بالمعروف، و كذلك فيما إذا ورد الدليل علي وجوب مباشرة الوالدين بالمعروف، فلا يمكن أن يقال: تحقق الامتثال بأن يباشر الزوج زوجته مرة واحدة بالمعروف، أو الولد يباشر والديه مرة واحدة، بل لا بد من الاستمرار.

فإذا عرفت ذلك نقول ان التكاليف تنقسم الي قسمين، تارة علي نحو الاستمرار باستمرار موضوعها، و اخري لا يكون كذلك، فموضوع صلة الرحم من القسم الأول، فعند ما يرد الدليل بوجوب صلة الرحم لا نري خصوصية في زمان دون آخر، بل يستمر هذا العمل- و هو صلة الرحم- علي جميع الفترات الزمنية، و لا معني لأن يقال: يحصل الامتثال

بالمرة الواحدة فقط، بل يجب علي نحو الاستمرار، و عند ما نلاحظ العرف في ذلك يرون الوصول إلي رحمه فيما إذا يصلهم علي الاستمرار، و اما إذا وصلهم مرة واحدة او حتي مرتين لا يقال له وصولا.

فتحصّل من خلال هذا البيان: أن المقام أمر عرفي و ليس له ميزان كلي، بل الميزان صدق الصلة و عدمها، و كذلك مباشرة الزوج لزوجته،

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 379

______________________________

و الإحسان للوالدين، فهو حكم لم يأطر بإطار زمني محدود، و هذا بخلاف لو زالت الشمس فصلّ، ففي هذه الحالة يتحقق الامتثال و لو بالمرة الواحد، لأن الأمر قد تعلق بالطبيعة كما تقدم الكلام في صدر البحث.

أضف إلي ذلك كله أنه قد تقدم في القسم الثالث حرمة قطع الرحم، فإذا فرضنا أنه من الترك يلزم القطع، و القطع حرام، فإذا لم يمكن إثبات الوجوب للصلة فالقطع حرام فإذا فرضنا أنه من الترك يلزم القطع و القطع حرام فلا معني لأن يقال يقتصر في تحققه علي فرد واحد؛ و ذلك للفرق الشاسع بين الايجاب و التحريم، فالأول يتحقق و لو بالمرة الواحدة، و الثاني لا يتحقق إلّا بترك جميع الأفراد.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 381

القسم السابع هل يشترط في وجوب الصلة أن تكون الرحم عادلة، أو مؤمنة، أو مسلمة، و أن لا يكون حربيا و ناصيا أو لا؟

اشارة

______________________________

الإجابة عن هذا التساؤل تتضح من خلال مقامين:

المقام الاول: القاعدة الأولية.

المقام الثاني: الأدلة الثانوية.

[المقام الأول: القاعدة الأولية.]

فأمّا الأول فمقتضي إطلاق الأدلة عدم الاشتراط.

[المقام الثاني: الأدلة الثانوية.]

اشارة

و أمّا الثاني فيمكن أن يستدل علي أن صلة الرحم تختص بالمؤمن من خلال وجهين و هما كما يلي:

الوجه الأول: الآية الشريفة

قوله سبحانه و تعالي: قٰالَ يٰا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ فَلٰا تَسْئَلْنِ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ … الآية «1»

______________________________

(1) هود: 46

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 382

______________________________

بتقريب أن اللّه سبحانه و تعالي منع نوحا (عليه السّلام) أن يسأل عن ابنه؛ لأنه عمل عملا غير صالح، فعلي هذا إذا كان الرحم مؤمنا يجب صلته و إلّا فلا؛ لأنه لا يكون أهلا للصلة، فبهذا الملاك نستطيع ان نحكم بعدم وجوب الصلة في كل رحم و قريب منحرفا.

و جوابه يتضح من ثلاثة أمور:

الأول: إن دائرة الرحم أوسع نطاقا من دائرة الأهل، فليس كل قريب أهل، فعلي ذلك نفي الأهلية لا ينفي القرابة و الرحم.

الثاني: مقتضي الآية الشريفة عدم صلة الفاسق من الرحم؛ و ذلك لأنه يعمل عملا غير صالح، غاية الأمر أن المراتب مختلفة، فهذه مرتبة راقية من الانحراف، و هذه نازلة، و أخري أقلّ و هكذا … و هو كما تري.

الثالث: إن الخطاب الصادر من المولي عزّ و جل خاص بشريعة نوح (عليه السّلام)، و حتي علي القول بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية- مع قطع النظر عن معارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد- لا يجري في المقام، كما تقدم توضيحه مستوفي في القسم الأول عند تعرضنا إلي الآية الخامسة، فاتضح أنه لا مجال للتمسك بالآية الكريمة علي المدعي.

الوجه الثاني: ما روي عن النبي (صلّي اللّه عليه و آله)

حيث قال: «قطع الإسلام أرحام الجاهلية» «1»

و هذا الحديث لا إشكال في أن دلالته بالنسبة إلي قطع رحم الكافر

______________________________

(1) بحار الأنوار: 71/ 109.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 383

______________________________

تامة، و انما الكلام و الإشكال في سند هذا الحديث، فإننا لا يمكننا التعويل عليه؛ و ذلك للإرسال.

و علي أية حال تحصّل

من خلال ما بيناه: أن الإطلاق محكم، و يؤيده حديث الجهم بن حميد حيث قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): تكون لي القرابة علي غير أمري، ألهم عليّ حق؟

قال: نعم حقّ الرّحم لا يقطعه شي ء، و إذا كانوا علي أمرك كان لهم حقان: حقّ الرّحم و حقّ الإسلام «1»

و زبدة المخاض أنه لا فرق في وجوب الصلة بين أن يكون الرحم مؤمنا، او فاسقا، او كافرا، و كذلك لا تنافي بين هذا الحكم و بين ما يختص ببعض الفرق.

إن قلت: كيف يمكن الالتزام بوجوب صلة الرحم علي نحو الإطلاق؟! و الحال أن المستفاد من الأدلة عدم جواز السلام علي الكافر، فكيف بتكريمه و الإحسان إليه؟!

قلت: لا تنافي بين الأمرين، فإن باب الصلة واسعة، و للصلة انواع و أقسام، فيمكن امتثال الأمر بها في ضمن فرد لا يكون موردا للنهي الشرعي.

______________________________

(1) الكافي: 2/ 157/ ح 30.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 385

القسم الثامن هل يشترط في الصلة أن تكون مؤثرة في الطرف المقابل، بحيث يحصل منها المحبة و المودة أو لا؟

______________________________

الذي يجول في الذهن في هذه العجالة أنّ المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي الاختصاص، بل لنا أن نقول: المراد من الصلة هي الوصل، و من الظاهر أن الوصل في المقام هو وصل معنوي، لا خارجي، فلو فرض عدم ترتب الأثر عليه فما هي فائدته؟ و كيف يتحقق الوصل؟!

و يتضح المدعي في صورة تأثيرها في الطرف المقابل أثرا منافيا للقرب و المحبة، سيما إذا كان ذلك موجبا للإذاء، فيمكن ان يقال في هذه الحالة بالحرمة؛ و ذلك لحرمة الإيذاء، و طريق الاحتياط ظاهر.

نعم في صورة جلبها الأذية يكون مقتضي حرمة الإيذاء حرمتها فلاحظ.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 386

______________________________

و بهذا قد تم البحث في صلة الرحم من محاضرات سيدنا

الأستاذ آية اللّه العظمي الحاج السيد تقي الطباطبائي القمي «دام عزه»، و كان ذلك في صبيحة التاسع و العشرين من شهر شوال لعام 1417 ه، علي مهاجرها آلاف التحية و السلام، و حرره الراجي شفاعة مولاه زهير بن الحاج يوسف الدرورة السنابسي، عفي الله عنه و عن والديه، بجواز مرقد كريمة الإمام موسي بن جعفر عليه آلاف التحية و السلام.

و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا، و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة و السلام علي أشرف الأنبياء و المرسلين، محمد بن عبد اللّه و آله الطيبين الطاهرين، و اللعن الدائم المؤبد علي أعدائهم من الآن إلي قيام يوم الدين.

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 387

مصادر البحث

مباحث فقهية - الوصية، الشركة، صلة الرحم، ص: 389

1- القرآن الكريم.

2- وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه) ط، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم- ايران.

3- تفسير البرهان، السيد هاشم البحراني (ت 1107 ه) ط، قم- ايران 1375 ه.

4- تفسير الصافي، محسن الملقب بالفيض الكاشاني (ت 1091 ه) ط، مكتبة الصدر، طهران- ايران.

5- مجمع البيان في تفسير القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، (471- 548 ه) ط دار أحياء التراث العربي بيروت- لبنان ط الأولي 1406 ه.

6- بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي (ت 1110 ه) ط، دار احياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ط الثانية 1403 ه.

7- مباني العروة الوثقي، محمد تقي الخوئي ط، الأولي 1408 ه قم- ايران.

8- مستمسك العروة الوثقي، محسن الحكيم، ط الرابعة 1391 ه النجف الأشرف- العراق.

9- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي (من أعلام القرنين الثالث و الرابع الهجري) ط، دار

الكتاب، قم- ايران 1404 ه.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.